كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا” من إيطاليا
خطت فرنسا يوم الأحد خطوة أقرب نحو تحقيق ما كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه كابوس لا يمكن تصوره: وصول حكومة يمينية متطرفة إلى السلطة في باريس لأول مرة.
الانتخابات التشريعية التي جرت في فرنسا في 30 يونيو 2024 أسفرت عن تغييرات كبيرة في المشهد السياسي. هذه الانتخابات تم الدعوة لها من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون عقب هزيمة كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث تصدر حزب التجمع الوطني (RN) اليميني المتطرف النتائج بنسبة 31.5% من الأصوات مقارنة بحزب النهضة (Renaissance) الذي حصل فقط على 15.2%
تشير النتائج الأولية للانتخابات التشريعية إلى أن التجمع الوطني وحلفاءه حصلوا على أكبر نسبة من الأصوات في الجولة الأولى بنسبة 32.36%. جاء التحالف اليساري الجبهة الشعبية الجديدة (NFP) في المرتبة الثانية بنسبة 28.74%، بينما حصل تحالف ماكرون (Ensemble) على 21.56%. أما الجمهوريون (LR) والمرشحون الآخرون من اليمين الوسطي فحصلوا على 10.10% من الأصوات
حقق حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان مكاسب كبيرة في الجولة الأولى من الانتخابات المبكرة التي يمكن أن تقلب العقيدة السياسية في جميع أنحاء أوروبا وخارجها رأسا على عقب، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الأسواق والأمن العالمي سيكون من الصعب التنبؤ بها.
ووفقا لتقديرات أولية أجرتها مؤسسة إبسوس لاستطلاعات الرأي، فإن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في طريقه للفوز بنسبة 34 في المائة من أصوات الأحد، بينما تكبد تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوسطي خسائر فادحة، حيث جاء في المركز الثالث بنسبة 20.3 في المائة من الأصوات. وحقق التحالف اليساري أداء قويا بنسبة 28.1 بالمئة من الأصوات.
وقالت لوبان، متحدثة في حفل حزبي في بلدة هينان بومونت بشرق فرنسا: “لقد أظهر الشعب الفرنسي أنه يريد وضع حد لسبع سنوات من حكم ماكرون المزرى”. وأضافت: “لم نفز بعد، الجولة الثانية ستكون حاسمة… نحتاج إلى أغلبية مطلقة حتى يتمكن إيمانويل ماكرون من تعيين جوردان بارديلا، خلال ثمانية أيام”.
ووفقا للتوقعات الأولية المستندة إلى استطلاعات الرأي، من المتوقع أن يحصل حزب لوبان على 230-280 مقعدا في الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 مقعدا، وتحالف اليسار على 125-165 مقعدا، وائتلاف ماكرون على 70-100 مقعد.
لكن توقعات المقاعد هي تخمينية في هذه المرحلة وتعتمد على القرارات السياسية المتخذة في الأيام المقبلة قبل الجولة الثانية من التصويت في 7 يوليو. ومن المقرر أن يبقى ماكرون نفسه في السلطة حتى نهاية ولايته في عام 2027، بغض النظر عن النتيجة. لانتخابات الجمعية هذه.
تصوت فرنسا في انتخابات مبكرة حاسمة يبدو أنها سيكون لها تأثير مدوي في جميع أنحاء القارة في وقت حرج. وتواجه حكومات الوسط في الاتحاد الأوروبي بالفعل تحديات بداية من حرب أوكرانيا إلى احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي الدوائر التي تأهل فيها ثلاثة مرشحين للدور الثاني يوم الأحد المقبل، سيتعرض المرشح صاحب المركز الثالث لضغوط للانسحاب من أجل هزيمة حزب التجمع الوطني. ويبدو من المرجح أن يواجه ماكرون خيارا صعبا في العديد من المجالات حول ما إذا كان سيسحب مرشحيه في محاولة لهزيمة حزب لوبان.
دعا رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، حليف ماكرون، الناس إلى التصويت ضد حزب التجمع الوطني ومرشحي اليسار المتطرف فرنسا غير الخاضعة. وقال فيليب، رئيس وزراء ماكرون السابق ورئيس حزب “آفاق” الذي ينتمي إلى يمين الوسط: “أعتقد أنه لا ينبغي الإدلاء بأي صوت لمرشحي حزب التجمع الوطني، ولا لمرشحي حزب “فرنسا غير المنحوتة” من اليسار المتشدد”. ودعا ناخبي المعسكر الرئاسي إلى دعم المرشحين اليساريين فقط من الأحزاب الخضراء والاشتراكية والشيوعية.
اتسمت هذه الانتخابات بارتفاع نسبة المشاركة وانقسام كبير بين الناخبين. يواجه المشهد السياسي في فرنسا الآن احتمال حدوث جمود سياسي، حيث من غير المتوقع أن يحصل أي من الكتل الكبرى على أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية. هذا الوضع قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي وربما انتخابات مبكرة جديدة في غضون عام.
صعود حزب التجمع الوطني والتحالف اليساري يعكس تعمق الانقسامات داخل المجتمع الفرنسي، مما يحمل تبعات كبيرة لمستقبل السياسة والمجتمع في فرنسا. ستكون الجولة الثانية من التصويت في 7 يوليو حاسمة في تحديد التكوين النهائي للجمعية الوطنية وتوازن القوى في السياسة الفرنسية.
القوى السياسية الرئيسية في الانتخابات التشريعية الفرنسية 2024:
- التجمع الوطني (RN)
يقود هذا الحزب اليميني المتطرف جوردان بارديلا، وقد حصل على أكبر نسبة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، بنسبة 32.36%. التحالف مع حزب “الجمهوريون” (LR) زاد من قوة التجمع الوطني، حيث دعم العديد من مرشحيه.
- الجبهة الشعبية الجديدة (NFP)
هو تحالف من الأحزاب اليسارية، ويشمل حزب “فرنسا الأبية” بقيادة جان لوك ميلونشون، والحزب الاشتراكي، والخضر (البيئيون)، والحزب الشيوعي الفرنسي. حصل هذا التحالف على 28.74% من الأصوات في الجولة الأولى، مما يجعله القوة الثانية في الانتخابات.
- تحالف “معًا” (Ensemble)
هو التحالف الداعم للرئيس إيمانويل ماكرون، ويشمل حزب النهضة (Renaissance) والحركة الديمقراطية (MoDem) وحزب الأفق (Horizons). حصل هذا التحالف على 21.56% من الأصوات، مما يعكس تراجع شعبيته بشكل كبير بعد الهزيمة في انتخابات البرلمان الأوروبي.
- حزب الجمهوريين (LR)
يمثل اليمين الوسطي، وقد حصل على 10.10% من الأصوات. دعم بعض مرشحيه من قبل التجمع الوطني، بينما خاض الآخرون الانتخابات بشكل مستقل.
النتائج الأولية وتأثيرها:
- التجمع الوطني تأهل للجولة الثانية في 447 دائرة انتخابية.
- الجبهة الشعبية الجديدة تأهلت في 407 دائرة انتخابية.
- تحالف “معًا” تأهل في 312 دائرة انتخابية.
- حزب الجمهوريين تأهل في 64 دائرة انتخابية.
هذه الانتخابات تميزت بمشاركة عالية وانقسام كبير بين الناخبين، مما يعكس التحولات الكبيرة في التوجهات السياسية للمجتمع الفرنسي. من المتوقع أن تشهد الجولة الثانية تنافسًا شديدًا بين القوى الثلاث الكبرى، مع احتمالية حدوث جمود سياسي إذا لم يحصل أي تحالف على الأغلبية المطلقة، مما قد يدفع ماكرون لدعوة انتخابات جديدة في المستقبل القريب.
تأثير الانتخابات الفرنسية على مستقبل أوروبا
- التحول نحو اليمين المتطرف
التجمع الوطني: فوز التجمع الوطني (RN) في الانتخابات التشريعية الفرنسية يعكس تحولاً كبيرًا نحو اليمين المتطرف في فرنسا. هذا الحزب، بقيادة جوردان بارديلا، يروج لسياسات مناهضة للهجرة ومعادية للاتحاد الأوروبي. إذا استمرت هذه السياسة في الانتشار، فقد تشهد أوروبا تصاعدًا في التيارات القومية والمتطرفة، مما قد يؤدي إلى تقويض الوحدة الأوروبية وإضعاف الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية. - التأثير على السياسات الأوروبية
السياسات الاقتصادية والاجتماعية
في حال تشكيل الحكومة الفرنسية من قبل التجمع الوطني أو حتى تحالف يضمهم، قد نشهد تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الاتحاد الأوروبي. هذه السياسات قد تركز على حماية الأسواق الوطنية وتقليل الهجرة، مما يمكن أن يؤثر على العمالة الحرة وحركة الأفراد داخل الاتحاد.
الاستجابة الأوروبية
• استراتيجية الاتحاد الأوروبي: الاتحاد الأوروبي قد يضطر إلى تعديل استراتيجياته وسياساته الداخلية لمواجهة هذا التحدي. قد يتم تعزيز التكامل الأوروبي وتطوير سياسات جديدة لمواجهة صعود الأحزاب القومية والمتطرفة، وذلك لحماية الوحدة والتضامن الأوروبيين.
• السياسات الدفاعية والأمنية: التعاون الدفاعية : فرنسا تعتبر من الدول الرئيسية في التعاون الدفاعي والأمني داخل الاتحاد الأوروبي. أي تغيير في القيادة السياسية قد يؤثر على التزامات فرنسا في هذا المجال، مما قد يدفع باقي الدول الأوروبية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والأمنية
نتائج ملفتة في الانتخابات
• اعلى نسبة مشاركة 65.5 % مما يدل على انقسام حاد في فرنسا.
• انقسام في اليسار وسقوط الأمين العام لحزب الشيوعي، فابيان روسل كنتيجة للمنافسة داخل اليسار وغياب خطاب جامع، باستثناء (مهاجمة اليمين) دون وجود خطاب مقنع لسبب الهجوم. غياب الرؤية لمستقبل أوروبا ومستقبل دولهم، واستخدامهم لخطاب ببغائي كرفض حرب غزة والخلط ما بين حماس ومصالح الشعب الفلسطيني متعاملين مع السنوار على انه جيفارا العصر.
الخلافات داخل التحالف اليساري في فرنسا تعود إلى عدة عوامل وأسباب:
- الفلسفة السياسية والايديولوجية: الأحزاب اليسارية في فرنسا تتباين في الفلسفات والمبادئ السياسية، مما يؤدي إلى اختلاف في الرؤى بشأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتعامل مع القضايا الاجتماعية والبيئية.
- السياسات الداخلية للحزب: كل حزب يمكن أن يكون لديه هياكل داخلية مختلفة، ومراكز قوة مختلفة، مما يؤدي إلى تنافس وصراع داخلي حول القيادة والتوجهات.
- الاستراتيجيات الانتخابية: تختلف الأحزاب اليسارية في فرنسا في الطرق التي يتبعونها لجذب الناخبين وتحقيق النجاح الانتخابي، مما يمكن أن يؤدي إلى خلافات حول التحالفات مع الأحزاب الأخرى أو حول التوجهات السياسية المستقبلية.
- القضايا الهامة: بعض القضايا الهامة مثل الهجرة، الاقتصاد، البيئة، والعدالة الاجتماعية قد تثير خلافات داخل التحالف اليساري، حيث قد يكون هناك رؤى متباينة حول كيفية التعامل معها.
- الشخصيات القيادية: تلعب الشخصيات البارزة دوراً كبيراً في تشكيل السياسة الحزبية والاتجاهات، وقد تؤدي الخلافات الشخصية بين القادة إلى تفتيت التحالف اليساري.
باختصار، الخلافات داخل التحالف اليساري في فرنسا تنشأ من مجموعة متنوعة من العوامل السياسية والاستراتيجية والشخصية، وهذه الخلافات تؤثر على قدرة التحالف على تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الانتخابات وتحقيق الأهداف السياسية المشتركة.
• خلال الحملة الانتخابية في فرنسا، عبر اليمين الفرنسي عن الهوية الوطنية وموضوعات اللاجئين بطرق متعددة ومتنوعة:
- الهوية الوطنية والسيادة: ركز اليمين الفرنسي على تعزيز الهوية الوطنية الفرنسية وحماية السيادة الوطنية، مما يشمل التأكيد على القيم الفرنسية التقليدية والثقافة الوطنية. هذا التعبير يشمل التأكيد على أهمية اللغة الفرنسية والتمسك بالتراث الثقافي والتاريخي للبلاد.
- موضوع اللاجئين والهجرة: أثار اليمين الفرنسي قضايا الهجرة واللاجئين بشكل حاد، حيث أعرب عن القلق من التدفق الكبير للمهاجرين إلى فرنسا ودعا إلى فرض سيطرة أكبر على الحدود وتشديد سياسات اللجوء. كما تم التركيز على ضرورة تقديم المساعدة للمهاجرين في بلدانهم بدلاً من السماح لهم بالوصول إلى فرنسا بشكل غير مراقب.
- الأزمة الاقتصادية والتوظيف: استغل اليمين الفرنسي الأزمة الاقتصادية لتعزيز حملتهم، حيث اتخذوا من البطالة وضعف الاقتصاد محوراً رئيسياً في حملتهم الانتخابية. تعهدوا بتحسين الأوضاع الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة للفرنسيين، مع التأكيد على أن السياسات الاقتصادية اليمينية ستعود بالفائدة على جميع شرائح المجتمع.
- الحماية الاجتماعية والمجتمعية: ناقش اليمين الفرنسي أيضًا الحاجة إلى حماية القيم التقليدية الفرنسية والعائلة التقليدية كأساس للمجتمع. تم التركيز على حماية القيم والتقاليد الاجتماعية من التحديات الخارجية والتدخلات الثقافية الأجنبية.
بشكل عام، عبر اليمين الفرنسي خلال الحملة الانتخابية عن الهوية الوطنية من خلال التأكيد على السيادة والثقافة الفرنسية، بينما ركز على موضوعات اللاجئين والهجرة من خلال الدعوة لسياسات أكثر صرامة وتحكم على الحدود. كما استغلوا الأزمة الاقتصادية للتأكيد على ضرورة تطبيق سياسات اقتصادية قوية لتحفيز النمو وخلق فرص العمل في البلاد.