كتب زياد ا. يممين:التطورات الحالية والآتية حكماً والمبرهن عليها في علم الإجتماع السياسي، هي التي ستحسم الحرب في غزة، فيما المستجدات الآتية تشهد على صيرورة النزاعات الكبرى:
١ – الشارع الإسرائيلي الداخلي بدأ يتفكك وسيتفكك أكثر مع الكوارث التي تلاحقه، مما سيجبر حكومة الطوارىء الحالية على الرحيل .
٢ – الإقتصاد الإسرائيلي لن يصمد طويلاً، وإن حصل فهو سيعرف خضات مالية كبيرة في أسواق الأسهم والسندات والإدخار، والولايات المتحدة لن تستطيع ضخ السيولة المالية فيه بسبب معدلات الفائدة المرتفعة التي يعمل الفديرالي الأميركي على رفعها منذ فترة ليست بقصيرة، وهذا دليل على افتقار الاقتصاد الأميركي للملاءة المالية التي تحتاجها إسرائيل للاستمرار في حرب استنزاف طويلة .
٣- الجيش الإسرائيلي غير جاهز لتحمل خسائر كبيرة في جنوده (خسر حتى الآن أكثر من ٣٥٠ جندياً بين قتيل وجريح على جبهتي لبنان وغزة، وهو رقم مستقل عن الرقم الذي تكبده في أول ٣ أيام من عبور غلاف القطاع). أما الدعم الأميركي، الذي مهما تعاظم، فهو لن يلبي احتياجات حرب طويلة جداً لأن مخزوناته استنزفتها حرب اوكرانيا.
٤- أما في فلسطين، فسلطة رام الله المتجسدة بمحمود عباس، ستحصل في داخلها انشقاقات سياسية وأمنية واستخباراتية نتيجة ما يحصل من مذابح في غزة، تؤدي بها للعودة إلى فكرة الكفاح الفلسطيني المسلح الذي أسسه الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهذا سيكون من خلال الابتعاد التدريجي عن آلية التنسيق الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعبر حركات نضالية متجددة وتنظيمات عسكرية مستقلة عن حركة “فتح”، يكون أول أهدافها محاربة وتفكيك كل المستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر (حزيران ١٩٦٧)، وما يحصل في جنين والخليل وطولكرم ورام الله وغيرها ليس إلا البداية .
٥- مستوطنات غلاف غزة ستبقى فارغة من شاغليها وهذا هدف امني – سياسي مقصود الآن طالما استمرت الحرب، وهذا ما تبتغيه حالياً حركتا “حماس” و”الجهاد”، وهما ستعملان على إفراغ مستوطنات أبعد منها بكثير جغرافياً بحيث تكون مسألة العودة إليها مستحيلة، وهو رد على مشروع إسرائيل بترحيل سكان شمال القطاع بالكامل باعتماد سياسة الأرض المحروقة التي يبدو أنها ستفشل لأنّ مستوطني الإحتلال لن يعودوا ابداً إلى مساكنهم إلّا بضمانات أمنية أممية تحقيقها مستحيل في هذه المرحلة من التطورات .
٦ – لا يجد “حزب الله” ضرورة ملحة وآنية للدخول في حرب أكبر من التي يخوضها حالياً، فما يقوم به الآن يكفيه كما يكفي الفلسطينيين لجهة إنهاك إسرائيل حتى العظم كي تتراجع عن هدفها الإعجازي بتصفية المقاومة الحمساوية نهائياً، لا بل ان الحزب سيوسع عاجلاً من دائرة استهدافاته في إصبع الجليل وفي القطاعين الأوسط والغربي لتهجير وإفراغ أكبر مساحة جغرافية ممكنة في شمال إسرائيل من مستوطنيها، تماشياً مع التكتيك نفسه الذي تتبعه “حماس” و”الجهاد” للوصول إلى معادلة بسيطة ولكن حاسمة في الحرب: ترحيل المستوطنين الإسرائيليين لمدة زمنية طويلة جداً مقابل ترحيل شعب غزة، وهذا ما لن يتحمله المهاجرون اليهود حاملو الجنسية المزدوجة، فهم سيرحلون من دون أن يعودوا ابداً. وبما أن الشعب هو قاعدة كل كيان وسلطة، عند زواله تصبح الأرض بلا قيمة (المفهوم الأول لفكرة الدولة، اي دولة)، يصبح من الواضح بأن الذي سيصمد في أرضه إلى النهاية هو الذي سيحسم المعركة الى صالحه، وهم طبعاً الغزاويون، ودائماً وفق ما يبرهنه علم السياسة ووقائع الميدان والجغرافيا .