كتب ابراهيم بيرم: شهدت جبهة الحدود الجنوبية المشتعلة في يومها الثالث والثلاثين هدوءاً نسبياً. اذ اكتفى “حزب الله” باصدار 3 بيانات عن مهمات عسكرية روتينية نفذها مقاتلوه، تركزت على قصف للمواقع الاسرائيلية الحدودية.
في الموازاة، ذكرت التقارير الامنية الصادرة عن تل ابيب أن القوات الاسرائيلية المتمركزة على الحدود الشمالية قد اكتفت بالرد على مصادر النيران.
وبطبيعة الحال، فان عودة طرفي الصراع على الحدود الجنوبية الى التزام قواعد الاشتباك الاساسية المعروفة والقائمة على مبدأ التراشق والمشاغلة، في اعقاب تطورات ميدانية دراماتيكية بعثت في احيان كثيرة على القلق وانذرت بخروج الامور عن نطاق السيطرة والتحكم، لا تعني بالضرورة انه بامكان الراصدين ان يبشروا من يعنيهم الامر بأن الاوضاع على الحدود اللبنانية مع الاراضي الفلسطينية المحتلة قد بدأت تجنح بين ليلة وضحاها الى معادلة الهدوء والاستقرار.
ولا يعني ايضاً انّ طرفي الصراع قد اطلقا كل ما حوته جعبتيهما من خيارات وطاقات نارية كان كل منهما قد ادخرها لهذه الجولة من النزال، وهي خيارات اقتربت كما هو معلوم من حافة الانفجار الواسع لكنها لم تبلغه. والواضح ان (ا ل ح ز ب) هو المبادر الى خفض منسوب التوتر على الحدود، اذ لم يكن خافياً منذ الثامن من الشهر الماضي انه هو من سارع الى موقع الهجوم وشرع في التنفيذ، وذلك عندما قصف مقاتلوه المتمركزين في منطقة العرقوب 3 مواقع اسرائيلية في مرتفعات مزارع شبعا في صبيحة اليوم التالي لاطلاق حركة “حماس” عمليتها النوعية “طوفان الاقصى”، وكان رد مدفعية الاحتلال حينها على القصف فاتحة مواجهات حدودية تتوالى فصولاً الى اليوم.
من البديهي ان (ا ل ح ز ب) يرفض اطلاقاً ان يكون هذا التراجع من جانبه على صلة بأمرين:
الاول، ان يكون تراجع نسق عملياته وهجماته على الاهداف الاسرائيلية (مواقع عسكرية ودوريات ومستوطنات) مرتبطاً بزيارة الموفد الاميركي الخاص الى لبنان آموس هوكشتاين والتي حمل فيها عرضاً من بندين لكنهما يؤديان غرضاً جوهرياً واحداً وهو أن يترك لبنان نصرة حركة “حماس” ويدعها وحيدة في المواجهة مع الاحتلال.
الثاني، ان يكون هذا التراجع في منسوب الاعمال الحربية والمواجهات من الثوابت عند (ا ل ح ز ب)، لأن المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي ما زالت بالنسبة اليه مفتوحة وفي ذروتها. واذا كان (ا ل ح ز ب) لم يتخل عن دعم حركة “حماس” وغزة منذ البدايات، فهو من باب اولى لن يتخلى عن دعمها فيما الكيان العبري ومعه الادارة الاميركية قد انطلقا لتوّهما في رحلة عنوانها العريض كيف نخرج تل ابيب منتصرة من هذه الحرب بعدما تلقت اقسى ضربة موجعة، وكيف يمكن ان تخرج حركة “حماس” من هذه المواجهة التي قادتها ببراعة عسكرية، وقد بدت مهزومة ومضطرة الى التخلي عن قيادة غزة والخروج منها ذليلة على صورة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في صيف عام 1982.
وعليه، فان تقديرات (ا ل ح ز ب) الاخيرة قد استقرت على ان المعركة ما زالت في اوجها وانها طويلة لأنها تختلف عن كل سابقاتها، خصوصاً ان الهجمات الاسرائيلية الخمس على غزة التي تلت جلاء الاسرائيلي عنها تختلف عن الحرب الاسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006.
لذا، فان امر التراجع او التهدئة الذي يرى البعض ان بوادره بدأت تلوح، ليس تحولاً يعتد به بقدر ما هو خاضع لتقديرات القيادة الميدانية للمقاومة على الحدود. خصوصاً ان اداء مقاتلي (ا ل ح ز ب) في الايام الثلاثة والثلاثين الماضية قد جعل الاعلام الاسرائلي يقر بأن (ا ل ح ز ب) “هو من يمتلك زمام المبادرة على الحدود، وان ما ينفذه من عمليات وهجمات يمثل تحدياً ضخماً للقيادة الاسرائيلية ولا نستطيع ان نعالجه وحدنا”.
في كل الاحوال، فان موقف “حزب الله” في اليوم الرابع والثلاثين على حرب غزة ما زال كما كان في يومها الاول، وهو: لسنا محايدين في هذه المواجهة ولن نترك “حماس” تسحق وغزة تسقط.