
كتب ابراهيم بيرم: في اطار مفاجآت الحرب المفتوحة على جبهة الحدود اللبنانية مع الاراضي الفلسطينية المحتلة، برز في الساعات الاولى من فجر اليوم تطور ميداني لافت ونوعي، تمثل في قصف الطيران الاسرائيلي فجر اليوم مصنعاً للالمنيوم يقع بين بلدتي الكفور وتول في قضاء النبطية، مما ادى الى احتراقه بالكامل طوال ساعات.
حسب معطيات اولية استقاها “موقعنا” من اكثر من مصدر على صلة، فان الغارة الاسرائيلية هي الاكثر عمقاً في الداخل اللبناني والاكثر اذية وخسارة من الناحية الاقتصادية، مما يدل على انها تصعيد من الجانب الاسرائيلي للموقف العسكري، فضلاً عن انه الاكثر تفلتاً في قواعد الاشتباك المعروفة بين الجانبين.
وثمة من يرى ان امر التصعيد الاسرائيلي متعمد يتعدى الرد المألوف على هجمات حزب الله، مما يؤشر الى ان القيادة الاسرائيلية قد بدأت مرحلة جديدة في المواجهات الحدودية الدائرة منذ اكثر من اربعين يوماً ترمي الى تكبيل يد (ا ل ح ز ب) التي كانت طليقة وحرة، وكانت المبادرة الى تنظيم الهجمات على المواقع الاسرائيلية الحدودية فضلاً عن ابلاغ (ا ل ح ز ب) رسالة جديدة عنوانها العريض اننا نجحنا في الامساك بزمام الوضع في غزة، وبتنا مستعدين اكثر للدخول معك بمواجهات على قواعد جديدة اكثر خشونة من ذي قبل.
واكثر من ذلك، فان تل ابيب تراهن من خلال هذا التصعيد المنظم والممنهج في وجه حزب الله على رفع معنويات جمهورها وخصوصاً سكان مستوطنات الجليل الاعلى المحتل الـ 17 الذين اضطرتهم هجمات (ا ل ح ز ب) المتتالية الى مغادرة اماكن سكناهم والنزوح قسراً في اتجاه مناطق اكثر اماناً في الداخل الاسرائيلي، وهو ما تسبب في احباط معنوي لهم زاد من منسوب الهجمة على حكومة بنيامين نتنياهو.
ومما يذكر في هذا الاطار، ان وسائل الاعلام الاسرائيلية قد زادت من وتيرة الضغط النفسي والمعنوي على الجمهور الاسرائيلي من خلال الكتابات التي اعتمدتها طوال الفترة التي تلت انفجار الاوضاع على الحدود، وفحواها ان “الجيش الاسرائيلي محبط وفي موقع الرد طوال الوقت”، مشيرة ايضاً الى ان “(ا ل ح ز ب) يستغل التوجه الاسرائيلي لمنع انفجار الحرب على الحدود الشمالية مما جعل يد نصرالله هي العليا وليس يدنا”.
وعليه، بدا واضحاً اخيراً ان القيادة الاسرائيلية نجحت في الايام القليلة الماضية في استيعاب الموقف الحدودي، وفي قلب الصورة من خلال خطة هجوم وقائي نظمته وهدفه استعادة زمام المبادرة ومن ثم ارباك (ا ل ح ز ب) وخططه وزيادة منسوب الضغوط عليه وعلى بيئته الحاضنة، وذلك من خلال توسيع نطاق الهجمات التي بلغت خلال الايام الماضية ذروتها عبر الهجوم الذي استهدف بستاناً في الزهراني البعيدة نحو 40 كيلومتراً عن الحدود ومن خلال تكثيف الغارات الجوية.
من جهته، يبدو ان (ا ل ح ز ب) تنبه لهذه المسألة وسارع الى خلال الساعات الماضية الى العمل ما في وسعه لاستعادة المبادرة، فشن خلال الساعات الماضية وفق بياناته نحو 15 هجوماً في يوم واحد وهو الرقم الاعلى منذ الثامن من الشهر الماضي، كما ادخل اسلحة جديدة بينها المسيّرات وصواريخ ارض – جو.
كل ذلك يعني ان المواجهات الحدودية مرشحة للازدياد والاحتدام خلال الساعات المقبلة.
وعن هذا الواقع واحتمالاته، قال الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الياس فرحات في اتصال مع “موقعنا”: نسبة المخاوف لدينا ترتفع بعدما تبدى واضحاً ان الاسرائيلي مندفع الى درجة الجموح في مواجهاته في غزة، وهو ما بدد كل فسحة الامل التي برزت خلال الايام الماضية من خلال الحديث عن هدن وتبادل للاسرى والمعتقلين وتخفيف تل ابيب من وتيرة هجماتها على المدينة المنكوبة وقطاعها. والدليل الابرز على ذلك، هو ما حصل ويحصل في الساعات القليلة الماضية في مستشفى الشفاء في غزة، فيتضح ان تركيز اسرائيل على اخلائه يعني انها دخلت مرحلة البحث الدؤوب عن انجاز ما او حجة معينة.
ومما لا شك فيه، اضاف العميد فرحات، ان واقع الحال الميداني المحتدم هذا يعكس نفسه تلقائياً على الحدود الجنوبية ان لجهة ارتفاع حماوة المشهد او لجهة اتساع نطاق المواجهات من جانب كلا الطرفين لا سيما خلال الساعات الـ 48 الماضية .
واستطرد فرحات، في المطلق لا تزال الامور في تقديرنا مضبوطة على الحدود بيننا وبين الاراضي المحتلة، وهي تسير لحد الان وفق الوتيرة المعروفة وهي حرب استنزاف ومشاغلة مضبوطة بحيث لا تنفلت وتتدحرج نحو الحرب الواسعة المفتوحة.
لكن ذلك على اهميته، لا يعني بناء على تطورات الموقف في غزة وعلى حدودنا الجنوبية، انه بالامكان ابقاء الامور على المنوال نفسه. اذ على سبيل المثال، ان (ا ل ح ز ب) تلقى ضربة مادية ومعنوية من خلال الغارة على مصنع اللالمنيوم بالقرب من النبطية كونها رسالة ميدانية تريد تل ابيب من وراءها اظهار ان يدها باتت هي العليا والطليقة والحرة. لذا وحسب تقديري ان الحزب لن يسكت بل سيجد نفسه ملزماً برد نوعي مواز للغارة ونتائجها، لذا فان كل المعطيات والوقائع تشير الى تصعيد واحتدام.