كتبت فاطمة حوحو: منذ أكثر من شهر، إنطلقت حركة إعتراض شيعية من أجل لبنان حملت إسم “تحرُّر”، فطرحت رؤيتها للواقع السياسي في لبنان وحددت اهدافها والمبادىء التي تكونت على أساسها. والواضح إنه لا يمكن فصل هذه الحركة المعترضة عن القوى المعارضة التي تطالب بالسيادة وترفض هيمنة فريق مسلح على قرار الحرب والسلم، وتؤكد على ضرورة إستعادة الدولة ومؤسساتها بعد استباحتها خدمة لمشاريع إقليمية.
ويمكن القول أن حركة الاعتراض هذه لم تأتِ من فراغ بل هي نابعة من شرعية ثورة 17 تشرين، حيث كان للناشطين المدنيين “الشيعة” مساهماتهم في جعل الثورة إبنة كل المناطق، تتحدى في عقر دار الثنائي المحتكر للتمثيل الشيعي والذي لا يطيق أي موقف ضده، وهو الذي اغتال ناشطين واصحاب رأي وفكر، وهجّر واعتمد سياسة التخويف والقمع. وعلى الرغم من ذلك، كان يتبيّن في كل المحطات المظلمة، ان هناك من ينير الطريق ليكون الشيعة ابناء هذا الوطن لبنان لا تابعين لسياسات خارجية تستخدم الدين من اجل استخدامهم في مشاريعها، وليس من اجل الحفاظ على وجودهم كجزء لا يتجزأ من مكوّنات هذا الوطن المتنوّع بأهله، وهم كما كانوا في تاريخه سيبقون ملتزمين في المستقبل بدستوره وبثقافته وقيمه.
وتعمل “تحرّر” حالياً على توسيع اتصالاتها السياسية مع الاطراف والشخصيات المعارضة التي تلتقي مع توجهاتها من أجل قيام الدولة، وهي بعد أن صاغت برنامج عملها تسعى إلى استقطاب الشباب لكي يندمج الجيل الجديد مع اللبنانيين ويتحرّر من قبضة الثنائي الشيعي.
يؤكد الدكتور هادي مراد لموقع “أخباركم – أخبارنا”، وهو طبيب وناشط سياسي من مناضلي ثورة 17 تشرين، رداً على سؤالنا عمن يقف وراء تشكيل هذه الحركة ولماذا هي شيعيّة؟ أن “تحرّر” هي اليوم في صدد مواجهة سياسة الاختزال للطائفة الشيعية الكريمة في لبنان من خلال نهج الثنائي الذي يدعي انه يمثل كل الشيعة في لبنان. طبعاً هو يدعي ذلك أمام المجتمعين الغربي والعربي، لكنه يعرف تماماً أن هنالك أكثرية صامتة داخل هذه البيئة، وهذه الأكثرية لا تتحدث ولا تتكلم لكي تشكل جبهة لمواجهة ظلم الأحزاب. اليوم كان حريّ بنا ان نؤسس نوعاً من التيار السياسي، ليس تياراً شيعياً ثالثاً، وانما حركة تصحيحية لما آلت إليه الأمور من خلال سيطرة الثنائي على قرار الدولة وعلى كل الادارات العامة في لبنان. بهذا المعنى هي ليست شيعية ولا تكرس المذهبية السياسية، بل العكس هو صحيح، فهي تقول ان هناك اعتراضاً شيعياً من اجل لبنان وهي تحارب في مبادئها التبعية العمياء للدين من خلال معارضة اعتماد ولاية الفقيه وهو مشروع يشكل خطراً على لبنان. هذه الحركة تعتبر ان الاعتدال الشيعي هو أساس، وان التديّن هو خيار فردي وليس الزامياً، يجبر الناس عليه. من هنا، هي ليست حركة مذهبية، وانما حركة تصحيحية إجتماعية في المجتمع الشيعي”.
وعما اذا كانت مواجهة مشاريع تنظيمات اصولية ذات ارتباطات خارجية ولها مشروع داخلي تكون بمحاربته بأسلوب او خطاب طائفي؟ يقول مراد: “نحن حركة اعتراض من أجل لبنان، والخطاب الذي نقوم به ليس خطاباً طائفياً وهو ما ورد في بيان تشكيل حركتنا “تحرّر”، فهو خطاب وطني جامع، يبدأ بالتأكيد على اعتبار الطائفة الشيعية في لبنان مصدر غنى وتنوع وعدم اختزال لهذه الطائفة بأحزاب طائفية. والمبدأ الآخر هو ادخال الطائفة الشيعية الى ثقافة الدولة بعدما هجّرها الثنائي من ثقافة الدولة وقد عمل على إنشاء مؤسسات موازية للدولة، في الامن والدفاع والاقتصاد والصحة. هناك مثلاً 40 فرعاً للقرض الحسن، ومستشفيات خاصة بينما مشافي الدولة اقفلت. وهناك مدارس وحتى هناك نظام عسكري مواز للقوى الأمنية الرسمية، لذلك لسنا حركة مذهبية. نحن لم نخرج بخطاب يشبه خطاب أحمد الأسير او خطاب يشبه شاكر العبسي، ونحن قلنا إننا ضد التشيّع الصفوي وضد إتباع ولاية الفقيه وضد المحاكم الشرعية، وهذا يعني اننا لسنا حركة مذهبية،. نحن ضد تعسف المحاكم الشرعية في حق النساء في مواضيع الحضانة والطفولة والطلاق، وضد اختزال المجلس الشيعي الاعلى بقرارات تعسفية على الطائفة وهذه التوجهات تنفي عنا بالطبع تهمة حركة سياسية مذهبي، وهي تهمة مرفوضة”.
ويشدد مراد على أن خطاب “تحرّر” ليس طائفياً، بل هو خطاب وطني جامع، والشيعة يجب ان يكونوا جزءاً من المعادلة اللبنانية. ولأننا نسعى لذلك، نحن نلتقي مع المعارضة اللبنانية، علماً أننا التقينا حتى اليوم بأكثر من 30 شخصية سياسية وممثلين عن قوى المعارضة السيادية الوطنية من مختلف الطوائف، سنّة ومسيحيين ومن الطائفة الشيعية، من بينهم النائبان أشرف ريفي وسامي الجميل. ما اقوله ينفي اتهامنا بكوننا مجرد حركة مذهبية، فنحن نلتقي مع المعارضة كونها تريد صوتاً شيعياً يلتقي مع توجهاتها من اجل سيادة لبنان وعودة القرار للدولة، وعدم ابقاء الشيعة تحت سيطرة وهيمنة سياسات الثنائي المضرّة بمصالح الشيعة اللبنانيين، وهي قاعدة عاطفية وليست قاعدة عقلانية تحكم العقل في اختيار مَن يمثلها وانما تحتكم الى العاطفة. لذلك فإن خطاب الثنائي، لا سيما خطاب حزب الله، لا يمت الى العقل بصلة. وقد سمعنا في آخر خطابين لحسن نصر الله كيف كان يجيّش المشاعر والعواطف ورأينا افلام ما قبل الخطاب الأول التي قام بها وهو يمشي، أي كان يرسم الروايات التحفيزية. وهي تؤكد ان الشيعة التابعين لحزب الله والثنائي يعيشون في بيئة عاطفية وتتحرك مشاعرهم دائماً من دون فهم السياسات الخارجية والاتفاقات التي تجري بين نظام ولي الفقيه والدول الاخرى. الشيعة في هذه البيئة لا يرون هذه الأمور وينسون كيف جرى تهريب العميل عامر الفاخوري من مطار بيروت، ولا يرون مخاطر ما جرى في عمليات الترسيم البحري وغطرسة حزب الله وسيطرته على الدولة وتمديد الفراغ الرئاسي كونه الفريق القادر على التحكم بالانتخابات الرئاسية والقرارات الحكومية. أنا لا أعتقد ان الشيعة أصبحوا واعين لذلك، لأنهم يحكمون بالعاطفة وليس بالعقل”.
من جهة التمويل، يلفت مراد إلى أن حركة “تحرر” غير مدعومة من اأحد سوى من أعضائها، “فلو كنا تلقينا دعماً من أحد لأفصحنا عن الجهة الداعمة. نحن شباب ندعم حركتنا بأنفسنا وليس لدينا مكاتب ولا موظفين ولا مراكز، ولكن مستقبلاً يمكن ان يكون هناك من يدعم، ولكن نحن اليوم نموّل أنفسنا بانفسنا”.
وعن النشاطات المستقبلية، يلفت الى وجود “العديد من النشاطات التي نسعى اليها، ورش عمل وندوات ومؤتمرات خاصة لتنفيذ كل الاهداف من جانب متخصصين وخبراء في هذا المجال قادرين على التحليل من اجل استقطاب بعض الشيعة. لكن نحن نعرف اليوم وندرك أن البعض لا يستقطب الا بالعقيدة او المال، وهم يوظفون العقيدة بما يرضيهم، أما المال السياسي طبعاً فلا نملكه. هناك بعض المشاريع التي نفكر فيها وسنسعى الى تحقيقها اذا استطعنا. قد نتمكن من توسيع مؤسساتنا والقيام بالعديد من النشاطات الثقافية، وعبر هذه المؤسسات الصغيرة سنسعى الى استقطاب الشباب لشرح أهدافنا لهم”.