كتب باسل عيد: العنف الأسري هو آفة اجتماعية لازمت التاريخ البشري منذ القدم، ليطال أذاه أفراد العائلة من نساء وأطفال وحتى رجال، بأذى جسدي أو نفسي ومعنوي، قد تلازم تأثيرات من تعرض لهذا العنف مدى الحياة.
العنف الشائع في داخل الأسر والبيوت، هو ذلك الذي تتعرض له النساء بشكل خاص ومن ثم الأطفال واليافعون من قبل الرجال في تلك الأسر، وغالبا ما يكون المعتدي هو الأب، ومن ثم وبشكل أقل الأخ أو الجد أو العم أو الخال. لكن لا تخلو حالات قليلة بأن يكون الرجل هو الضحية، أحيانا على يد الزوجة، التي قد تلجأ لاستخدام أدوات بهدف القتل. لكنها في النهاية تبقى حالات معدودة لا نسمع بها كثيرا.
ساهم التطور التكنولوجي، لاسيما انتشار وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وما تتضمنه من معلومات وفيديوهات مسجلة وصور، في توثيق عشرات آلاف حالات العنف الاسري، التي لم تكن لتعرف لولا هذا التطور. ونحن في لبنان، خلال السنوات الاخيرة، شاهدنا وسمعنا بالكثير من تلك الحالات، التي رافقها عمليات قتل واعتداء، مع صدور أحكام مخففة في حق الفاعل وصولا الى إطلاق سراحه بعد فترة وجيزة من ارتكاب جرمه، ما ولد خيبة أمل وحسرة لدى أهالي الضحايا.
وفي إطار مكافحة كل ما يمت بصلة الى العنف الأسري ومحاسبة الفاعلين وحماية الضحايا الذين عنفوا جسديا او نفسيا، تحديدا النساء والاطفال، أنشئت جمعية “كفى” ضد العنف، التي لها بصماتها الفعلية في عمليات التوعية اللازمة للحد من هكذا ارتكابات، الى جانب تحصيل الحقوق القانونية للمعنفات ودعمهن على الصعيدين النفسي والاجتماعي.
زار موقع “اخباركم اخبارنا” مقر الجمعية في بدارو والتقى أعضاءها والعاملين فيها، وأجرى الحوار التالي مع مديرة الحالة في كفى شيراز بوضرغم، التي أشارت الى ان “كفى”، التي تأسست عام 2005 هي “منظمة مدنية لبنانية غير حكومية وتوجهها نسوي علماني، وهدفها تحقيق مجتمع خال من التمييز بين الذكور والاناث، والقضاء على جميع اشكال العنف والاستغلال وتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين عبر اعتماد عدة وسائل من ضمنها، الى جانب التداخل المباشر مع السيدات والاطفال، اطلاق حملات بهدف استحداث القوانين وتغيير السياسات والتأثير على الرأي العام، الى جانب تمكين النساء من خلال البرامج المعتمدة في مركز الدعم”.
أما بالنسبة للاقسام المختلفة في الجمعية، لفتت الى ان القسم الرئيسي الذي يستقبل السيدات هو مركز الدعم، الى جانب قسم آخر يعنى بالاتجار بالبشر والعاملات الاجنبيات، وهو يعنى بالسيدات اللواتي يتعرضن للاتجار وانخراطهن في مجال الدعارة، بخلاف مركز الدعم المعني بالعنف المباشر، تحديدا العنف الاسري، حتى لو لم يكن هذا العنف صادرا من ضمن الاسرة، على ان يكون مرتبطا بالعنف الاجتماعي، كأن تتعرض للعنف من قبل رجل بناء على كونها إمرأة استضعافا لحقوقها ومكانتها في المجتمع. أما القسم الثالث فهو المتعلق بحماية الطفل، وهو يقوم بتنظيم مجموعات توعية في الاماكن التي تتواجد فيها جائحة العنف، واقامة الجلسات التوعوية ومن ثم إحالة الحالات الضرورية الى مركز الدعم.
وكذلك، أضافت ابو ضرغم، هناك قسم أنشيء مؤخرا بهدف التدخل مع الرجال الذين يعنفون نساءهم لمساعدتهم على تعديل سلوكهم العنيف، ولهذا التدخل آلية خاصة منفصلة عن ذلك المتعلق بالنساء، ولديه خط ساخن منفصل يهدف لمساعدة ذلك المعنف لتعديل سلوكه.
وعن الخط الساخن ل”كفى” فهو عبر الرقم 03018019 حيث يتم من خلاله تحديد المواعيد او تلقي الإخبارات والحالات الطارئة، ومن ثم تحويلها الى الجهة المختصة لمتابعتها.
وعن نشاطات الجمعية وخدماتها اشارت بوضرغم الى ان كل قسم معني بحالات ومعايير معينة، الا ان القاعدة الرئيسية للخدمات المقدمة تتمحور حول الأصعدة الاجتماعية والنفسية والقانونية. أما بالنسبة للانشطة المعتمدة مع السيدات فمن خلال ايضاح وجود آلية معتمدة من التدخل وفقا لما تمر به كل سيدة تتوجه الى الجمعية، وهي تطال كافة الاصعدة بهدف تحقيق مسح شامل لوضع السيدة اجتماعيا ونفسيا وقانونيا، من اجل وضع خطة العمل المطلوبة من اجل التدخل معها.
وردا على سؤال عن الاجراءات القانونية التي تتخذها “كفى” ضد مرتكبي اعمال العنف قالت بوضرغم: بداية نحن نتوجه باتجاه طلب الحماية او التقدم بشكوى عنف وضرب وايذاء، بحسب الحالة الموصفة والتخصص الذي يجب ان نتوجه اليه. فإذا عنفت السيدة من قبل زوجها، نحن نتوجه الى قاضي العجلة من خلال تقديم طلب الحماية الذي يتم نصه من خلال محام وتقوم السيدة بدورها بتقديمه الى القاضي لستحصل منه على قرار الحماية، وفقا للقانون 293/2014 الذي سعت كفى لاقراره بهدف تجريم العنف الاسري، وهو أمر لم يكن يحصل في السابق.
وتابعت: أما في حال تعرض الولد للعنف والضرب من قبل الاهل، فإن التوجه يصبح من خلال تقديم إخبار الى محكمة الأحداث التي تعنى بتنظيم قرار حماية هذا الطفل وبالتالي اتخاذ اجراء لحمايته او وضعه في مكان آمن بعيدا عن المعنف.
وعمن يدعم “كفى” خارجيا وداخليا وكيف تنسق الجمعية مع القوى الامنية، أوضحت أن الدعم يأتي “من قبل جهات خارجية دولية تقدم التمويل بحسب المشروع الذي تقدمه الجمعية. اما على صعيد التنسيق مع القوى الامنية فهناك تعاون بدأ منذ 4 سنوات لانشاء الخط الرباعي 1745 المتعلق بالعنف الاسري، والذي يتضمن خط الدعم للعنف الاسري وخط مختص بالقوى الامنية متخصص بقضايا هذا النوع من العنف. وخضعت القوى الامنية لعدة جلسات تدريب مع كفى حول كيفية التعاطي مع النساء لتتزود العناصر المناوبة التي تتلقى الإخبار من السيدات بكيفية التعاطي معهن لدى لجوئها لهم لتوجييهن بشكل صحيح”.
وفيما يتعلق بدور الجمعية بمتابعة الاوضاع النفسية للنساء والاطفال المعنفين، أكدت ابوضرغم على أهمية هذا الشق من عملهم، لاسيما من خلال تمكين السيدة الى جانب دعمها قانونيا مترافقا مع متابعتها نفسيا واجتماعيا.
وأشارت الى توفر خدمة العلاج النفسي لدى كفى من خلال البدء بعملية التقييم النفسي ومن ثم على ضوئه يتم تحديد الحاجة الى العلاج وتحديد اهداف التدخل فيما يخص العنف الذي تتعرض له تلك السيدة والآثار التي ترتبت عليها نتيجة تلك العلاقة مع المعنف، يترافق كله مع حملات توعية حول كيغية استفادة تلك السيدة من جلسات الدعم النفسي لتفهم نفسها اكثر وتواجه العنف وتتخطى مخاوفها والآثار التي تلقتها، بالتنسيق مع المتابعة الاجتماعية والعمل معها بشكل متواز.
سئلت ابو ضرغم عن مدى تأثير الأزمة المالية التي يمر بها لبنان في زيادة نسب العنف الأسري فأجابت: ما تم ملاحظته من قبلنا هو التغيير في نوعية العنف الممارس على السيدات بشكل متوحش نظرا للضغوطات بسبب تلك الأزمة.
ولاحظت بأن الاولويات لدى السيدات اليوم “اصبحت ترتب بشكل مختلف لانها تطال اليوم الاحتياجات الاساسية اكثر من لجوئها الى الطلاق وحقوقها في المحاكم. فعند توجه السيدات الينا هم يضعن في اعلى سلم اولوياتهن حاجاتهن الاساسية لجهة تأمين معيشتهن الاساسية ويغضضن النظر عما اصبحن يعتبرونه امورا ثانوية بسبب تغير الوضع في ظل الازمة الاقتصادية”.
وخلصت في هذا الشأن الى ان تأثير الازمة المالية على صعيد العنف “لا يقتصر على تزايد ارقام الحالات فحسب، بل تنسحب ايضا على صعيد المضمون والتوجه وطلبات السيدات”.
وعن الاسباب التي تدفع الحالات التي تعرضت للعنف للتوجه الى الجمعية، فأشارت الى انه بالدرجة الاولى “بسبب قلة مصادر الدعم والسند لدى هؤلاء السيدات، فليلجأن الينا للحصول على هذا الدعم وللتزود بالمعلومات الصحيحة، الى جانب عدم معرفة الكثير من السيدات بالمسار الصحيح أو الوجهة الذي يجب ان يسلكنها، فتقوم الجمعية بمهمة توجيه هؤلاء”.
وبالنسبة الى ملف الاطفال المعنفين، لفتت ابوضرغم الى ان تخصص جمعيتهم يتركز على قضايا العنف ضد السيدات، وان التدخل من قبل كفى المتعلق بالاطفال هي تجاه اولاد تلك السيدة المعنفة، الذين إما انهم يتعرضون مثلها للعنف، أو انهم شهود على ما تتعرض له والدتهم من قبل والدهم، والجمعية تأخذ بعين الاعتبار متابعة هؤلاء الاطفال نفسيا واجتماعيا، شرط ان يوجه الطلب من قبل ولي أمر أمر هذا الطفل، والذي عادة ما تكون والدته. اما موضوع العنف ضد الاطفال فهو من تخصص محكمة الاحداث او جمعية حماية، الذي يعود الأمر لهما في إنشاء ملف لحماية ذلك الطفل.