كتبت فاطمة حوحو: لم يكن مستغرباً بالنسبة الى المراقبين بعد عملية “طوفان الأقصى”، ووسط دهشة الجميع حتى من قبل محور الممانعة، بما فيهم حزب الله “الزنبرك”، بقيام “حماس” بهجوم غير مسبوق أربك الاحتلال الاسرائيلي ومعه حلفاء “حماس”والدول الكبرى صاحبة القرار.
الارباك الذي اصاب “حزب الله” كان كبيراً، وعبّرت عنه تلك المناشدات الحماسية التي انتظرت إطلالة أمينه العام طويلاً لمعرفة ما إذا كان سيتم الإلتزام بشعار وحدة الساحات، وعما إذا كانت جبهة الجنوب ستفتح للمساندة وسط خطابات سياسية مزايدة. وليست حماس من ادهشت العالم وحدها، وإنما أيضاً رد الفعل الاسرائيلي الوحشي الذي شنّ حرب إبادة واقترف جرائم حرب، بينما كان لبنان في صف الانتظار لعل وعسى يظهر الخيط الابيض من إيران التي تلاعبت في تصريحاتها بين الدعم اللفظي من دون التزام تنفيذ شعار فلسطين “من البحر الى النهر”، كما قال وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان في القمة العربية – الاسلامية، مزايداً على مطالبة ممثلي الدول العربية الذين ركزوا على حل الدولتين.
بعيداً عن ذلك، ومع أن ألوية القدس التي شكلها الحرس الثوري الايراني لم تفعل فعلها، مع تحرك خجول في عمليات استهدفت تارة القوات الاميركية في العراق، واطلقت صواريخ للحوثي الذي احتجز سفناً قيل إنها إسرائيلية ولم يتم التأكد من ذلك تماماً. اما في لبنان، فأطلق “حزب الله” يد تنظيمات فلسطينية من “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، بالاضافة إلى “قوات الفجر” التي تتبع “الجماعة الإسلامية في لبنان” للقيام بإطلاق الصواريخ أو التسلل الى المستوطنات على الحدود، علماً أن “الجماعة” تنفي أن يكون تحركها في القرى التي تتواجد فيها، وهي ذات أغلبية سنية، يعود القرار فيها إلى “الحزب”، بل تتخذ قرارها بشكل مستقل.
لم يكن رد الفعل الاسرائيلي مسالماً بالطبع، فهو وجد الفرصة المناسبة لتصعيد اعتداءاته على لبنان، علماً ان السيناريو كان عدم خرق قواعد الاشتباك. وهنا بدأت مخاوف اللبنانيين تزداد مع توسيع رقعة الاعتداءات والاعلان يومياً عن شهداء للمقاومة الاسلامية وآخرين، وإستهداف الصحافيين ومدنيين، تنذر بالاسوأ، مع تصاعد التهديدات الاسرائيلية والرسائل التي حذرت من اللعب بنيران الحرب.
ومع أن خطاب النصر من قبل “حماس” كان يتعالى فوق جراح غزة ودمارها ومعاناة أهلها، كما كان حال “حزب الله” في حرب العام 2006، جاءت موجة التعاطف العالية مع فلسطين في دول غربية وعربية، لتغيّر في الرأي العام العالمي، ويبدأ داعمو اسرائيل بالتراجع خطوة الى الوراء فتفرض هدنة وصفقة لتبادل أسرى، لا تنقص أعداد الاسرى الفلسطينيين وانما تزيد من اعدادهم ومن ممارسات اكثر شدة، لتتبعها خطوتان مجهولتان إلى الأمام حتى الآن.
وهنا يطرح السؤال: ماذا لو وقعت الحرب على لبنان؟ “حزب الله” مستعد ولديه 100 الف صاروخ، لكن قرار دخوله أو عدمه مرتبط بالمصلحة الايرانية، وفي استطاعته تحريك سراياه، من احزاب وقوى حليفة للنظام السوري، وهو وجد بديلاً سنياً يتماهي معه، له قدرة على الاستقطاب و”بيئة حاضنة” هي قوات الفجر التي شاركته في حرب العام 2006 بالقتال ضد اسرائيل في بعض القرى السنية الحدودية. لكن ذلك لا يعني مطلقاً أن اللبنانيين قادرون بوضعهم الاقتصادي والمالي والسياسي على خوض حرب مع اسرائيل، كما انهم يتخوفون من إنفلات الساحة الجنوبية وعودة “فتح لاند” الى الواجهة، علماً ان حزب الله يضبط الايقاع وقادر على إحتواء نزوات المجابهة، لكنه بذلك يقول لإسرائيل لن أكون وحدي مستهدفاً فهل يورط الحزب ومن يلعب معه بمحيطه لبنان بحرب تشبه حرب غزة بظل الكلام عن سقوط الـ 1701 ؟
انطلق نقاش كبير حول اسم قوات الفجر أخيراً كمجموعة مقاومة بعدما تشكلت من شباب إخواني، أمّنت له الجماعة المال والسلاح لمقاتلة الاحتلال بعيد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982.
فقد قام هؤلاء بعمليات جهادية كانوا ينفذونها فجراً، قادها جمال حبال الذي استشهد في مواجهة مع لواء غولاني في العام 1983 في صيدا. تمركزت هذه القوات في صيدا قبل أن تنتقل مجموعات منها الى بيروت وطرابلس، اثر ملاحقتهم واعتقال بعضهم من قبل الاحتلال الاسرائيلي. كانوا يقومون بعمليات على طريق صيدا – بيروت،عندما برز “حزب الله” كتنظيم في المقاومة وبدأ يعلن عن عملياته باسم المقاومة الاسلامية، جرى التنسيق معه. ومع تحرير صيدا في 16 شباط 1985 بقيت قوة رمزية في العرقوب، لكنها بعد حرب تموز 2006 تركت موقعها بعد دخول الجيش وقوات اليونيفيل المعززة إلى تلك البقعة. سقط 35 شهيداً للجماعة ما بين اعوام 1982 – 1985 في عمليات ضد الاحتلال. وآخر العمليات لـ”قوات الفجر” جرت في العام 1990 وكانت عملية استشهادية بحرية قرب رأس الناقورة، قام بها مقاومان لم يعثر على جثتيهما إلى اليوم.
لاحقاً، نتيجة إنقسام الجماعة الاسلامية وخلافها مع القيادي الراحل فتحي يكن الذي أسس ما سمي جبهة العمل الاسلامي التي كانت على تعاون وثيق مع (ا ل ح ز ب) وملحقاً من ملحقات الحلف السوري – الايراني.
وقد استوعب الحرس الثوري الايراني احد كوادر “قوات الفجر” عبد الله الترياقي الذي فصلته “الجماعة الإسلامية”، مما تسبب في نزاع داخلها بسبب الخلاف على التوجهات السياسية، وأيضاً دخول المال النظيف الى أدبيات المقاومة ومعه تصاعد حملات التخوين للاطباق على الدولة وحصار اللبنانيين بالأزمات لإضعاف دولتهم ونمو الدويلة.
لكن السؤال المطروح اليوم: هل يمكن للعمليات التي تجري حالياً من جنوب لبنان ان تكون مفيدة لمساعدة غزة؟
يؤكد رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية علي أبو ياسين لموقع “أخباركم أخبارنا”، أن المشاركة في معركة الجنوب مفيدة جداً، وهي ترفع الظلم والضيم والوحشية وغطرسة العدو الصهيوني عن المدنيين والآمنين من أطفال ونساء وعلى أهل غزة. هذه المعركة التي لم يشهد لها تاريخ التوحش والإرهاب والإجرام مثيلاً على مدى العصور، ونحن نرى اليوم الصور التي تأتي من قطاع غزة بعد بدء الهدنة عن حجم الدمار وعن الجثث والشهداء التي ما زالت تحت الركام حتى الآن. إنها حرب مسعورة ومجنونة، حرب على المدنية والإنسانية، وفي هذا النوع من الحروب لا يمكن أن يكون الإنسان على حياد.ونحن نقوم بما يمليه عليه الواجب الأخلاقي والشرعي والديني والإنساني وكل القيم والأعراف والشرائع، إذ إنه يستحيل أن يكون الإنسان على حياد”.
من هنا، يجد أبو ياسين أهمية “في إشغال العدو الصهيوني في هذه المعركة لناحية إبقاء جزء من عسكره ومن جيشه متأهباً على جبهة الشمال كما يسميها، ومن ناحية ثانية إفراغ الوحدات السكنية أو ما يسمى المستوطنات على جهة الشمال. وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على الجبهة الداخلية وضغطاً اقتصادياً، عندما تهجر هذه المستوطنات في الشمال، ومن جهة ثانية هناك مسألة مهمة جداً وهي أن لبنان ليس في منأى أو في معزل عن ما يجري في فلسطين. وعندما ينهي العدو الصهيوني حربه على غزة ويحقق أهدافه، علماً أنه لن ينهيها ولن يحقق أهدافه ولن يخرج منها منتصراً، لكن عندما ينهيها وهو منتصر أو يحقق أهدافه سينتقل مباشرة إلى الجبهة اللبنانية. وبالتالي لبنان وكل اللبنانيين سيدفعون الثمن، يجب أن يقال في الميدان للعدو الصهيوني انه لا يجوز أو لا يمكن أن تخوض حرباً على لبنان واللبنانيين، ولن يكون في حالة انتظار لتلقي الضربات والقتل والدمار كما حصل في السابق، فالحرب مفيدة لمؤازرة المظلومين في غزة ومفيدة جداً للدفاع عن لبنان”.
ويجد ابو ياسين أن العدو الصهيوني لا يريد مبرراً لينقض أو يعتدي على لبنان ومستقبله، فهو يعتدي في كل حين ولو كان الأمر متاحاً له ولم يكن فيه مَن يواجهه في جبهة الجنوب لكان الفضاء اللبناني والجو اللبناني والأرض اللبنانية مشرعة ومفتوحة لهذا العدو ليقوم باعتداءات متكررة”.
ويبدي عدم الرغبة في الحرب والإنجرار نحوها، لكن إذا فرضت على لبنان بشكل أو بآخر لا بد من أن نكون حاضرين في الدفاع عن الوطن والشعب والأرض”.
هل طلبت حماس من الجماعة تحريك الجبهة لعدم احراج الحزب او توريطه؟
ينفي أبو ياسين ما تردد عن أن “حماس” طلبت من الجماعة تحريك الجبهة الجنوبية لرفع الاحراج “حزب الله” فيكون لحماس ذراع تحركها غب الطلب وربما لاحراج الحزب وادخاله المعركة ويقول: “حتماً هذا الكلام غير دقيق، “حماس” لم تطلب من “الجماعة” ولن تطلب منها. “الجماعة” مستقلة برأيها وهي أخذت القرار بناء على مشاورات داخلية وهو قرار ذاتي وليس لإحراج “حزب الله”. الدليل على ذلك أن (ا ل ح ز ب) قام برد الاعتداءات الصهيونية قبل مشاركة الجماعة التي شاركت عندما سقط شهداء في شبعا وسقط زميلكم الشهيد عصام عبد الله،. مشاركة قوات الفجر في جبهة الجنوب لم تكن بهدف إحراج (ا ل ح ز ب)، ومثل هذا الكلام يقلل كثيرا من قيمة وأهمية ومشاركة الجماعة في جبهة الجنوب”.
ويرفض أبو ياسين الاتهامات التي تقول إن قوات الفجر كانت تطلق صواريخها من قرى مسيحية فقط، ويؤكد أن “الصواريخ انطلقت من أكثر من مكان في الجنوب وتركيز العمل لم يكن في القرى المسيحية أو غير المسيحية. لم تتخذ الجماعة من هذه القرى منصة للصواريخ، بل هي شاركت في أكثر من مكان في جبهة الجنوب. لكن كان غالبية التركيز والانتشار في البيئة الحاضنة، أي مناطق القطاعين الشرقي والأوسط والعرقوب وفي القرى السبع يارين ومروحين والظهيرة، فالجبهة كانت ممتدة من الناقورة الى العرقوب”. واعتبر أن “مثل هذا الكلام يصب في إطار ما يريده العدو الصهيوني أي زرع الشقاق بين مكوّنات الشعب اللبناني اليوم. نحن عندما ندافع عن لبنان وعن شعبه، ندافع عن كل مكوناته وهي مستهدفة جميعها من العدو الصهيوني، وعندما يستهدف لبنان لا يفرق بين فريق وبين آخر بل يستهدف كل اللبنانيين. فعندما أصاب في حرب العام 2006 المرافق الأساسية والبني التحتية في لبنان، من جسور وطرقات وأعمدة إرسال وغير ذلك، كان يطال كل اللبنانيين بدون استثناء”.
واعتبر أن “ما يجري في فلسطين المحتلة هو تحوّل استراتيجي على مستوى المنطقة في المعنى الميداني العسكري وفي المعنى السياسي. ما جرى على المستوى العسكري في 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان انتصاراً مؤزراً بكل ما للكلمة من معنى. وهنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل والشروحات حول هذا الموضوع، لكنه انتصار باعتراف المحبّ والمبغض، باعتراف الصديق والعدو، وكان هزيمة محققة لأعتى جيش في المنطقة وهو الجيش الصهيوني الذي كسرت هيبته. هذا الانتصار الثاني من نوعه بعد الصمود الأسطوري على مدى ما يقارب الخمسين يوماً تحت آلة الدمار الجوية والبرية والبحرية والقنابل الارتجاجية، وسقوط ما يقارب الثلاثين ألف طن من المتفجرات ألقيت على قطاع غزة واستخدمت خلالها الأسلحة الفوسفورية المحرّمة دولياً وغيرها.. هذا يعني أن الصمود الأسطوري أيضاً هو انتصار كبير، وما زلنا نرى أن كتائب القسّام أمسك بالإدارة والسيطرة على الأرض، والانتصار ايضاً هو في إفشال مخطط التهجير الذي كان هدفاً مهماً من أهداف هذه الحرب الذي شنّها العدو الصهيوني، وأيضاً انتصار في عملية تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين. لذلك عندما تحدث الصفقة الكبرى وتبيبض السجون أيضاً، فهو انتصار على المستوى السياسي”.
مرحلة ما بعد نيودلهي
ويرى أبو ياسين أن العدو الصهيوني كان يتأهب بعد مؤتمر نيودلهي في 9 أيلول الماضي ليكون الدولة الزعيمة أو الدولة القائدة والدولة الأولى على مستوى الشرق الأوسط في الميدان العسكري والسياسي والاقتصادي بعد توقيع اتفاقيات خط نيودلهي – أوروبا الذي يمر عبر ميناء حيفا. هذه الحرب جعلته الآن في موقع لا يخوّله أن يكون في موقع الدولة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وهذا إنجاز سياسي. ومن الإنجازات السياسية التي عددها أبو ياسين: عودة الكلام والبحث في حل لقضية الشعب الفلسطيني وإيجاد دولة فلسطينية بعد ان كان المخطط الإسرائيلي هو تصفية القضية والتهجير من غزة ومن الضفة أيضاً. حالياً لا نقول أن الحرب انتهت، لكن هناك مسارات أو كوّة فتحت في الجدار وبداية لإنهاء هذه الحرب وبداية لمسار سياسي بعدها”.
الثمن الباهظ لمعركة غزة
استدركنا قائلين اثناء النقاش مع أبو ياسين: أليس الثمن الذي دفع في غزة باهظ جداً نسبة الى ما تحقق في صفقة الهدنة والاسرى وربما هناك ما هو صعب ينتظر الفلسطينيين اليوم اذا لم تُلجم اسرائيل وفي ظل الضوء الاخضر المعطى لها دوليا؟ يجيب أبو ياسين: “بدون شك الثمن باهظ جداً حين نتكلم عن دماء المدنيين الزكية التي أريقت، حيث استشهد ما يفوق الـ 15 ألف شهيد، ولا نعرف كم سيصبح العدد بعد انتشال الجثث الموجودة تحت الركام، وما يفوق الـ 40 ألف جريح، إضافة الى الإعاقات وتدمير أكثر من نصف قطاع غزة. لكن عندما يريد الشعب أن يتحرر سيدفع هذه الأثمان الباهظة، إلا أن ثمن الاستسلام والتصفية والتهجير كان سيكون أغلى من ذلك بكثير”.
وفي الختام، يؤكد أبو ياسين أن “قوات الفجر” تتلقى الدعم من بيئتها الحاضنة ومن الشعب اللبناني وهذا أغلى وأثمن دعم ولا يوجد أي دعم آخر”، مشدداً على ان العلاقة مع حزب الله هي كأي علاقة مع أي حزب لبناني آخر، فنحن نلتقي ونتناقش في كل شؤون البلد وشجونه وفي كل المحطات السياسية التي نمر فيها”.
ويبقى السؤال هل يورط لبنان بحرب تجعل منه غزة ثانية في ظل تعدد الاجندات والساحات والقرارات التي تتحكم بالمعركة وقرارها؟