كتب باسل عيد: عرس ثقافي سنوي تشهده مدينة بيروت في مثل هذه الأيام من كل عام ويتمثل في “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” الذي بات يقام خلال السنوات الاخيرة في واجهة بيروت البحرية، تحديدا البيال، لتفتتح دورته ال65 يوم الجمعة الماضي في “سي سايد ارينا” بمشاركة أكثر من 100 دار نشر لبنانية.
ويتولى “النادي الثقافي العربي” هذه السنة وحده، من دون “نقابة اتحاد الناشرين”، تنظيم المعرض، الذي يستمر إلى 3 كانون الأول المقبل.
ويضم الحدث نحو 120 عارضا من دور نشر ومكتبات، إلا أن أجنحته تفتقد بعض الأسماء المحلية المهمة في مجال النشر، في حين غابت معظم دور النشر العربية عن الفعالية الثقافية.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال في كلمة له خلال الافتتاح، إن المعرض يمثل خير تجسيد المقاومة الثقافية لكل الإرهاب الذي يمثله العدو الإسرائيلي، وإن الكلمة كانت وستبقى الرد الأقوى والأنبل على كل الحمم التي يطلقها ضد جنوبنا الباسل حاصدا البشر والحجر.
من جانبه، لفت المسؤول الإعلامي في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الدكتور أكرم حمدان، إلى أن الإصرار على إقامة المعرض في دورته الحالية هو تأكيد على دور بيروت كعاصمة للثقافة والمعرفة، وعلى التحدي للعدوان الإسرائيلي في قطاع غزة. في حين لاحظت رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري، أن “الظروف القاسية في لبنان والمنطقة هي التي تحول دون مشاركة دور نشر عربية”، مؤكدة أن غيابها “ليس من باب عدم التقدير” لـ”عميد معارض الكتب في العالم العربي” الذي ينظمه النادي منذ عام 1956.
ولفت هذا العام حضور الشأن الفلسطيني بقوة في المعرض من خلال مبادرات تضامنية أو من خلال الإصدارات.
كما اقيمت سلسلة ندوات ومعارض فنية. وكان لافتا عدد الإصدارات الحديثة التي وضعتها دور النشر في متناول القراء، وهي لم تكتفي بتواقيع مؤلفيها، بل عالجتها أيضا بندوات عنها.
وتقام أيضا ندوات أخرى على هامش المعرض تتمحور حول مواضيع الساعة مثل “استقلالية القضاء” و”النهوض الاقتصادي للبنان”.
وفي ظل استمرار حرب إسرائيل على قطاع غزة، والتوترات في المناطق الحدودية جنوبي لبنان، خصص المعرض عند مدخله جناحا زينت جدرانه بصورة المسجد الأقصى وبالأعلام الفلسطينية.
ويقوم الزوار بالتدوين على لوح أبيض كلمات داعمة للفلسطينيين، ومنهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي كتب خلال افتتاحه المعرض “قالت تريد كلمة من القلب لفلسطين وكأنها لا تعلم أن فلسطين في قلبي”.
وأبرزت دور النشر المشاركة إصداراتها المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، وتناول عدد منها الصحفية الفلسطينية الشهيدة شيرين أبو عاقلة.
ومن الكتب الصادرة عنها “استشهاد شيرين أبو عاقلة” عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وقد قال مسؤول قسم التوزيع في المؤسسة زياد معروف إن الأكثر مبيعا بين إصداراتها في هذه المرحلة “التطهير العرقي في فلسطين” للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه. وتبرز مؤلفات حديثة منها “غزاوي.. سردية الشقاء والأمل” لجمال زقوت.
كذلك صدر عن دار “النهار” كتاب لهيثم زعيتر بعنوان “الشاهدة والشهيدة” عن شيرين أبو عاقلة.
وقالت المسؤولة في الدار كارلا زيادة إن “أكثر من 20 كتابا تصدر سنويا عن الدار”، ومن أبرزها في المعرض “لحظة القومية العربية” للوزير اللبناني السابق شارل رزق.
وتناول الكاتب والصحافي منير الربيع في كتاب بعنوان “العرب في قطار النظام العالمي.. خرائط مهددة أم عولمة متجددة؟” الصادر عن دار رياض الريس، “التقسيم والتجزئة” في المنطقة العربية، والخروج من اتفاق سايكس بيكو الفرنسي البريطاني الذي رسم حدودها خلال الحرب العالمية الأولى “إلى اتفاقيات جديدة”.
وأسفت المسؤولة عن دار رياض الريس فاطمة الريس إلى تراجع عدد الكتب التي تصدرها الدار سنويا إلى النصف تقريبا بعد أن كان العدد حوالى 40 كتابا، وأضافت “التراجع يشمل كل المجالات لكن المهم أن نستمر”.
وأعادت الدار طبع كتاب “محمود درويش.. الغريب يقع على نفسه” لعبده وازن، وهو قراءة في أعمال الشاعر الفلسطيني الأخيرة ومقابلة طويلة معه.
وتركز اصدارات دار نلسن على الذاكرة الثقافية، ومنها “منح خوري يتذكر لبنان وفلسطين والمهجر”، و”تعا ولا تجي.. مائة عام على ولادة عاصي الرحباني” لعبيدو باشا، وكتاب لإيمان عبد الله عن “مطعم فيصل” الذي طبع ذاكرة البيروتيين.
ويحتفل المعرض ببيروت “عاصمة الإعلام العربي”، ويحفل بالمئويات ومنها ذكرى مرور قرن على صدور كتاب “النبي” للكاتب والمفكر اللبناني جبران خليل جبران، وعلى ولادة الراحلين الموسيقار اللبناني عاصي الرحباني، والشاعر السوري نزار قباني. وقدم الممثل المسرحي اللبناني رفعت طربيه قراءات في شعر قباني، وقال إنه ذُهل لدى تعمقه في شعره “بإحساسه وصدق مشاعره، وهو عشق بيروت لأن فيها حرية”.
كما يقوم بتكريم شخصيات كان لها دور وبصمات في مسيرة الفكر اللبناني والعربي، ويقام خلاله معرض لأغلفة كتب لأنيس منصور ونجيب محفوظ وخيري شلبي، رسمها الفنان المصري التشكيلي حلمي التوني، وجمعها اللبناني عبودي أبو جودة.
وأشار منظمون من داخل المعرض لموقعنا بأن هناك إقبالا جيدا من قبل الزوار هذه السنة، لكنه لا يقارن بالأعداد الكبيرة التي كانت تسجل خلال السنوات الماضية، وهذا أمر يعود الى عدة عوامل، منها الازمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وانخفاض القدرة الشرائية، الى جانب غياب بعض دور النشر اللبنانية ومعظم الدور العربية والدولية، التي أثرت سلبا لجهة تراجع أعداد الزائرين. وهذا الأمر ينسحب ايضا على عملية شراء الكتب والاصدارات التي لا يمكن بأي شكل مقارنتها بالنسب المرتفعة التي كانت تسجل في الماضي.