كتبت فاطمة حوحو: لم تعد الحال كما كانت عليه قبل حرب غزة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى الآن، وقد لا تقعدها في وقت قريب.. فالواضح ان هناك متغيرات ستجري، وهناك رومانسية ثورية تتجاوز الواقع. في المقابل، هناك قوة شيطانية متوحشة ترسم خارطة الشرق الأوسط الجديد على دم أهل فلسطين وحقوقهم، ولا يمكن تبرئة أحد في ذلك.
في لبنان لا تزال الدولة في خبر كان، تخضع لتوجيهات وليّها وتنتظر قراراته لتبني على الشيء مقتضاه، ولا يزال المسؤولون فيها “يتغنّجون” على رسل الدول الكبرى والأمم المتحدة، ويتلاعبون بالكلام مثل الاعلان عن الإلتزام بتنفيذ القرار 1701، بينما ساحة الجنوب مفتوحة على الحرب مع إسرائيل من دون رقيب أو حسيب. وفي وقت يجري فيه تعطيل أي إمكانيّة للعب الجيش اللبناني دوره المفترض القيام به للدفاع عن لبنان، أرضاً وشعباً، بفعل “خزعبلات” بعض رجال السياسة “الماريونت” الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية، ويقامرون بوطنهم من أجل حفنة من المواقع في الدولة المنهارة التي تعيش بلا رئيس للجمهورية، فيما إقتصادها في الحضيض والفقر يأكل أبناءها، بينما يعتاش البعض من فتات ما يقدمه لهم ( ا ل ح ز ب) المرشد، لكنهم اليوم ومعهم كل اللبنانيين أمام الخطر الكبير، إذ لم يعد في الإمكان تبرير نظرية “لو كنت أعلم”.
أمام فوضى المقاومات والصواريخ والضرب والرد، توسّع اسرائيل إعتداءاتها ولم تسلم قوات اليونيفيل منها أيضاً ليس في القرى الحدودية فقط، بل في عمق القرى في الجنوب، فهل ينجر لبنان إلى حرب أوسع ويعطي فرصة لإسرائيل كي تنتقم من “مقاومته” على الطريقة الغزّاوية؟!
هذا الأمر هو ما يقلق اللبنانيين اليوم، حرصاً على جميع مكوناته على الرغم من الخلافات والصراعات، لأن مصير لبنان على المحك. من هنا، كانت مطالبة بعض قوى المعارضة اللبنانية بوضع القرار 1701 تحت البند السابع، خصوصاً بعدما تبين العجز عن إمكانية إيجاد حل لسلاح “حزب الله” التي صدّر ميليشياته إلى دول عربية بناء على تعليمات إيران، ولم يحصد لبنان من ذلك إلا الخسارات المتتالية حتى باتت دولته “بح”، وأرضه مجرد ساحة لميليشيات طهران وحلف الممانعة.
تنفيذ القرار 1701 كان وسيلة لحماية لبنان والحفاظ عليه، وهو أمر من الضرورة الإلتزام به لمنع ادخال لبنان في آتون حرب قد لا تبقي ولا تذر. وبحسب المعارضين، على الحكومة أن تقوم بدورها وتأمر القوات المسلحة اللبنانية بالانتشار، وتستعيد الاستقرار بدعم من قوات الأمم المتحدة. لكن مع الخروقات التي تحصل لن تقف الأمم المتحدة متفرجة، خصوصاً على تهديدات المدنيين على جانبي الحدود اللبنانية والإسرائيلية، وهي بالطبع تستطيع أن تعدل هذا القرار وتعمل على تنفيذه وفقاً للبند السابع بسلطة مجلس الامن.
إتخذ القرار 1701 في 11 آب/اغسطس 2006 بناء على تصويت مجلس الأمن وتأييد 15 دولة وبموافقة الدول الدائمين الخمس، اي لم يكن هناك فيتو. وافقت الحكومة اللبنانية عليه بالإجماع في اليوم التالي، وأعلن حسن نصر الله مباشرة أن قواته سوف تحترم وقف النار. في 13 آب/أغسطس صوَّتت الحكومة الإسرائيلية لصالح القرار بأغلبية 24 صوتاً وامتناع وزير واحد عن التصويت، وتم وقف إطلاق النار في 14 آب/أغسطس 2006.
دعا القرار إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان، وطالب “حزب الله” بالوقف الفوري لكل هجماته، كما دعا إسرائيل الى وقف فوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية وسحب كل قواتها من جنوب لبنان.
ودعا القرار الحكومة اللبنانية الى نشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة “اليونيفيل”، بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق.
وتضمّن القرار بنوداً أخرى، من بينها إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات “اليونيفيل”، ودعا الى التطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحهاوعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة. ومنع بيع وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى لبنان إلاّ تلك التي تسمح بها الحكومة، وتسليم إسرائيل الأمم المتحدة خرائط حقول الألغام التي زرعتها في لبنان، ونشر قوة إضافية للأمم المتحدة كلفها مراقبة وقف الأعمال الحربية بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
بالطبع، جرت خروقات كثيرة لهذا القرار، فإسرائيل واصلت اعتداءاتها وخرقها للأجواء اللبنانية، كما أن “حزب الله” أبقى على نشاطه المسلح تحت عناوين “بيئية” كثيرة، على سبيل الذكر في منطقة جنوب الليطاني.
اليوم، ينشغل اللبنانيون حول ما إذا كان يجب امام انفلات الساحة الجنوبية لاطلاق الصواريخ، او ما إذا كانت حرب غزة ستؤدي الى اتفاقات جديدة. وهناك كلام عن تحويل “حماس” الى تنظيم سياسي منزوع السلاح بعد انتهاء الحرب والتوصل إلى حل في ما يتعلق بالدولتين، وهو أمر ينطبق على (ا ل ح ز ب) في لبنان وفقاً للقرار الدولي.
وفي هذا المجال، يقول النائب السابق مصطفى علوش لموقع “أخباركم أخبارنا”: “هناك حديث عن تعديل، نحو ما يسمى الفصل السادس والنصف أو الفصل السابع، لكن بالتأكيد الآلية التي يجري الحديث عنها اما يطبق القرار 1701 بحذافيره وهذا يعني خروج كل المسلحين من وإلى الخط االذي كان مرسوماً سابقاً في القرار، و يتضمن أيضاً أموراً أخرى تتعلق بالحدود اللبنانية بشكل عام والسلاح وغيره. لكن في النهاية السؤال هو: ما هي الآلية للتنفيذ تحت الفصل السابع وكيف سينفذ ومن سينفذه؟ هل القوات الدولية ستطبقه بالقوة ام القوات الاميركية؟ وهل مجلس الامن صاحب مثل هذا القرار، وهل سينجو من الفيتو الصيني والروسي؟ التعديل تحت البند السابع لا يمكن ان يتحقق في هذه اللحظة التي نعيشها اليوم، إذ في اعتقادي ليس هناك إمكانية لذلك. لكن في المقابل، هل يقبل حزب الله؟ برأيي من الممكن أن يقبل تنفيذ هذا القرار شكلياً ولو مؤقتاً، في مقابل مكاسب سياسية، إعتراف العالم بسيطرته على لبنان من خلال رئاسة الجمهورية، أي سيسعى لمقايضة تنفيذ الــ 1701 برئاسة الجمهورية وهو أمر غير مستغرب. لكن معظم الأطراف الموجودة على الأرض لن تقبل بذلك، وأفق ما طرحه المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان غير واضح، وأظن إنه مسدود. لودريان اكد عدم السماح بالفراغ في سدة الرئاسة او القيادة العسكرية، وربما هذا الأكثر إلحاحاً في اللحظة الحالية”.
ويكرر علوش أن “حزب الله يرضى بالمقايضة في مقابل الاعتراف له بالسيطرة على لبنان وطبعاً الاعتراف لإيران بسيطرتها رسمياً على لبنان، إذا قيّض له إيصال سليمان فرنجية او أي مرشح آخر يتبعه إلى سدة الرئاسة، قد يرضى بذلك. فمن مصلحة إيران أن تفاوض العالم مقابل إبتعادها عن المواجهة المباشرة في غزة وقبض الاثمان، تماماً فعل حافظ الاسد في العام 1998 في حرب الخليج، ومن غير الواضح ما إذا كانت هناك مفاوضات مع ايران بهذا الخصوص”.
ولا يشكك علوش في ان هناك متغيّرات عنيفة ستحصل في المنطقة، لأن المخطط الاسرائيلي لتهجير ابناء غزة لا يزال قائماً والضغوط على الدول، مالياً واقتصادياً وسياسياً ايضاً لا تزال قائمة من مصر والاردن وغيرهما. لكن في هذه اللحظة، لا يمكن لنا أن نعرف ما سيكون عليه الوضع في نهاية المطاف، فقناعتي أن الحرب مستمرة والاطراف المحلية، على الاقل “حماس” والقيادة الإسرائيلية، ظهرهما الى الجدار وهما مضطران أن يذهبا الى المواجهة إلى النهاية لأنها مواجهة وجودية، وهذا الأخطر في الموضوع”.
وعن رفض الرئيس نبيه لأي تعديل على الـ 1701 الذي قد يكون تعبيراً عن موقف “حزب الله” في حال تقرر توسيع مهام قوات الطوارىء، يجيب: “مع احترامي للرئيس بري، مثل هذا القرار إذا اتخذ يتخطى كل الشخصيات والقيادات اللبنانية. فهي قضية إقليمية أبعد من الرئيسين بري وميقاتي. هي قضية دولية لأن العالم بات على شفير حرب إقليمية قد تتدحرج الى حرب كبرى”.
وعن خطورة ترك الجيش اللبناني بدون قيادة وعدم التمديد لقائد الجيش، يشدد علوش على أهمية عدم الفراغ في سدة القيادة العسكرية لأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة القائمة في البلد ويجب الحفاظ عليها. كل الدول على مدى السنتين الماضيتين حثت المسؤولين على دعم الجيش وتطبيق الدستور والقانون. دستورياً ينبغي توقيع وزير الدفاع للتمديد لقائد الجيش ورفض جبران باسيل يستند إلى ذلك. من الواضح ان الذهاب الى قرار الحكومة أو مجلس النواب يتطلب اكثرية واضحة في اتجاه التمديد لقائد الجيش، لكن توقيع وزير الدفاع اساسي وتجاوزه يؤدي الى طعن دستوري. يمكن أن تكون هناك تخريجة في مجلس النواب لهذه المسألة، لكن علينا أن ننتظر بداية الشهر حتى نفهم ما هو التوجه بهذا الخصوص”.
وبالعودة الى القرار 1701 وكيفية الحفاظ على سلامة الخط الأزرق، يجد علوش أنه “على الرغم من كل التجاوزات والهجمات والاعتداءات التي تحصل، القرار عند “حزب الله” لأن القرار الإيراني واضح بعدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية وإبقاء ستاتيكو “المداعبات العنيفة” مثلما يحصل حالياً. بالإضافة إلى أن توجه إسرائيل جدي لتوسيع الحرب واستفزاز (ا ل ح ز ب) ليقوم بردود فعل كبيرة، حتى تدخل الولايات المتحدة الأميركية شريكاً مباشراً في المواجهة مع جماعة إيران من “حزب الله” أو احتمال المواجهة مع إيران بشكل مباشر، القيادة الإيرانية تعمل حالياً على المحافظة على (ا ل ح ز ب) والمساومة على ما يحدث في غزة. غزة غير مضمونة بالنسبة إليه الآن ولا غداً ولا قبل ذلك. ففي أقصى الظروف هي حليفة، وعقائدياً غير مضمونة وجغرافياً خسارتها مؤكدة، لكن بالنسبة لها لبنان مستعمرة قائمة، وعلى الرغم من كل المناوشات “حزب الله” سيعضّ على الجرح تجاوباً مع الرغبات الإيرانية، ولن يقوم بعمليات واسعة حتى تستطيع إيران التفاوض على لبنان وعلى سلطته في المرحلة المقبلة”.