كتبت عايدة الاحمدية كما قال المتنبي “خير جليس في الأنام كتاب”
في عصرنا الحديث الذي اجتاحته التكنولوجيا، يظل الكتاب شريكاً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الإنسان. على الرغم من التطور السريع في وسائل الاتصال ووسائل الإعلام الرقمية، إلا أن الكتاب ما زال يحمل أهمية خاصة.
انطلاقاً من ذلك، شكل معرض بيروت العربي والدولي للكتاب في بيروت في دورته الـ65 منصة حيوية لتعزيز ثقافة القراءة وتبادل المعرفة، كما شكل فسحة أمل في هذا الظلام الذي نعيشه، وأعاده لدور بيروت الثقافي. جمع المعرض الكتّاب والناشرين من مختلف الانتماءات، ما عزز التنوع الثقافي، ووفر للقرّاء الفرصة لاكتشاف أعمال جديدة.
موقعنا “أخباركم أخبارنا” استوضح من المسؤول الإعلامي عن المعرض، الدكتور والصحافي أكرم حمدان، عما ميز معرض الكتاب هذا العام، فقال: “الدورة الـ65 لمعرض بيروت العربي والدولي للكتاب، في هذه الظروف التي كان يمر بها البلد والمنطقة، كانت عبارة عن تحدي إرادة النادي الثقافي العربي لكي لا يغيب هذا الحدث الثقافي الذي تتميز به بيروت، وهذا التحدي كان رابحاً، بمعنى أن المعرض شهد حركة زوار لافتة، ولم تكن متوقعة.
وتميز المعرض بأنه شهد حوالي 60 ندوة متنوعة، ثقافية وفكرية وفنية وسياسية، من مختلف الاتجاهات والعناوين، وكانت الحصة الأكبر والعنوان الأهم في المعرض هو فلسطين وغزة، حيث عقدت ندوات حول هذا الموضوع، وأقيمت أمسيات شعرية خاصة بغزة وفلسطين وما يجري في فلسطين.
كما تم توقيع حوالي 140 كتاباً في فترة المعرض، وكان هناك شيء جديد هذا العام في المعرض، حيث أقيم جناح خاص للجوانب الفنية، للرسوم الكاريكاتورية، وللفنان حلمي التومي، وهو فنان مصري ومصمم عربي عملاق، وهو من صمم شعار النادي الثقافي العربي في العام 1974.
كما أقيم في هذا الجناح مسابقة لأفضل بوستر لطلاب الجامعات في لبنان، شارك فيها عشرات الطلاب من مختلف الجامعات في لبنان، خاصة الجامعات التي لديها قسم التصميم والغرافيك (graphic design) . وتم الإعلان عن نتائج هذه المسابقة يوم افتتاح المعرض، ووزعت هدايا للفائزين الأربعة الأوائل، والمركز الثالث فاز فيه اثنان بشكل مشترك، ووزعت جوائز نقدية، الأولى بقيمة 500 دولار، والمرتبة الثانية 400 دولار، والمركز الثالث تقاسمه شخصان أو طالبان حصل كل واحد منهما على 200 دولار، وذلك برعاية النادي الثقافي العربي بصفته المنظم لهذا المعرض. وهذه البادرة جديدة.
وأضاف الدكتور أكرم حمدان أن مسابقة البوستر كانت مفتوحة للطلاب على مستوى لبنان، وكان عنوانها تشجيع القراءة والكتاب، وكانت البوسترات التي نفذت كانت تحت هذا العنوان، وكان تفكير كل مصمم هو كيف يرى القراءة وكيف يفهمها ويشجعها، وذلك يأتي انسجاماً مع دور المعرض في تشجيع الكتاب والقراءة.
ورداً على سؤال حول المشاركة العربية، قال حمدان: “لا مشاركة عربية، رغم أن المعرض هو عميد المعارض العربية وعمره 65 عاماً، ولكن منذ كورونا وما تلاها من أزمة اقتصادية وكل ما تلا ذلك، توقف المعرض لفترة سنتين.
وعما إذا كان ذلك يعبر عن موقف سياسي من لبنان، أجاب الدكتور حمدان: “لا يمكن أن أترجم مسألة عدم المشاركة بهذا الشكل، لأن في الدورة الـ64 للمعرض، كانت هناك مشاركات عربية، سواء على صعيد دور النشر أو على صعيد سفارات الدول، أنا أذكر في الدورة الـ64 كانت هناك إحدى المؤسسات التربوية من الشارقة، ومن الكويت، ومن قطر، وغيرها، ولكن لم تعد المشاركات كما عهدناها في تسعينيات القرن الماضي، بمعنى أن تأخذ الدول العربية أجنحة باسمها، كان يوجد جناح للمملكة العربية السعودية، وجناح لسفارة قطر، وجناح لسفارة دولة الكويت والإمارات، ولكن أجنحة السفارات لم تعد موجودة لاعتبارات خاصة بهم”.
الانقسام يطال المعارض
يذكر أن تنظيم أول معرض للكتاب في بيروت كان في 23 نيسان (أبريل) العام 1956، وحقق وقتها نتائج كبيرة كانت الدافع لأعضاء النادي الثقافي العربي، للمضي قدماً في إقامته سنوياً وبصورة دائمة، ليصبح مع مرور الزمن أحد الركائز والمعالم الثقافية لبيروت ولبنان والعالم العربي. وفى عام 1992 تغير اسم المعرض من “معرض بيروت العربي للكتاب” إلى “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب”.
تاريخياً، كانت هناك محاولة من قبل نقابة اتحاد الناشرين لإقامة معرض منفصل عن النادي الثقافي العربي، ومن ثم توحيد المعرض من قبل الطرفين، وأصبح المعرض يقام بتنظيم مشترك من النادي الثقافي العربي ونقابة اتحاد الناشرين. وهذا ما عهدناه أقله منذ أواخر التسعينات، فكان ينظم معرض واحد في القاعة الزجاجية، ثم إكسبو بيروت، فساحة الشهداء، ثم انتقل إلى البيال منذ العام 2003.
ولكن هذا العام انقسم المعرض إلى معرضين، حيث أقامت نقابة اتحاد الناشرين في لبنان بالاشتراك مع وزارة الثقافة اللبنانية، معرض لبنان الدولي للكتاب في دورته الثامنة، في الفترة من 13 إلى 23 أكتوبر في مركز الفوروم للمعارض والمؤتمرات في بيروت.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مطلعة لموقعنا إن الانقسام هو عبارة عن انقسام شخصي بسبب عدم الانسجام بين رئيسة النادي الثقافي العربي السيدة سلوى السنيورة، وهي شقيقة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وبين نقيبة اتحاد الناشرين السيدة سميرة عاصي، وهي شقيقة السيدة رنده بري. وبسبب عدم الانسجام والتفاهم، كانت النتيجة إقامة معرضين، الأول في “الفوروم” من تنظيم “نقابة اتحاد الناشرين في لبنان”، افتتحه وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، والثاني في “البيال” من تنظيم النادي الثقافي العربي، افتتحه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وتؤكد المصادر أن المصالح الذاتية والشخصية انعكست انقساماً وخسارة مالية لكلا الطرفين، وترى تلك المصادر أن الحل في إعادة توحيد المعرض قد يكون بمبادرة من الرئيسين بري والسنيورة شخصياً.
في النهاية، لا بد من القول إن الثقافة تبقى منارة مشعة مهما تكاثرت حولها الغيوم. فسحة أمل في هذا الظلام الدامس، وسلاحنا الأمضى.