كتب باسل عيد: يطرق الميلاد المجيد بعد أسابيع قليلة أبواب غزة، مثقلاً بهموم أهلها وعذاباتهم، بدماء أطفالها وصراخ ثكلاها، بأنين شيوخها وآلام رجالها، بأولئك الذين تحطمت طموحاتهم وسكنهم اليأس بعد أن هجرهم الأمل.
يدخل الميلاد أرض غزة، ورجله الملتحي شيباً، صاحب الرداء الأحمر في هذا العيد، يطير بعربته التي تجرها الغزلان فوق كم هائل من الركام والدمار. وبدلاً من إطلاق ضحكته المعهودة التي تزرع الفرح والبهجة في نفوس الكبار قبل الصغار، سنراه يذرف الدموع على ما آل إليه وضع القطاع، وبدلاً من الهدايا المغلفة بالألوان المزركشة، سيحمل في عربته أكياس الدم ليوزعها على المصابين والجرحى، لأنه لم يعد ثمة مكان للفرح على تلك الأرض، بل فقط رائحة الموت ومشاهد الدمار.
لن يكون بمقدور مسيحيي غزة، كما مسلميها، أن يفرحوا بميلاد المخلص. فمسيحيّو غزة، بالرغم من قلة عددهم والذي يتراوح ما بين 800 – 1000 شخص، هم شريحة من شرائح المجتمع الغزّي، وفلسطينيون بالدم والهوية والانتماء.
لن يرفع مسيحيو غزة زينة الميلاد، ولا نصب شجرته التي لن يتمكنوا من إضاءتها. فهم نالهم من العدوان ما نال سائر أهل القطاع، ولم يوفر العدو في 19 تشرين الأول كنيستهم، وهي كنيسة القديس بورفيروس، التي تعرضت لاستهداف إسرائيلي ما أسفر عن وقوع 17 قتيلاً الى جانب عشرات الجرحى من بينهم أطفال.
وكنيسة القديس بورفيروس التابعة لطائفة الروم الارثوذكس، وكنيسة العائلة المقدسة هما الكنيستان الوحيدتان اللتان تنشطان في غزة، ويحتمي بهما اليوم قرابة 900 من المسيحيين الذين أخلوا بيوتهم منذ بدء القصف الاسرائيلي على القطاع.
بالمختصر، كل أيام غزة باتت سوداء، ولن يستطيع أي عيد أن يضيء تلك العتمة الحالكة في نفوس الغزاويين. والواقع يشي بأن الليل سيكون طويلاً جدا، بانتظار تدخل إلهي عاجل، مع أمل الميلاد، من أجل بزوغ نور الفجر.