كتب ابراهيم بيرم: ظهر وزير الدفاع الاسرائيلي حاسماً وواثقاً عندما اطلق اخيراً معادلة تتصل بمستقبل الوضع على الحدود اللبنانية مع الاراضي الفلسطينية المحتلة وفق المنظور الاسرائيلي، وقال فيها: سنعيد الأمن الى سكان الشمال من خلال ترتيب سياسي – دولي لإبعاد “حزب الله” الى ما وراء نهر الليطاني إستناداً الى القرار الأممي الرقم 1701. واذا لم ينجح هذا الترتيب، فان إسرائيل ستتحرك عسكرياً لإزالة “حزب الله” من الحدود.
إنها معادلة العصا والجزرة وفق مصادر على صلة بـ (ا ل ح ز ب) وهي ذروة مسار تهويلي – تصعيدي سبق للإسرائيلي أن استخدمه يوم أقام الدنيا ولم يقعدها احتجاجاً على خيمتي (ا ل ح ز ب) اللتين نصبتا على تخوم كفرشوبا وهدد حينها بقصفهما ما لم يسارع (ا ل ح ز ب) الى اخلائهما، باعتبارهما إخترقا منطقة سيادية اسرائيلية وظل الأمر قائماً لشهور عدة. فيما يعود الاسرائيلي منذ الثامن من تشرين الاول الماضي الى هذا الاسلوب بشكل تصاعدي وبانماط مختلفة.
فبعد ايام معدودة من انطلاق جولة العنف التبادلي على الحدود الجنوبية ونزوح اكثر من 100 ألف اسرائيلي يقيمون في “مستوطنات الشمال” الحدودية (الجليل الأعلى) الى الداخل الاسرائيلي طلباً للسلامة من قذائف (ا ل ح ز ب) وصواريخه، وتحوّلهم إلى لاجئين على نمط عمليات النزوح الجنوبي المتكررة منذ عام 1970 الى اليوم، بدا واضحاً أن اسرائيل في حال تململ واستياء وتفصح عن شعور بالقلق من جراء اطالة أمد هذا الوضع، فافسح الاعلام الاسرائيلي حسب المصادر عينها، مساحة واسعة لأصوات هؤلاء النازحين وهم يجاهرون بمرّ الشكوى من وضعهم الحالي.
والشعور بالمرارة متأتٍ من أمرين: الاول حال اللجوء، والثاني مصير اكبر عدو لهم وهو (ا ل ح ز ب) الذي يحول دون عودتهم الى مساكنهم.
الهجمات اليومية المتكررة للحزب ضد المواقع الاسرئيلية، زادت من وطأة الضغوط على الحكومة ننياهو وجهازها العسكري، إذ صارا متهمين باطلاق الوعود الخائبة والفارغة بابعاد شر (ا ل ح ز ب) المستطير عنهم، ورفع منسوب الضغوط، ورفع شعار عدم العودة ما دامت قوة الرضوان النخبوية التابعة لـ (ا ل ح ز ب) موجودة تحت نوافذهم وشاخصة اليهم.
ومع كل صاروخ من (ا ل ح ز ب) كان ينزل على الداخل الاسرائيلي، ومع كل صرخة من صرخات الاحتجاج من النازحين كانت ترتفع، لم يكن امام القيادة الاسرائيلية الا ان ترفع صرختها بأنها لن تبقى مكتوفين ولن تبقى يدها مغلولة حيال ذلك كله.
وهكذا، واكب سيل التهديدات الاسرئيلية الى (ا ل ح ز ب) ولبنان، توافد الموفدين الأجانب إلى بيروت، واكثرهم حدة كان الموفد الفرنسي الذي لم تبدِ بلاده اعتراضاً على ما يشاع عن انه موفد بلسان الادارة الاميركية، كما لم يعترض على حديث انه آت الى لبنان باسم الخماسية الدولية المولجة اخراج لبنان من ازماته المتناسلة.
ومع ضجيج الموفدين الغربيين، غزت الاجواء السياسية والاعلامية معلومات ووقائع مختلفة الى حد التضارب، فقد اشيع أن بعض الموفدين حمل الى (ا ل ح ز ب) عرضاً يقضي بأن يسحب قوة الرضوان النخبوية من الحدود الى ما بعد الليطاني، على ان يبقي في الشريط الحدودي مجموعات اخرى، خصوصاً بعد ان تحولت هذه القوة غير المرئية الى “بعبع” يقض مضاجع مستوطني الشمال، لأن المهم بات تسكين روع الاسرائيليين الخائفين والمبعدين لكي يعودوا من حيث هجّروا قسراً وخوفاً.
وفي الموازاة، كرت سبحة الحديث عن عروض اخرى، منها عودة الى نقطة ترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل على نحو يحقق مطالب لبنان في استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط الحدودية الـ13 المتحفظ عنها، اضافة الى الجزء الشمالي من بلدة الغجر المعروفة بخراج بلدة الماري اللبنانية، على أن يكون ثمن كل تلك التنازلات إنهاء ظاهرة الوجود المسلح لـ (ا ل ح ز ب) على الحدود وتحديداً ضمن بقعة عمليات اليونيفيل.
وتؤكد تلك المصادر، انه في خضم كل تلك المناخات التي كانت ترتفع حدة مع استمرار الاشتباكات على الحدود، اطلقت فكرة تفعيل القرار 1701 إما بالتي هي أحسن وإما بقوة القانون الدولي (التلويح بالفصل السابع).
وهكذا وجد (ا ل ح ز ب) نفسه اخيراً امام هجمة ضغوط ثقيلة بعضها معروف ومطروح سابقاً، وقد حمله الى لبنان موفدون اميركيون وفرنسيون، وبعضها الآخر مستجد فرضته التطورات الاخيرة على الحدود.
وفي تقديرات (ا ل ح ز ب) ان الضغوط ستتخذ مساراً دائماً وتصاعدياً وتهويلياً في قابل الايام. واللافت انها تمارس عليه وعلى الحكومة اللبنانية والرأي العام اللبناني الذي يعيش حال انقسام واحتدام واحتقان.
وبطبيعة الحال، فانّ لدى (ا ل ح ز ب) قراءة وتقديراً لما هو فارض نفسه حالياً، وبما يمكن ان يستجد، وكلاهما يندرج في العناصر الاتية:
- ان كل منظومة الكلام عن تعديل منتظر للقرار 1701 على نحو يعاد تطبيقه وفق ما تطالب به اسرائيل وداعموها، ولا سيما موضوع الانسحاب الى ما بعد الليطاني، له في الوقت الحاضر ثلاثة اهداف:
الاول، التأثير على الداخل اللبناني وزيادة منسوب القلق والتوتر فيه.
الثاني، السعي إلى كبح جماح (ا ل ح ز ب) واندفاعته العسكرية على الحدود الجنوبية.
الثالث، انه امر يحاكي الضغوط التهويلية التي مورست على (ا ل ح ز ب) في الايام الاولى لبدء الاحداث على الحدود، تحت عنوان تحذيره من التفكير بأي مغامرة توسّع نطاق الحرب الدائرة في غزة لتصل الى لبنان مما سيفتح الابواب امام حرب حقيقية. علماً ان كل ما يمارس من ضغوط، انما يندرج في سياق ما يعرف بما بعد غزة، او اليوم التالي لانتهاء الحرب.
وبذلك، يبدو واضحاً ان الاسرائيلي والاميركي يتصرفان من منطلق أن الحرب واقعة قريباً أوزارها، وانها ستنتهي لمصلحة الاهداف الاسرائيلية المعلنة وهي سحق حركة “حماس” وانهاء غزة بما هي معقل للمقاومة والمواجهة منذ تحريرها في عام 2005 ولحد اليوم.
وبمعنى آخر، يحاول الطرفان الايحاء بأن القضية منتهية وان النتيجة محسومة ومعروفة سلفاً. وهذه محاولة تندرج في سياسة “كي الوعي” وتناقض الوقائع الى حد بعيد، اذ أن غزة ما زالت تقاوم وان “حزب الله” ما زال يوجع الاسرائيلي.
وفي كل الاحوال، إن اصدار القرار 1701 في صيف عام 2006 احتاج الى حرب دامت 33 يوماً، وتعديله يحتاج بطبيعة الحال الى حرب مماثلة.
والاسرائيلي وفق المصادر اياها، يعرف تماماً ان (ا ل ح ز ب) مستعد لها تماماً، كما يعرف (ا ل ح ز ب) أن أمر اعلان اسرائيل الحرب على لبنان ليس امراً يسيراً عنده، وهو الذي يمارس سياسة ضبط النفس والعض على الجراح منذ اكثر من شهرين، وهو يستبدلها برفع وتيرة التهديدات اليومية.
وفي كل الاحوال، فان (ا ل ح ز ب) يرى بأن ثمة طريقاً اقصر واضمن لايقاف جولة التوتر على الحدود، وهي وقف الحرب على غزة. فهذا الأمر وحده كفيل باعادة الهدوء الى جبهة الجنوب، علماً أن استمرار الحرب على غزة معناه استمرار العنف لأن (ا ل ح ز ب) جاهر منذ البداية بأن الكلمة الآن للميدان، وان العين مصوّبة على غزة التي تواصل مقاومتها وتمنع الاسرائيلي من تحقيق صورة نصر يستعجل تحقيقها بأي ثمن.