كتبت فاطمة حوحو: تتعرض إسرائيل لخسائر اقتصادية فادحة نتيجة الحرب على غزة، تنعكس سلباً في كل المجالات وعلى كل المستويات المالية الشخصية منها والرسمية، إضافة إلى أسواق العمل والشركات والصناعة والزراعة والسياحة ومختلف القطاعات المنتجة.
وتشير معظم التقارير الإقتصادية إلى الآثار السلبية التي خلفتها الحرب على الشركات التي أقفلت وإنهارت بنسبة الثلث تقريباً، وتعاني من أزمة مالية لم تمر بها سابقاً، ومن أزمة ثقة محلية.
وقد أدت الحرب أيضاً الى تعطل الحياة العملية نتيجة عمليات الاخلاء من المستوطنات المحيطة بغلاف غزة، مما أدى إلى بطالة خِمس اليد العاملة، وزد على ذلك إغلاق المدارس والاستدعاء الى خدمة الاحتياط.
وفق “بلومبرغ” كلفت حرب غزة الاقتصاد الإسرائيلي ما يقرب من 8 مليارات دولار حتى الآن، مع خسائر إضافية بقيمة 260 مليون دولار يتم تكبدها مع كل يوم يمر، كما أن مشاريع البناء الإسرائيلية توقفت والتي كانت تعتمد على العمالة الفلسطينية التي تستغل وتحرم من حقوقها.
كذلك تراجعت السياحة، وانخفضت بنسبة 76 في المائة بعد فيضان الأقصى، علماً أن حركة مطار بن غوريون كانت قد تراجعت بنسبة كبيرة.
من الواضح ان كلفة الحرب على الاقتصاد الاسرائيلي بعد أكثر من شهرين كبيرة جداً، وهو على حافة إنهيار كبير، اذا ما أخذنا في الاعتبار كلفتها التي تجاوزت الحد المرصود لها لتصل إلى 191 مليار شيكل، بعد أن كانت التقديرات الأولية لها لا تتعدى 163 مليار شيكل، وهناك طلب لزيادتها.
ويتوقع بنك إسرائيل المركزي أنه فى حالة استمرار الحرب على غزّة حتى نهاية العام المقبل (2024)، سوف يتراجع معدل نمو الاقتصاد الإسرائيلي إلى نسبة 2% فقط في نهاية العام الجاري وإلى نسبة 1,6% في نهاية العام المقبل.
يقول المحلل الاقتصادي عبد الرحمن أياس لموقعنا، إن حرب إسرائيل على غزة لم تؤثر فقط على الداخل الاسرائيلي، وإنما على إقتصادات مصر والأردن وقبرص والاتحاد الأوروبي، وهي أطراف أساسية في مشاريع غاز شرق البحر المتوسط.
ويشير إلى أن “اقتصاد إسرائيل قابل للترميم بفضل الدعم الغربي والأميركي، خلافاً لاقتصادات تضررت أو قد تتضرر لاحقاً من الحرب في حال توسعها، ولعل أصعب ما قد تواجهه إسرائيل هي إستعادة ثقة المستثمرين داخلياً وخارجياً حيث لم تعد بلداً آمناً لرؤوس الأموال”.
ويلفت الى أن تداعيات الحرب تظهر في الشؤون المالية في كل أسرة، وفي سوق العمل، والقطاعات المختلفة والشركات والمالية العامة، مشيراً إلى أن مكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي أفاد بأن خسائر القطاع الخاص على صعيد العائدات تجاوز مستوى الـ 50 في المئة، وبات نحو 764 ألف إسرائيلي عاطلين عن العمل، وهذا الرقم يساوي خُمْس القوة العاملة الإسرائيلية، بحسب صحيفة الفايننشال تايمز. أما وكالة “بلومبرغ” فتشير الى أن إسرائيل خصصت 8 مليارات دولار للحرب، مما يُعَدّ خسارة لاقتصادها، في حين تستنزف الحرب 260 مليون دولار إضافية يومياً من الاقتصاد الإسرائيلي.
ويلفت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، خوفاً من تخلي حلفائه عنه، يسترضيهم بالإنفاق على مشاريع غير ضرورية في زمن الحرب، وهي مشاريع تربية عقائدية واستيطانية. إذ بلغت آخر دفعة أقرها نتنياهو في هذا الصدد ما يوازي 3.6 مليارات دولار”.
ويوضح أن إجبار العمال الفلسطينيين الى العودة إلى غزة في ظروف غير إنسانية في حالات كثيرة، تسبّب في توقف مشاريع بناء عديدة داخل الدولة العبرية، وطالب اصحاب المشاريع الحكومة الإسرائيلية بدعم مالي لكي تتمكن من إنجاز اعمالها لاحقاً. ثم هناك قطاع الفنادق الذي تضرر أيضاً، ليس فقط لانخفاض عدد السياح وإنما لكونه أجبر على استقبال نازحين إسرائيليين، مما دفع فنادق كثيرة إلى مطالبة الجهات التي تزودها الخدمات وعملائها الدوريين وحتى موظفيها إلى مدها بالمال لكي تتمكن من الصمود، مع انهيار عدد السياح في أكتوبر/تشرين الأول بنسبة 76 في المئة، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2022″.
أضرار الحرب أصابت أيضاً القطاع التكنولوجي، وفي هذا الجانب يقول اياس أن “التكنولوجيا تلعب دورا حاسما في الاقتصاد الإسرائيلي وتشكل 18.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تكبد خسائر فادحة بسبب الحرب، إذ نقل عن 80 في المئة من الشركات التكنولوجية تعرضها إلى ضرر بسبب “الوضع الأمني” المتفاقم، فيما ربعها يعاني من ضرر مضاعف، إن على صعيد الموارد البشرية أو على صعيد رأس المال الاستثماري”. فمهندسو القطاع وعاملوه استدعوا إلى القتال، واتفاقات الاستثمار بنسبة 40 في المئة تم تأجيلها أو إلغاؤها، واليوم لا يتمكن سوى ما نسبته 10 في المئة من الشركات من عقد اجتماعات مع مستثمرين”.
قطاع الطاقة لم يسلم بدوره، ويستشهد إياس هنا بتقرير وضعه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، الذي لفت إلى أن “إسرائيل وسعت تعاونها في مجال الطاقة مع مصر. وتوسطت واشنطن في اتفاق حدود بحرية تاريخي بين إسرائيل ولبنان يسمح للطرفين بالبدء بالتنقيب عن الغاز وحفر الآبار في المياه التي كان متنازعاً عليها سابقاً. ظاهرياً، بدا أن المنطقة تدخل مرحلة من التعاون في مجال الطاقة والأمن. ثم جاءت حرب إسرائيل مع “حماس”. وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول، علّقت إسرائيل الإنتاج من حقل “تمار”، ثاني أكبر حقل للغاز لديها، بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة. وفي وقت لاحق، أُغلِقت محطة النفط الإسرائيلية في عسقلان أمام السفن وسط الهجمات الصاروخية. وإذا اتسع النزاع ليشمل “حزب الله” في لبنان، فسيؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة الحادة أساسا في لبنان. وبحسب هذا التقرير فإن ديبلوماسية الطاقة لدى واشنطن التي شجعت دول شرق البحر المتوسط على تنويع مصادر الطاقة لديها، ومعالجة تغيّر المناخ في الوقت نفسه نجحت، لكن حرب غزّة كشفت الأخطار الجيوسياسية العالية التي تواجهها المنطقة. وإذا اتسعت رقعة الحرب، فلن ينجو قطاع النفط والغاز من تداعياتها الاقتصادية، وستؤجل خطط الطاقة الخاصة بالحكومات في المنطقة إلى سنوات عدة”.
الإقتصاد الإسرائيلي بعد الحرب على غزّة:خسائر فادحة وسياسات عاجزة!
نشرت في
