كتب ابراهيم بيرم: شهد الوضع على الحدود الجنوبية اخيراً تصعيداً غير مسبوق من طرفي الصراع على الحدود، أي حزب الله والجيش الاسرائيلي، والذي تثبته شواهد حيّة سواء عبر قصف اسرائيل لقرى وبلدات جنوبية او الرد الاسرائيلي نفسه المتسع المدى، وهو ما انطوى على الكثير من الاحتمالات المتفجرة على نحو يهدد بكسر الصورة النمطية لمسار الاحداث والانشطة الحربية على تلك الجبهة والعبور الى حالة جديدة.
فقد تحدثت معلومات سرت في اوساط بيروت ومحافلها المتابعة، عن ان الاستهداف الاسرائيلي للقرى والبلدات الجنوبية الحدودية قد تجاوز خلال الساعات الـ 24 الماضية كل الحدود والخطوط المعلومة التي اعتاد الجميع عليها وحسبوها روتيناً دائماً سارياً تلقائياً على الوتيرة عينها تقريباً منذ الثامن من شهر تشرين الاول الماضي، حتى ان البعض شرع في الحديث عن “رتابتها المملة”، لا بل ان البعض من مناوئي خيار الممانعة، سمح لنفسه بالحديث عن “لعبة مضبوطة الحدود متفق عليها في الكواليس والغرف الموصدة”.
واقع الحال الميداني المستجد هذا عدّه خبراء “تصعيداً خطيراً جداً”، اذ ان التدمير صار يطاول منازل سكنية واحياء يفترض انها مأهولة، ويرون انه بالاجمال يجسّد “عملية انتقال اكيدة من الجانب الاسرائيلي الى مرحلة جديدة من الحرب الدائرة منذ اكثر من 67 يوماً على طول الحدود الجنوبية من الناقورة وحتى اعالي مرتفعات العرقوب (نحو 106 كيلومترات في تقديرات الخبراء).
والواضح ان (ا ل ح ز ب) إستشعر أبعاد هذا التصعيد الممنهج، ورفع مستوى التساؤل عن طبيعة ما يعده للرد.
وعليه، ظهر احد نواب (ا ل ح ز ب) حسن فضل الله الذي اعتاد ان يكون ناطقاً ومعبّراً، ليقول في تصريح نادر الى وكالة “رويترز” امس: “ان التصعيد الاسرائيلي لن يثني المقاومة عن مواصلة الدفاع عن لبنان ومساندة غزة”.
اضاف: “ان المقاومة سترد على التصعيد الاسرائيلي بضربات نوعية جديدة سواء في طبيعة الاسلحة المستخدمة او في المواقع المستهدفة”.
لم تكن “نوبة الغضب الهستيرية” عند القيادة الاسرائيلية وفق تعبير مصادر على صلة بـ (ا ل ح ز ب) والتي ترجمت نفسها عبر هذا التصعيد غير المسبوق نابعاً من فراغ، فهو وفق المصادر عينها نوع “من فقدان ضبط الاعصاب” عند هذه القيادة كنتيجة طبيعية لقرار شرع (ا ل ح ز ب) في ترجمته ميدانياً يرمي الى إلحاق قدر اكبر من الأذى بالبنية العسكرية الاسرائيلية من خلال امرين اثنين:
الاول، قصف ما تبقى للاحتلال الاسرائيلي من مواقع قريبة من خط الحدود والتي ما زال بامكان سلاح (ا ل ح ز ب) (المتاح استخدامه) استهدافها واصابتها، خصوصاً انها تعد عسكرياً حصينة الى درجة المناعة ويقتصر الحشد فيها على حفنة صغيرة من عناصر حرس الحدود وعناصر الرصد والاستكشاف (المخابرات) فيما يقدر عدد هذه المواقع بنحو 12 موقعاً.
الثاني، منع الاسرائيليين من ترميم ما سبق أن دمره
(ا ل ح ز ب) وخصوصاً من اجهزة المراقبة والتجسس والترصد المرفوعة على اعمدة عالية، وهي الاجهزة عينها التي اعلن (ا ل ح ز ب) رسمياً عن تدميره لها واصابتها منذ الايام الاولى للمنازلة الدائرة، والتي مكنته من القول انه نجح في افقاد الاسرائيلي احد عناصر تفوقه التاريخي وجعله “شبه اعمى”.
وبمعنى آخر، وفيما كانت اسرائيل تنتظر وتراهن على ان تثمر حملة التهويل والتهديد المقرونة بحملة الضغوط الغربية المكثفة، وان تثمر ردعاً للحزب تدفعه الى كبح جماح اندفاعته وخفض منسوب هجماته اليومية على منطقة الجليل الاعلى، لمست القيادة الاسرائيلية ان العكس هو الحاصل على الارض، واستشعرت أن (ا ل ح ز ب) يستغل الى اقصى الحدود “امر العمليات الاميركي” المعروف بابقاء الوضع على الحدود ضمن اطار قواعد اللعبة المضبوطة، وبذل ما امكن للحيلولة دون انزلاق (ا ل ح ز ب) الى المواجهة الواسعة البلا حدود، فمضى قدماً وبحرفية في عملية الضغط العسكري المرتفع كماً ونوعاً، مما استدعى إعلاء الصوت من جانب المستوطنين الاسرائيليين من جحيم قصف (ا ل ح ز ب) على مستوطناتهم في الجليل الاعلى احتجاجاً على امرين: عجز القوات الاسرائيلية عن تأمين الحماية لهم، ونهج الكذب الذي تمارسه القيادة السياسية الاسرائيلية خصوصاً انها وعدتهم مراراً بضمان اعادتهم الى بيوتهم وفي ابعاد قوات (ا ل ح ز ب) عن نوافذهم الى ما بعد الليطاني.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “معاريف” الاسرائيلية اخيراً عن من اسمته رئيس مجلس الجليل الاعلى قوله: لقد نجح حزب الله وبالجزء القليل جداً من قدراته في دفع المنطقة كلها هنا (الشمال الاسرائيلي) الى الجنون، واجبر 300 الف مستوطن على النزوح.
وعموماً بدا أن (ا ل ح ز ب) والقيادة الاسرائيلية في الساعات الماضية محتاجان الى هذا التصعيد رغبة منهما في نفي ما يقال عن أنهما مرتاحان الى هذا الوضع الرتيب.
ولقد اعطى احد المراسلين العسكريين الاسرائيليين صورة مكثفة للاحتقان القائم على الحدود ومدى السخط الحاصل في الوجدان الاسرائيلي، فقال في احد رسائله: ان اسرائيل وحزب الله يقفان عند نقطة غليان كبيرة، وترسل الرسائل الى لبنان حيث يتعين على نصر الله ان يقرر الى اين يتجه، لذا دعونا نرى الى أين سوف نذهب؟.
واذا كان (ا ل ح ز ب) قد قال كلمته وكشف عن اوراقه، فان الاسرائيلي في المقابل وفق مصادر على صلة بمآلات الوضع الحدودي يتبع نهجين:
الاول: توسيع المدى الجغرافي لرده على نحو يتجاوز المألوف، معلناً انه في قابل الايام سيعود الى استخدام عنصر التفوق الكاسح عنده وهو الطيران.
الثاني: الإيحاء لجمهوره الغاضب من انه اعطى مهلة للحزب لكي ينسحب إلى جنوب الليطاني قبل ان يواجه عملية عسكرية واسعة هي خيار مطروح على بساط البحث في القيادة الامنية الاسرائيلية (الكابينت).
وحيال ذلك، فان السؤال المطروح هو ما هي خيارات (ا ل ح ز ب) المضادة؟ وهل ان في جعبته حسابات مفاجئة؟ واستتباعاً هل انه لا يزال عند درجة الاطمئنان عينها وهو يعاين عن كثب مستوى الاحتقان عند الاسرائيلي ومرجل الغضب عنده يغلي ساعة بعد ساعة؟
اسئلة لن يفصح (ا ل ح ز ب) عن اجابات عنها، لكنه يؤكد لمن يتواصل معه انه جاهز لكل الاحتمالات ولن يترك الاسرئيلي يستفرد بغزة ومقاومتها البطلة..
