خاص: أخباركم أخبارنا
ليس أسهل على المسؤولين اللبنانيين إلقاء مسؤولية استباحة المؤسسات وضرب صورتها سوى تحميل الآخرين المسؤولية، و”العدو الخارجي”، لذلك من المرجح الا تصل التحقيقات في قرصنة مطار شاشات مطار رفيق الحريري إلى نتيجة واضحة، فالتحقيق قد يطول كما قيل على لسان اولي الأمر، وفي ذلك إشارة إلى تغييب المسؤول عن خرق الامن السيبراني للمطار على الرغم تباهي مسؤوليين وسياسيين طوال الفترة الماضبة بأن الامن مضبوط فالواضح أن امن لبنان مكشوف، وان تعطيل المطار دون وجود مطار آخر يلبي الحاجات الطارئة فإن لبنان سيكون مقطوعا عن العالم، بينما ينتظر مطار القليعات اشارة لتشغيله، الا ان الخلافات السياسية لا تسمح للبنانيين بنعمة التواصل مع العالم لان المطلوب عزله والتحكم به خارجيا بالريموت كونترول.
قد يبدو صحيحا أن المعدات تحتاج الى صيانة وتحديث وقد حصل اكثر من مرة تعطل مراقبة الشنط الكترونيا، كما ان المطار يشهد ازدحاما كبيرا في بعض المواسم السلمية والحربية، ولا يزود بالكهرباء الكافية لتشغيل المكيفات وما حصل اخيرا عندما فاضت مياه الامطار داخله كان محزنا، ومن قبلها انقطاع المياه عن الحمامات وسوء نظافتها، وقد يقال الكثير على صعيد تراجع الخدمات.
أما بالنسبة الى الواقع الامني وهنا بيت القصيد فإن مطار رفيق الحريري الدولي يعاني من هيمنة الثنائي عليه، ما بعد حرب 2006 عندما بدأت الطائرات الايرانية تجلب دولارات نقلها وزير الخارجية الايراني آنذاك وسلمها الى حزب الله ليدفع تعويضات للذين خسروا بيوتهم واملاكهم نتيجة مغامرة “لو كنت أعلم” وقيل الكثير في حينه وما بعدها عندما تم اكتشاف شبكة هواتف خاصة لحزب الله ممدودة في المطار وهو ما ادى ما عوقبت عليه بيروت فغزاها اصحاب القمصان السود في ايار 2008، وتلا ذلك ايضا اثر الانقلاب الشهير على حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2012 هيمنة اصحاب السلاح المقدس على امن المطار لتسهيل حركة فيلق القدس نحو سوريا ونقل اسلحة ميليشياته التي كانت تقاتل هناك دفاعا “المقامات الشيعية”.
ومن هنا إعتبر الفريق المناهض لمحور الممانعة بأن تحول المطار الى مصدر يؤمن دخلا ماديا للثنائي عن طريق تهريب السلاح والمخدرات والادوية وغيرها من البضائع وسقط امنيا بحكم الهيمنة والسيطرة الامنية سواء بدفع الرشاوى او تنصيب الفاسدين وهو ما يفسر احيانا ما كان يجري من صراعات تتاجج بين الحين والآخر بين مسؤوليين عن أمن المطار، الذي يتخوف البعض من تحوله مركز صراع إقليمي يؤدي الى ضرب هذا المرفق الحيوي كما حصل في مرفأ بيروت، فيما القضاء يطنش على الاخباريات ولا يحقق فيها.
صحيح ان عدد من المسؤولين تحرك اثر عملية القرصنة الكارثة التي حصلت يوم الاحد الماضي ونفذت خطة بديلة لوقف الارباك الذي حصل في حركة الطيران، الا إنهم في المقابل لم يحددوا وقتا لكشف ماحصل والتهى اللبنانيون بما تضمنته الرسالة التي وجهت الى الامين العام لحزب الله حسن نصر الله لا نريد الحرب، وبتوجيه التهمة الى جنود الرب التي نفت علاقتها جملة وتفصيلا بالاختراق الذي حصل، اي نقل الفايروس وخرق الامن السيبراني وتشويه شاشات بالرسائل وتعطيل التشغيل السلس لنظام مناولة الأمتعة في المطار، حيث استبدل باستخدام الكلاب البوليسية أثناء فحص الأمتعة.
وفق خبراء أمنيين فإن اختراق أنظمة معلومات الطيران ليس أمرًا صعبًا، فشاشات عرض الرحلات، شاشات كمبيوتر تعرض تطبيق ويندووز، لذا فإن اختراق الأنظمة التي تشغل لوحات عرض الرحلة يؤدي إلى عرض أي محتوى يريده المتسلل، وأن المشكلة في أنظمة عرض الطيران هي أن العالم يكتشف بسرعة كبيرة أنك قد تعرضت للاختراق، وكان من الممكن أن يكون الهجوم السيبراني على المطار أكثر تدميراً بكثير. وإذا كنت تريد التسبب في فوضى كاملة في المطار، فاخلط البوابات على نظام العرض. سيستغرق الأمر بعض الوقت وكل شخص يلاحظ، إنه خلال هذه الفترة تم تفويت مئات الرحلات الجوية.
وقد تردد أن الهدف من عملية القرصنة واختراق نظام التشغيل الإلكتروني تمرير صفقة تهريب تمت بواسطة حقائب دخلت وخرجت من دون تفتيش بعد تعطل الأجهزة.
يدرك معظم اللبنانيين ان حزب الله يمسك بقرار المطار كما البلد، وهو قادر على إدخال من يريد إلى الأراضي اللبنانية من دون المرور على أجهزة الأمن العام والرقابة. وقد عاد البعض الى المطالبة بتشغيل مطار القليعات لكون البنى التحتية موجودة ومساحته كبيرة ولا يحتاج إلا إلى مبلغ مالي يمكن تأمينه بواسطة BOT ، وهو ما يرفضه الثنائي الشيعي على الرغم من محاولات نواب عكار والضنية لتحريك الملف.
وعلى الرغم من كثرة التصريحات حول أن أمن المطار خط أحمر، فالواقع يشير الى غير ذلك تماماً، إذ وقعت عمليات خطف على طريقه واقفل الأوتوستراد المؤدي اليه عدة مرات مما ادى إلى انقطاع لبنان عن الخارج، كما حرت مراقبة شخصيات سياسية وحركتها ثم اغتيالها.
فواقع المطار وأمنه لا ينفصلان عن الهيمنة على الدولة وقرارها بعد وتوسيع الدويلة، فالحزب لم يترك أي مكان للبنانيين خارج سيطرته، وقد يكون فتح مطار القليعات بعد تأهيله بداية للصعود من الهاوية وعدم تحويل لبنان الى سجن كبير، وحتى لا يصبح الداخل الى المطار مفقوداً والخارج منه مولوداً، في ظل رقابة الاستخبارات الايرانية على حركته كما كان الامر عليه قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان.
كثيرون رجحوا وقوف إسرائيل خلف العملية، نظرا لتاريخها الحافل بالهجوم السيبراني المضاد، ولكونها جاءت على وقع تفلت قواعد الاشتباك بين الحزب الله وقوات الاحتلال، وسواء صح ذلك أم تبقى ضرورة اصدار المراسيم التطبيقية للاستراتجية الوطنية للامن السيبراني التي اقرتها حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2018، لمنع الاختراقات الأمنية عبر الإنترنت والحرب الإلكترونية مع إسرائيل، وفي ظل التهديدات الاسرائيلية بضرب المطار كونه ضمن بنك الاهداف التي حددتها واتهمت حزب الله بتهريب الاسلحة عبره، وهي كانت قد قصفته في حرب تموز 2006 واخرجته عن الخدمة.
وفي السياق عقد عضو كتلة تحالف التغيير النائب وضاح الصادق مؤتمرا صحافيا في مجلس النواب خصصه للحديث على وضع مطار رفيق الحريري، محمّلا “القضاء بشخص النائب العام التمييزي والمحامي العام التمييزي المسؤولية الكاملة عن أي ضرر حصل سابقاً مثل طوفان المطار والاختراق السيبيراني وما قد يحصل في المستقبل”.
وحضر المؤتمر اعضاء الكتلة النائبين مارك ضوّ وميشال الدويهي، رئيس الوحدة السياسية للحزب خط أحمر المحامي محمود الناطور والمنسق العام للحزب خط أحمر عاصم حمزة.
وقال الصادق ان “الاساس في الموضوع هو القضاء وكنت قد وقعت مع 19 نائبا يمثلون كتلا تضم 40 نائبا، اي ما يقارب ثلث المجلس النيابي، إخباراً في 3 اشرين الأول 2023، موضوعه تعريض إدارة الطيران المدني السلامة العامة والملاحة الجوية لمخاطر جسيمة وشبهات فساد في مطار رفيق الحريري الدولي”.
وأوضح ان “المستشار القانوني محمود الناطور تقدم بالاخبار لمكتب النائب العام التمييزي، ولم يتم تسجيله وأرسله الى المحامي العام التمييزي غسان خوري لدراسته”، مذكراً بـ “أمر مماثل حصل قبل سنوات بخصوص نترات الامونيوم في المرفأ ولكن على شكل مراسلات وليس إخبارا وقد تغاضى القضاء آنذاك عن الملف”.
وأفاد “حصلنا على نسخة عن طريق الخطأ مسطر عليها يدوياً من المدعي العام التمييزي خاصة تحت اسم وزير الاشغال في حينه عام 2014 التي تربطهما علاقة عائلية”، مشددا على ان “واجب النيابة العامة تسجيل الاخبار وهي ما زالت لم تسجله منذ ثلاثة اشهر ومن واجبها اعلامنا عن رفضه اوقبوله بعد تسجيله رسمياً واكد ان “المادة 373 من قانون العقوبات واضحة لجهة مسؤولية الموظفين جراء الإهمال”، مضيفاً ان “هناك استخفاف لدى القضاء ووزارة الاشغال وادارة المطار بهذا الموضوع فالمطار يعاني من خطورة على السلامة العامة وهو ذاهب الى تدقيق ممكن ان يتسبب بابعاد التأمين عنه ووقف شركات الطيران رحلاتها اليه”.
وأكد “سنتابع هذا الملف لنصل الى محاسبة على المرحلة السابقة اولاً وثانياً وضع المطار على السكة الصحيحة.”
وقال الصادق انه “في غياب القضاء الأجهزة الرقابية تحسست خطورة الموضوع فتحرك ديوان المحاسبة وهو اليوم يحقق في موضوع الطوفان والإهمال، وتحرك التفتيش المركزي بفتح تحقيق وتفتيش شامل على المطار وإدارته وسبقهم منذ سنوات مجلس الخدمة المدنية الذي رفض تكراراً تكليف المدير العام ورئيس المطار وعدد من الموظفين، واتمنى على هذه الاجهزة الا تخضع للضغط السياسي”.
وعن سلامة حركة الطيران قال إن “وزارة الاشغال وإدارة المطار أعلنتا الاستعانة بمراقبين جويين من الجيش اللبناني مقابل بدل، والمشكلة تكمن بان في برج المراقبة 13 مراقباً جوياً فقط مدربين يعملون 300 ساعة بالشهر بدلاً من 80 ساعة خلافا للمعايير الدولية، وكل التقارير الدولية من ضمنها تقارير الاتحاد الاوروبي وضعت ذلك تحت المجهر بان لا امكانية لاستمرار العمل في المطار ان كان المراقبون الجويون يعملون في هذه الطريقة”. واشار الى ان “المحاصصة السياسية والتوظيف والاسباب الطائفية اوصلوا المطار الى تجميد الناجحين في الامتحانات ولم يخضعوا لمرحلة التدريب التي تمتد على سنتين فهذا أما جهل أما استخفاف بعقول الناس”، مضيفاً “مشكور الجيش اللبناني كما قوى الامن الداخلي الذين يغطون مشاكل البلد والقطاع العام لكن المشكلة نفسها تنطبق على المراقبين الجويين العسكريين الذين هم بحاجة لسنتين من التدريب”.
وعن موضوع فساد المطار اعلن الصادق اننا “فتحنا كل ملفات الفساد سابقاً لكن للاسف غياب القضاء مؤسف جداً وسنتناول ملف السيد طلال وهاب الذي كان يجدد لترخيص شركته كل ثلاثة اشهر بتوصيات مضللة من قبل مدير عام المطار يرفعها لوزرة الاشغال خلافا لرأي دائرة السلامة الملاحية التي تؤكد عدم توفر المستندات اللازمة للترخيص للشركة”.
وأضاف “هناك شبهات فساد مخيفة ونسمع بليرات ذهب وزعت في آخر السنة وظروف اموال توزع على الموظفين بشكل دائم وهناك حماية حزبية كاملة للمطار لا يستطيع ولا يريد القضاء التحرك لايقافها”.
وكشف ان “بعد الضغط الذي قمنا به وطرحنا للموضوع في الاعلام رفض وزير الاشغال تجديد ترخيص طلال وهاب والسؤال هنا لماذا كان يتم التجديد للترخيص خلال السنوات الماضية طالما هو مخالف للاصول القانونية؟”. واعلن الصادق ان “هناك جلسة استماع لرئيس المطار فادي الحسن بصفة شاهد امام قاضي التحقيق في 23 /1/ في دعوى التزوير المقامة من الصفدي على وهاب، وقد عرضنا كل المستندات التي تؤكد تقرير دائرة سلامة الملاحة ان ملف الشركة غير مطابق للمواصفات وغير مكتمل، الملف الوحيد الذي كان مكتملاً هو الفساد وظروف الاموال التي كانت توزّع”.
وسأل: لماذا لا يزال طلال وهاب يحتفظ ب”هنغارين” في المطار يسيطر عليهما رغم عدم تجديد الترخيص؟
وانتقل الصادق الى ملف السيد وسام عاشور الذي فتح خلال جلسة لجنة الاشغال واشار الى ان “رئيس هيئة الشراء العام الاستاذ جان العلية استلم الموضوع واكد في تقرير هيئة الشراء العام ما قلناه سابقاً عن مخالفة شروط العقد، ونحن مع ان تكون هناك شراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام لكن خارج الفساد لمصلحة الدولة لنؤمن افضل المداخيل للدولة ونحن على ثقة كاملة بان هيئة الشراء العام ستلاحق الملف للآخر”.
من جهة اخرى، اكد الصادق ان “الخرق السيبراني الذي حصل منذ ايام مثال على التوظيف السياسي والمحاصصة والفساد وغياب الرقابة وغياب العلاج والرؤية المستقبلية وغياب الأنظمة لحماية فعلية لأنظمة المطار واختراقها سهل، ولكن السؤال يبقى طالما انهم يتحاصصون، علما ان ما في المطار تجاوز حتى الحصص المتفق عليها عادة، فلماذا يختارون غير الكفوئين للمراكز الأساسية؟ الجواب بديهي وهو انهم يريدون الولاء السياسي الاعمى.”
وشدد على انه “كل مطارات العالم تمتلك انظمة الكومبيوتر وانظمة الحماية وال cyber security و Fire Walls التي تجدد بشكل دائم وتملك خبراء على أعلى مستوى من الكفاءة، أما أنظمة مطار رفيق الحريري الدولي قديمة جداً تعمل على Windows XP وWindows 7 وعمر الكمبيوترات يعود الى 2008، مضيفاً ان ” الـ Mail Server الرئيسي متصل بالـ Flight Information Display System او ال FIDS وهو نظام داتا معلومات حركة الطيران وتوزيع الحقائب هذا الاتصال غير المبرر تقنياً هو سبب عطل نظام الحقائب ولا أحد يعرف لماذا هذا الوصل بينهما. نظام الـ UPS غير متوفر لجميع الأقسام في المطار”.
وختم الصادق “تم إختراق المطار كما شاهدنا وشاهد العالم، وتحول الى فوضى مطلقة، وحتى الامس كانت الرسالة موجودة على شاشات اجهزة الموظفين، والعمل عاد طبيعياً اليوم فقط فيما عدا نظام نقل الحقائب الذي لايزال خارج الخدمة، وتم خرق أجهزة الكمبيوتر في غرفة الرقابة، وفقدت داتا المعلومات لم يتم استردادها حتى الامس، التحقيق لا يجب ان يكون حول من اخترق فقط، بل حول من تسبب بالاختراق والاهمال الاداري”.
من جهته، اعلن النائب ضو ان العمل في المطار يجب ان يبدأ قبل موسم الصيف لان الناس يقررون القدوم الى لبنان من الآن وقد خسرنا موسم رأس السنة والاعياد ولبنان بحاجة اقتصادية ماسة وما يتعلق بالمطار يتعلق بكل الاقتصاد الوطني ولا يجب لسكوت عن هذا الموضوع”، مشيراً الى ان مدعي عام التمييز سيتقاعد في شهر شباط واذا لن يحرك الملف ليتهرب من المسؤولية يكون لا يعطل فقط عملية اصلاح المطار بل ايضاً امكانية قيام موسم سياحي جيد خلال موسم الصيف هذه مسؤولية كبير وتتطلب تحركاً فورياً”.