كتبت عايدة الأحمدية: في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من أوضاع إنسانية صعبة، يأتي قرار مجموعة من الدول تعليق المساعدات المالية الداعمة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، ليشكل ضربة قاسية لهذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعية موصوفة، ويعيش في ظروف سيئة في الداخل الفلسطيني ودول الشتات.
القرار الذي يشكل محاولة واضحة لتصفية القضية الفلسطينية، ستكون له تداعيات كبرى في حال توسعه أو استمراره. فهذه الأزمة قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والمرض.
لا شك في أن توقف هذه الخدمات ستكون له عواقب وخيمة على شريحة كبيرة من الفلسطينيين. ففي قطاع غزة على سبيل المثال، يعتمد أكثر من مليوني شخص على “الأونروا” للحصول على الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، ومن دون هذه المساعدات سيواجه اللاجئون الفلسطينيون الجوع والمرض والفقر والبطالة.
إن توقف مساعدات “الأونروا” يعني حتماً توقف تقديم الخدمات الأساسية في مناطق عمليات الوكالة، والتي تشمل لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة. وتضم هذه الخدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية.
يذكر أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) تم تأسيسها في العام 1949، وفوّضتها الأمم المتحدة بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئين الفلسطينيين المسجلين في مناطق عمليات الوكالة إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. ويتم تمويل “الأونروا” بشكل كامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
قدمت “الأونروا” في بداية تأسيسها خدمات لحوالى 750 ألف لاجئ فلسطيني، لكن حالياً هناك 5 ملايين ممن يحق لهم الاستفادة منها. تساعد “الأونروا” لاجئي فلسطين على تحقيق كامل إمكاناتهم في التنمية البشرية، وذلك من خلال الخدمات النوعية التي تقدمها في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، والخدمات الاجتماعية، والحماية، والبنى التحتية وتحسين المخيمات، والتمويل الصغير، بالإضافة الى المساعدات الطارئة.
في لبنان، تلعب “الأونروا” دوراً كبيراً في تخفيف معاناة اللاجئين الفقراء والمعرضين للمخاطر. وقد قدمت لأكثر من سبعة عقود، خدمات شبيهة بالقطاع العام. فالوكالة فريدة من نوعها داخل منظومة الأمم المتحدة، بحيث تدير المدارس ومراكز الرعاية الصحية للفلسطينيين في لبنان، لا سيما للذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الأدوية أو المشاركة في تقاسم كلفة العلاج، خاصة الأمراض المزمنة والسرطان.
تشغّل “الأونروا” 27 مرفقاً للرعاية الصحية الأولية تقدم من خلالها الاستشارات الطبية العامة لحوالى 931,000 شخص كل سنة، إلى جانب أكثر من 23,000 استشارة لتقصي أمراض الفم والأسنان. كما تقيم ترتيبات مع مستشفيات لبنان وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، من أجل ضمان إنصاف اللاجئين الفلسطينيين في الوصول إلى الرعاية الصحية الثانوية. كذلك تقدم مراكز الرعاية الصحية الأولية الاستشارات العامة، والاستشارات المتخصصة، والرعاية الصحية للأم والطفل، والخدمات المخبرية، والأشعة السينية الأساسية. كما أطلقت خدمات للنساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقات، إما من خلال برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية أو برامج “الأونروا” الأخرى، أو عبر الشراكات مع المنظمات المجتمعية والمنظمات غير الحكومية.
تركز استجابة الوكالة في لبنان في مجال الحماية، على تقديم المساعدة للذين هم في أمسّ الحاجة اليها من خلال نهج متعدد الأبعاد يتضمن: التعرف على حالات الحماية وإحالتها، تنسيق وتقديم خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي وسبل الوصول إليها، إدارة حالات الناجين من العنف المبني على النوع الاجتماعي وتقديم الإسناد النفسي الاجتماعي لتلك الحالات، حماية الطفل، تعميم الحماية، مراقبة التحركات العابرة للحدود والإبلاغ عنها، والانخراط في العمل مع المكلفين بمسؤولية مناصرة حقوق لاجئي فلسطين.
يعمل برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية في لبنان على مساعدة لاجئي فلسطين الفقراء، وعلى تشجيع تنمية الأفراد الأقل حظاً في مجتمع اللاجئين وتعزيز اعتمادهم على أنفسهم.
ويقدم برنامج مساعدة حالات العسر الشديد، مساعدات عينية غذائية ونقدية بشكل فصلي لنحو 55,000 شخص في لبنان، علاوة على قيامه بتوفير مساعدة نقدية طارئة لحالات محددة ممن هم في أمس الحاجة اليها. وقد قامت “الأونروا” بإصلاح نهج الاستهداف الخاص بها لهذا البرنامج.
كذلك تهدف خدماتها إلى زيادة الفرص المتاحة أمام المستفيدين للحصول على مستقبل أفضل، وذلك عن طريق بناء معرفتهم وإمكاناتهم. وتقدم أيضاً قروضاً إسكانيّة من أجل تحسين الظروف المعيشية للاجئين، حيث أن لاجئي فلسطين في لبنان قد عانوا طويلاً من ظروف إسكانية سيئة ومن نقص في المساكن. ففي عام 2012، قامت بتوزيع ما مجموعه 12 مليون دولار عبر 2,775 قرضاً ساعدت في إنشاء أو إنقاذ 4,319 وظيفة. وكانت غالبية الأعمال التجارية التي تمت مساعدتها تنتمي إلى قطاع الخدمات، تليها الصناعات الصغيرة، تربية الحيوانات، ثم التكنولوجيا الطبية. وكجزء من التزامها بدعم الأفراد الأقل حظاً، تولي الوكالة أهمية خاصة للنساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقات، وذلك في محاولة لتشجيع الأعمال الريادية في أوساط تلك الفئات.
وفي أوضاع الطوارئ، يكون برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية مسؤولاً عن تسجيل الأشخاص النازحين داخلياً واللاجئين، ويقدم المواد الغذائية وغير الغذائية، ويساهم في تخطيط وتنفيذ أنشطة إنعاش سبل المعيشة.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى انه في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون، سيشكل تعليق المساعدات المالية للوكالة خطراً حقيقياً على مستقبلهم إذ ان هذا القرار سيفتح الابواب للجوع والمرض والبطالة، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة. وعليه، ندعو الدول المانحة إلى التدخل العاجل لإيجاد حل لهذه الأزمة، حفاظاً على الحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينيين.