كتب زياد أ. يممين: هي الحقائق والوقائع التي تحسم نتائج أي نزاع دولي، وهذا ما ينطبق على الحرب في غزة و فق المعطيات الآتية:
1- عكس ما يظن البعض، إن حركة حماس ليست الجماعة الإسلامية ولا الأخوان المسلمين، بل هي حركة تحررية تبغي إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالمطلق عن إسرائيل، عبر تحرير القطاع نهائياً ورفع الحصار الجغرافي – الإقتصادي عنه بضمانات أمميّة من قبل جهات مثل قطر ومصر وتركيا والإتحاد الأوروبي وروسيا وبطبيعة الحال واشنطن، وصولاً إلى مجلس الأمن الدولي الجديد الذي ستتغير بنيته مستقبلاً.
2- حماس هي منظمة براغماتية في علاقاتها الدولية وقد تقبل بسلطة وطنية جديدة في غزة مع فصائل أخرى من منظمة التحرير الفلسطينية، من ضمنها حركة “فتح”، التي ربما ستعمل تل أبيب مجبرة على إعادة بث الروح فيها من خلال إطلاق الأسير الفلسطيني الفتحاوي مروان البرغوثي المعتقل في سجونها (أهون الشرور بالنسبة إلى العقل الاسرائيلي) والذي ستكون من أولوياته إصلاح وتحديث منظمة التحرير لإيجاد صيغة سياسية جديدة في الضفة الغربية تتقبل وتعاود الكفاح الفلسطيني المسلح والأهم “الشرعي في العرف القانوني بالنسبة للجميع”، بكل أشكاله وحركاته ومن ضمنها حركتا حماس والجهاد وفق حراك سياسي – وطني جديد سيكون هدفه المرحلي والآني العمل على قيام السلطة – الدولة الفلسطينية الجديدة على أراضي العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
3- إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها بإزالة حماس من الوجود تسليحاً وتنظيماً وفكرة، هذا عدا عن خسارتها الرأي العام العالمي لما قبل قرار محكمة العدل الدولية وخصوصاً في ما بعده.
4- لن تستطيع إسرائيل إعادة توازنها الداخلي سلطوياً وحزبياً، لكي ينعكس هذا من جديد على صيرورتها ككيان موحد حوكمياً ومجتمعياً بسبب تشتت وانقسام نسيجها الإجتماعي المجبول بخرافات تاريخية مسماة شعب الله المختار، وأوهام جغرافية في ما يعرف بأرض الميعاد من النهر الى البحر، أدت بها إلى تراكمات وتصورات فكرية ومعتقدية لا تمت إلى وقائع الدين والتاريخ والجغرافيا بأية صلة، أنتجت أحزاباً والأهم شخصيات سياسية (نتنياهو وبن غفير وسموتريتش) عنصرية – متطرفة مصيرها الفناء والزوال. فإسرائيل ليست أفضل وأقوى من ألمانيا النازية التي غزت واحتلت أكثر من نصف أوروبا.
5- واشنطن، الداعم المطلق الوحيد حالياً لإسرائيل، لن تنجح في الاستمرار بهذه السياسة لأنها أصبحت دولة غير ممسكة بمبادرتها المالية – الاستثمارية والتجارية وبالتالي العسكرية، وهي بالكاد ستقدر على لملمة نفسها داخلياً بسبب مشاكلها الحدودية مع المهاجرين من المكسيك، وتمرد حاكم ولاية تكساس على السلطات الفيديرالية العليا هو أول الغيث، ومشاكلها الجندرية المتمثلة بجدلية التحوّلية والمثلية الجنسية. وهي ستركز من الآن فصاعداً على واقعها الداخلي أكثر لإعادة مأسسة وترشيد حوكمتها الداخلية، مما سينعكس على إعادة تقييم وتقويم سياساتها الخارجية، ومنها الشرق الأوسط الذي يضعف تأثيرها فيه يوماً بعد آخر لصالح قوى جديدة (دول البريكس) ستملأ الفراغ النسبي.
6- بالفعل، إن واشنطن وطهران لا تريدان مواجهة مباشرة بينهما وفقاً للمفاهيم الكلاسيكية القديمة للحروب، ولكنهما منخرطتان في حرب غير معلنة قائمة على الردع المتبادل والمفاهيم الجديدة للحروب الحديثة غير المتماثلة القوة، بحيث أن جماعة مسلحة صغيرة حليفة لإيران كالحوثيين (عالية التجهيز والتدريب كماً ونوعاً) استطاعت الإشتباك وإيقاع خسائر حتى بمجموعات بحرية أميركية متكاملة في قطعها، مغلقة بذلك البحر الأحمر بكامله أمام التجارة الدولية التي تصل نسبتها فيه إلى 11,7% من التجارة العالمية وخاصة في وجه أوروبا وأميركا، مما سيرفع من نسب التضخم داخل اقتصاداتهما نتيجة الخلل بين العرض والطلب ويعمق بذلك من أزماتهما المعيشية والمالية أكثر فأكثر، كما سينعكس بالتأكيد غضباً متفجراً في صناديق انتخاباتهم الآتية لجهة سقوط الأحزاب الحاكمة الحالية لصالح أحزاب تنتهج سياسات أكثر عقلانية في أوكرانيا وفلسطين – غزة (خاصة في الولايات المتحدة)، وهذا فقط في حال صمدت وصمتت هذه الشعوب إلى حينه تجاه ما تعانيه، فالنار المشتعلة لا تبقى دوماً تحت الرماد، وربما نشهد عاجلاً أم آجلاً ربيعين، أميركي وآخر أوروبي يطيح بكل المعادلات الدولية التي ارتسمت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1991 .
برؤية واقعية، وتبعاً لما يجري فعلياً على الأرض، والذي قد يطول ويستمر وفقاً لتسلسل مراحل لا يعرفه أحد، نستشف بأن الضعف المتزايد والمستمر للغرب الاطلسي يصبّ في خانة انتصار لفلسطين وهزيمة لإسرائيل وفقاً لتعاريف جديدة لكلمتي نصر وهزيمة في عِلمي العسكر والسياسة .