كتب ابراهيم بيرم: ماذا عن أوضاع النازحين من البلدات والقرى الامامية الجنوبية التي طاولها العدوان الاسرائيلي المستمر على الجنوب منذ 8 تشرين الاول الماضي؟
منذ عقود عدة، توقفت رحلات النزوح والتهجير عند الجنوبيين وظنوا انها من ماضٍ قد مضى وولى، لكن هذه الرحلات عادت لتتجدد منذ اشهر خلت. في الامس القريب، كان ثمة شريط حدودي يضم اكثر من 50 بلدة وينبض بالحياة والحيوية، حيث قصور وفلل فخمة تشاد على تلك الروابي والمنحدرات، وحيث هناك دورة اقتصادية (مؤسسات ومزارع ومشاريع سياحية) ترتفع مثقلة بالوعود والآمال، وفجأة تعاد سيرة النزوح وتستعاد مآسي تلك المرحلة القاتمة.
في الغابر، كان الاحتلال يغزو تلك القرى والبلدات ويبسط سيطرته عليها لعقود، ويتصرف بحياة سكانها تصرف المالك بملكه فيعز من يشاء ويذل من يريد فارضاً عليها سلطة الامر الواقع. اما الان فالوقائع مختلفة، اذ ثمة قرى تسقط صواريخ الاحتلال منازلها واحداً تلو الاخر، وتمنع قذائف الموت الاسرائيلية السكان من العودة الى ديارهم رغم ان الاحتلال بعيد.
وبالعموم، تبدو مشهدية النزوح والاقتلاع هذه المرة غامضة وغائمة، فلا اعداد النازحين ثابتة ونهائية ولا اماكن التهجير معروفة على وجه الدقة. العدد القليل يقيم في مراكز ايواء حصراً في صور، فيما العدد الاكبر إختار الاقامة في مساكن توزعت في الجنوب الامن وفي الضاحية وبيروت والجبل.
ومع ذلك، فان التقديرات شبه الرسمية تقدر عدد النازحين بأكثر من 100 الف نازح من نحو 47 بلدة حدودية تمتد من الناقورة على ساحل البحر، حتى اعالي مرتفعات شبعا وكفرشوبا والعرقوب، وهو قوس يمتد في اقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون – حاصبيا.
يقول عضو كتلة التمنية والتحرير قاسم هاشم ان ثمة مشكلة كبرى ناتجة من محدودية الامكانات لمساعدة النازحين والذين ما زالوا صامدين في قراهم. فالمساعدات من المصادر الخارجية تكاد تكون معدومة، فيما مساعدات الداخل يتولاها مجلس الجنوب الذي يتمتع بقدرات متواضعة، اضافة الى بعض المؤسسات الانسانية والجمعيات الخيرية والاغاثية.
وفي المحصلة، يضيف هاشم، ان ما يصل الى النازحين والصامدين هي عبارة عن مساعدات الحد الادنى المطلوب.
ويقدر هاشم القرى المتضررة كلياً وجزئياً بنحو 47 بلدة تقع عملياً في الخط الحدودي الامامي وفي الخطين التاليين، ويقول إن المشكلة التي نواجهها هي أن اعداد النازحين في ارتفاع يومي لأن ثمة قرى كانت الى الامس القريب في وضع الآمن وعامرة بأهلها، لكن صواريخ العدوان طاولتها فجأة فضلا عن ان العدو قرر زيادة منسوب الاذى والضرر بالقرى، وزيادة ارقام الضحايا عمداً بهدف خلق مناطق مهجورة كأحد عوامل الضغط على لبنان والمقاومة في محاولة منه لجعل المنطقة فارغة.
في المقابل، فان مجلس الجنوب يقوم كما هو معلوم بالجزء الاكبر من مهمة متابعة اوضاع النازحين من البلدات الحدودية، خصوصاً بعدما شكل ما يشبه غرفة عمليات دائمة للتصدي لهذه المسؤولية الجسيمة.
ويقول رئيس المجلس هاشم حيدر: من المهمات التي نتصدى لها تقديم المساعدات وصنوف اعمال الاغاثة الى النازحين من قراهم الى داخل الجنوب، والى اولئك الذين اثروا الصمود بفضل التجذر في قراهم، متحدين بطبيعة الحال المخاطر الناجمة عن القصف الاسرائيلي اليومي.
اضاف: لقد نجحنا الى حد بعيد في تأمين كل الاحتياجات الضرورية العاجلة للنازحين الذين لجأوا الى مراكز الايواء الاربعة في مدينة صور. كما نجحنا في تأمين حصص غذائية عاجلة، مرتين، الى اولئك الذين ظلوا في قراهم الامامية، فضلاً عن متطلبات اخرى مثل الحليب وبعض الادوية. كذلك ساهمنا في توفير نفقات علاج واستشفاء لبعض المرضى.
ورداً على سؤال اجاب حيدر: ان علاقتنا سواء بالنازحين أو الصامدين هي علاقة دائمة، اي اننا لن نتركهم ما دام العدو الصهيوني يواصل عدوانه على البلدات الحدودية.
واوضح ايضاً بأن مراكز الايواء الاربعة في صور تضم ما يقرب من 13 ألف عائلة، وهي بالمناسبة مراكز الايواء الحصرية، اما ما تبقى من النازحين فقد حلوا في بيوت وشقق.
وعن الامكانات المتوافرة لدى المجلس لمواجهة الوضع، قال: نحن ما زلنا نعمل ضمن المبلغ الذي اقرته الحكومة لنا والبالغ 300 مليار ليرة (3 ملايين دولار) .
