أخباركم – أخبارنا
كتب باسل عيد: ثمة رجالات، أصحاب هامات وقامات، طبعوا في تاريخ لبنان الحديث، فكانت لهم بصماتهم في بناء لبنان الكبير، ومن ثم وضعه على سكة البلدان التي كان يعتد بها بعد الاستقلال.
كم من أسماء تخلدت في أذهاننا من هؤلاء الذين رفعوا من شأن بلدنا عاليا، سواء على الصعيد الداخلي او في المحافل الدولية، فكان لبنان بفضلهم من الأوائل عالميا على كافة الصعد، اقتصاديا وماليا وسياحيا واستشفائيا وتعليميا، ونقطة جذب للاستثمارات، حتى بات هذا البلد الصغير بنظر الكثيرين أرض السعادة والحلم.
رجالات من كل الطوائف، رفعوا رؤوسنا عاليا، في السياسة والاقتصاد والاعمال والفكر والصحافة والعلوم وحتى في الشؤون الدينية. رجال لن يكررهم الزمن ولن يأتي بأمثالهم، من بشارة الخوري ورياض الصلح فكميل شمعون وفؤاد شهاب والياس سركيس وكمال جنبلاط وصائب سلام والامام السيد موسى الصدر والعلامة صبحي الصالح والمفتي الشهيد حسن خالد والبطريرك مارنصرالله بطرس صفير وصولا الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكوكبة شهداء ثورة الأرز.
وبما أننا في خضم ذكرى 14 شباط، فإن مرور 19 عاما على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تستطع ان تمحو هذه الذكرى، وكأن الرجل استشهد بالأمس القريب. رفيق الحريري، مالىء الدنيا وشاغل الناس، في حياته وبعد مماته، الغائب عنا جسدا، يتجدد حضوره بيننا عاما بعد عام، ويكبر شعورنا بفداحة الخسارة مع مرور السنين.
تلك هي القامات التي عنيتها. من تطبع في داخلك حضورها برغم الغياب.
لطالما كانت الطائفة السنية في لبنان مقسمة وبلا رأس، تفتقد الى القادة والاحزاب التي تجمعها تحت مظلة واحدة. صحيح ان الطائفة لم تخل من بعض الزعامات، الا انها اقتصرت على الصعيد المناطقي ولم تتعداها الى جمع شمل أهل السنة المنتشرين في كافة أرجاء لبنان.
ولكن، وما إن أتى رفيق الحريري وتسلم مقاليد السلطة، حتى شعر أبناء الطائفة بأن غطاء يعتد به يمكن الى أن يشكل لهم ملاذا آمنا، وسط رياح الانقسامات الطائفية التي كانت تعصف بالبلد آنذاك.
السنة في كل لبنان، حتى اولئك الذين كانوا يعيشون في مناطق منعت الوصاية السورية الحريري من زيارتها والتواصل مع ابنائها، بدأوا يشعرون بأن “الأب الأكبر” و”العراب” للطائفة أصبح حاضرا، فأعطوه الثقة لأن إسم رفيق الحريري سبقه قبل أن مقاليد الحكم بسنوات طويلة، من خلال مشاريعه التي بدأها في خضم الحرب الاهلية بدءا من “أوجيه لبنان” وصولا الى عشرات آلاف الأدمغة الشابة التي تكفل بتعليمها.
صحيح أن الحريري لم يعمل لصالح الطائفة السنية حصرا، بل هو فضل اعتبار لبنان، بكل مشاربه وانتماءاته طائفته الكبيرة والوحيدة، فأدخل الى مؤسساته مدراء ومستشارين وموظفين من كل الطوائف، إلا أن السنة في لبنان اعتبروا هذا الأمر نقطة بالغة الايجابية تصب في مصلحتهم كما في مصلحة سائر اخوانهم في الوطن. فعندما يكون كل لبنان بخير، ما من طائفة خاسرة. وعندما يكون الاقتصاد محلقا، الكل رابح بلا استثناء. وعندما تكون فرص العمل متوفرة بكثرة، فما من أحد سيموت جوعا. وعندما تزحف الاستثمارات الى البلد، فالكل في لبنان سيجني ثمارها. وعندما تتوفر كل مقومات الحياة، فهي لن تشمل طائفة دون أخرى، ولن تكون حكرا على مذهب على حساب مذهب آخر.
ومع اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005، سقط الحلم وتبدد الأمل. ليس حلم وأمل أهل السنة في لبنان فحسب، بل أحلام معظم اللبنانيين الذين بكوه بحسرة بعدما تيقنوا حينها انهم فقدوا مستقبلهم.
أما بالنسبة للسنة، ولأن واقع البلد قائم على التقسيم الطائفي، وأن لكل طائفة زعيمها وقائدها، فإن غياب رفيق الحريري يتم تلك الطائفة، وشعرت بأنها أصبحت مجددا بلا رأس، فكان أملهم بنجل الشهيد، الرئيس سعد الحريري، بأن يملأ الفراغ الذي تركه والده، وأن يعيد مجددا بناء رأس الطائفة. وهاهم اليوم، وبعد اعتكاف سعد لسنين عن العمل السياسي، يطلقون الصرخات التي تدعوه للعودة عن قراره، فالطائفة لا تزال يتيمة، وهي بحاجة الى عرابها لتنتفض من جديد.