كتب ابراهيم بيرم: تصعيد غير مسبوق سجلته الوقائع والتقارير الميدانية خلال الساعات الـ 48 الماضية بين “حزب الله” من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، كان بكل المقاييس الأوسع والاخطر منذ اشتعال فتيل المواجهات بينهما في الثامن من تشرين الاول الماضي، ان لجهة توسيع مديات المواجهة جغرافياً لا سيما بعدما طاولت الطائرات الحربية الاسرائيلية مواقع ونقاط في البقاع، او لجهة نجاح الدفاعات الجوية التابعة للحزب في اسقاط مسيرة اسرائيلية تمتلك مقومات تجعلها الاكثر تطوراً بواسطة صاروخ ارض – جو، هو حدث ما لبث أن دفع تل ابيب الى إرسال طيرانها للاغارة على محيط بعلبك في البقاع الشمالي، رداً وامعاناً في التحدي.
وعليه، وجد مشهد مختلف اكثر حماوة فرض نفسه، وهو ما عزّز المخاوف وفتح باب التكهنات على مصراعيه.
وعلى الرغم من كل ذلك، فان الخبير الاستراتيجي العميد الياس فرحات يدرج كل تلك التطورات على خطورتها، في خانة “البروفة لحرب كبيرة وواسعة، لكنها ما زالت نقاطية”.
ويرجح “انها لن تتدحرج بالضرورة الى مستوى الحرب الشاملة المتفلتة من القواعد والضوابط”.
وفي تصريح لموقعنا، يورد فرحات “ان ثلاثة تطورات ميدانية قد دخلت للتوّ الى المشهد الميداني وانطوت على جديد نوعي، هي:
- تمكن “حزب الله” من اسقاط المسيرة الاسرائيلية الحديثة والمتطورة بصاروخ ارض – جو، وهو ما شكل بالفعل صدمة جدية للاسرائيليين انطلاقاً من اعتبارين اثنين: الاول امتلاك (ا ل ح ز ب) منظومة دفاع جوي متطور وفاعل. والثاني ان الاسرائيلي فقد بهذا المستجد جزءاً من صورة تفوقه الكاسح في الجو والذي طالما تباهى به على اعدائه، الى درجة ان اسرائيل ومن باب الاعتداد بقوتها الجوية، سمحت لاعلامها وللمحللين العسكريين بالقول ان حدث اسقاط المسيرة (هرمز) هو “فعل مسّ بحرية حركة الطيران فوق لبنان”، اي انها كانت الى ذلك اليوم تتصرف على ان سماء لبنان ملكاً حصرياً لها تتحرك فيها ساعة تشاء.
- فرض تطور الغارة الجوية الاسرائيلية على نقاط حساسة في البقاع وتحديداً في محيط بعلبك، والذي يعتبر امراً واقعاً جديداً امام (ا ل ح ز ب) يداني حدود ان يكون بمثابة تحد آخر له، اعتبارين: الاول ما يمثله البقاع لـ (ا ل ح زب) من قيمة استراتيجية مضافة، والثاني ان الغارة الاسرائيلية الاولى على البقاع منذ عام 2006 هي في حد ذاتها فعل تماد وتوسيع للمدى الجغرافي في المواجهة، خصوصاً ان البقاع هو على بعد اكثر من 100 كيلومتر عن الحدود وعن مدى المواجهات التقليدي.
واقع الحال، وفق ما يضيف فرحات، ينطوي على ما يعزز رفضية سقوط قواعد الاشتباك وحدوده المألوفة. ويلفت الى ان اسرائيل هي مَن تعمد توسيعاً تدريجياً لمديات المواجهة، فهي بدأت بقصف الخط الثالث من البلدات والقرى الجنوبية الحدودية ثم امتدت لتضم الى مواقع استهدافها قرى الريحان وجزين، لتليها الضاحية الجنوبية (اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه الستة)، ولاحقاً الاقليم في جبل لبنان، اضافة بطبيعة الحال الى مناطق حاصبيا ومرجعيون
-في المقابل كان من ضمن ردود (ا ل ح ز ب) اللافتة، قصفه المتكرر لثكنة ميرون الواقعة فوق جبل الجرمق وهو الجبل الاعلى في كل الشمال. وثمة معلومات تؤكد ان صواريخ (ا ل ح ز ب) وقذائفه المتطورة استهدفت هذه الثكنة ذات الطبيعة التجسسية الواسعة والمتطورة للمرة الثانية عشرة على التوالي، مما يعني ان ثمة خراباً وتدميراً لحق بهذه الثكنة، وان كل محاولات اسرائيل لترميم منشآتها باتت عبثية.
والتطور الأعمق والأقوى دلالة، هو قصف (ا ل ح ز ب) المتكرر لموقع اسرائيلي استراتيجي في هضبة الجولان المحتل، وهو ما يقدم دليلاً عملانياً اضافياً عن استعداد (ا ل ح ز ب) لمجارة الاسرائيلي والرد على تحدياته له بتوسيع المعركة ومدياتها، وانه مستعد لفتح معركة استنزاف ومشاغلة جديدة للاسرائيليين من حيث لا تحتسب، وفي اطار تشتيت قواها.
ويستطرد العميد فرحات، كما لا يمكن ان نغفل عن ذكر الاهداف الاسرائيلية الاستراتيجية الاخرى التي لا توفرها قذائف (ا ل ح ز ب) ولا سيما المستوطنة الاكبر عدداً كريات شمونة، والتي تشكل نقطة استقطاب محورية لمحيطها. اضافة الى ان (ا ل ح ز ب) عرف ايضاً كيف يوجع الاسرائيلي بضرب منشآت اقتصادية حيوية له مثل مصنع الخضر والفواكه في احدى المستوطنات الحدودية، والذي كان انتاجه لكل اسرائيل وللجيش أيضاً، وتُصدّر بعض مواده الى الخارج.
وفي استنتاج أخير، قال فرحات: “اذا كانت اسرائيل مضطرة الى تقديم براهين عملية ويومية لتظهر قدرتها على التحكم بالميدان، فالواضح ان (ا ل ح ز ب) يقبل التحدي ويوسع ايضاً من آفاق المواجهة، فيؤكد بذلك انه لم يفقد بعد زمام المبادرة وعنصري التحكم والادارة”.