كتب باسل عيد لأخباركم اخبارنا: “من علمني حرفاً كنت له عبداً”.. فكيف سيكون عليه الأمر عندما يكون هذا المعلم هو من قام بتربيتي ورعايتي، أسكن معه في المنزل مذ وعيت على الدنيا، تابع خطواتي ووجهني نحو الصواب وأوصلني إلى بر الأمان، إلى ان أصبحت لي عائلة أهتم بدوري بها وأرشدها، تماماً كما فعل هذا المعلم؟
قصدت مما سبق والداي، اللذين عملا في مجال التعليم.
إنها مهنة الرسالة، بما تعنيها من تفان وصبر وجلد في إيصال المعلومات الى الأدمغة. تلك الأدمغة غير الموحدة في سهولة التلقي أو في سرعة بديهيتها. وهنا يبرز دور الاستاذ في التعامل مع القدرات المختلفة لدى تلاميذه، فثمة من قد تكون له القدرة على الفهم في لحظات، في مقابل آخرين يعانون بطئاً في الإدراك، الأمر الذي يتطلب جهوداً متتالية، تكون مضنية في الكثير من الأحيان، من هذا الأستاذ لجعل المعلومات ترسخ في ذهن الطالب.
نعم، رسالة التعليم ليست سهلة، والجهد الفكري والجسدي الذي يبذله المعلم ليس بالأمر السهل، وجهاده الفكري يوازي بقدسيته جهاد المدافع بالسلاح عن حدود الوطن. في يوم المعلم، نأسف للواقع المرير الذي يعيشه معلمو لبنان، خصوصاً في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد. فراتب الأستاذ بات لا يفيه حقه في مقابل الجهد الذي يبذله تجاه الأجيال الصاعدة. وفي ظل دولة عاجزة، بات المعلم مقهوراً على واقعه، تماماً كما معظم اللبنانيين. إلا أن ايمانه بالرسالة التي يحملها تدفعه نحو الاستمرار والمضي قدماً في مهنته. فهو حمل مشعل المعرفة، وهو عاهد نفسه بنقله الى الأجيال المسؤول عنها أياً تكن الظر
محفوض
في هذه المناسبة، توجه نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض عبر موقعنا الى المعلمين، فقال: “ماذا اقول لزملائي في هذا اليوم، فرغم كل المشقات والاهوال وجهنم حمراء الطبقة السياسية التي نعيش فيها؟ هل اقول لهم لا تفرحوا ولا تحتفلوا؟ سنظل نفرح ونحتفل لأن السعادة جزء من عملية التربية والتعليم ونقابتكم ستظل واقفة الى جانبكم وهي تقوى بكم وستبقى تسعى لتأمين جزء من حقوقهم”.
وشدد محفوض على ان مهنة التعليم هي مهنة المصاعب وصناعة البشر، وهي ارقى مهنة في العالم. فالاستاذ عندما يدخل الى الصف يعطي من قلبه ويؤثر على الاولاد ومستقبلهم ويصنع شخصيتهم ويكونها.
وتابع: الاستاذ هو ليس ذلك الذي يحمل اجازة تعليمية فحسب، بل هو المربي وعالم النفس والطبيب الذي يتقن فن التواصل مع كل تلميذ فرداً فرداً ممن لا يشبهون بعض.
وعن الاوضاع المادية التي يعيشها معلمو لبنان، اشار الى انه قبل الازمة الاقتصادية كانت حال الاساتذة في هذا البلد مقبولة نسبياً. لكن بعد جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي، أصبح واقع المعلم سيئاً جداً، فبات لا يستطيع شراء الدواء ولا زيارة الطبيب بعد ان تدنى مدخوله. وسأل: كيف سيدخل هذا الاستاذ الى الصف وراتبه لا يكفيه أكثر من أيام عدة في الشهر؟
وأكد محفوض على أن المعاناة مشتركة بين معلمي القطاعين العام والخاص الذين يعيشون على حافة الموت.
واوضح أن رواتب 90% من اساتذة القطاع الخاص تقل عن 600 دولار في الشهر، في حين ان رواتب اساتذة القطاع العام أدنى من ذلك بكثير، وفي الحالتين فإن تلك الرواتب لا تكفي ثمن فواتير كهرباء او طبابة او دواء او استشفاء، مشيراً الى ان القيمة الشرائية ل500 دولار اليوم لم تعد كما كانت عليه قبل سنتين او ثلاثة لانه اليوم هناك ارتفاع جنوني حتى بالنسبة للدولار.
واشار محفوض الى ان 25% من الكفاءات التعليمية في لبنان هاجرت الى الخارج، وبات مدخول النادل في المطعم أعلى من مدخول الاستاذ في لبنان.
ودعا أهالي الطلاب الى ألا يقبلوا بالذل الذي يتعرض له الاساتذة. فالمدارس تتلقى الاقساط بالدولار وتعطي في المقابل الفتات الى المعلمين، موضحاً ان الموازنة نصت على ان يتم تقسيم جباية المدارس على الشكل التالي: 65% للمعلمين و35% للمدرسة، لكن في واقع الامر الاساتذة لا يحصلون على اكثر من 30%، وهذه حجة للمدارس لكي تأخذ اقساطاً مرتفعة وتعطي في المقابل الفتات للاساتذة، كما ان اكثر من ثلث المدارس لم تلتزم بالبروتوكول الموقع مع وزير التربية.
وحذر محفوض من ان العام الدراسي المقبل بخطر في حال لم تدفع المدارس نسبة مقبولة من الدولارات التي تقبضها من الاهل الى المعلمين.
وفي الختام، ألف تحية للمعلم في عيده، على أمل أن تبتسم الحياة في القادم من الأيام لهذا الذي “كاد أن يكون رسولاً”.