كتبت عايدة الأحمدية لأخباركم – أخبارنا:
في السادس عشر من آذار/ مارس عام 1977، إتخذ قرار تصفية الزعيم الوطني كمال جنبلاط، في محاولة اغتيال للبلد بأكمله. في السادس عشر من آذار، اغتيل كمال جنبلاط جسدياً، لكن نهجه بقي حياً، يقاوم الظلم والفساد، ويدعو إلى العدالة والحرية. فبعد 47 عاماً على رحيل كمال جنبلاط، الزعيم الوطني الذي لا يتكرر، لا تزال أفكاره حيّة ترفرف في سماء لبنان، تناضل ضد الظلم والفساد. ذكرى اغتيال جنبلاط علمتنا دروساً من التاريخ، وحذّرتنا من مخاطر الإرتهان الى الخارج والإنحياز إلى الفساد والطائفية، وذكرتنا بمشروعه الوطني الإصلاحي، وحثتّنا على العمل لتحقيقه.
يُلهمنا كمال جنبلاط بأخلاقه ومبادئه، ونضاله من أجل الحرية والعدالة، ولا ينحصر دوره في الماضي، بل يبقى رمزاً للأمل والتغيير في لبنان. ذكرى اغتياله ليست مجرّد مناسبةٍ عابرة، بل هي مناسبةٌ للتذكير بمشروعٍ وطنيٍ إصلاحي، واستخلاص دروسٍ من التاريخ.
بعد 47 عاماً، تبقى رؤيته الإصلاحية وبرنامجه الوطني العابر لحدود الزمن، خشبة الخلاص الوحيدة لانتشال لبنان من الغرق. فهو سعى إلى بناء دولة مدنية تُرسي دعائم العدالة الاجتماعية، وتُؤسس لحياةٍ كريمةٍ لجميع المواطنين، بعيداً عن الطائفية والمذهبية.
آمن الزعيم والمعلّم بأنّ الفساد هو عدوٌّ للوطن، ودعا إلى الإصلاح السياسي والإداري. دافع عن القضية الفلسطينية، واعتبرها قضية عادلة يجب دعمها، وسعى إلى تعزيز العلاقات العربية، داعياً إلى الوحدة العربية لمواجهة التحديات. لم يتوقف جنبلاط عند حدود النضال السياسي، بل اجتهد في أبحاثه عن أصول المجتمعات، متعرّفاً على كل الأفكار والنظريات، ليطوّر أفكاره الخاصة التي تجسدت في الحزب التقدمي الاشتراكي. طوّر نظرية متكاملة تجمع بين الاشتراكية والحفاظ على الملكية الخاصة شرط أن تكون اجتماعية الجوهر. أسس مشروعه السياسي على مسالك متعددة: البيئي، الاجتماعي، السياسي، الفكري، الثقافي، الاقتصادي. كما دعا إلى العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وإلى علمنة الدولة وإصلاح النظام الديمقراطي. طالب بمبادئ مثل فصل السلطات، تقوية السلطة التنفيذية، المساواة بين المرأة والرجل. إعتبر أن دور الدولة هو تأمين التعليم والمعرفة وحرية البحث العلمي. هدف إلى إحداث انقلاب شامل على مستويات الفرد، المجتمع، الدولة للوصول إلى “مجتمع الكفاءة والعدل”.
كمال جنبلاط كان له مشروع فكري وسياسي شامل يجمع بين الاشتراكية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعلمانية ضمن نظرية متكاملة خاصة به. لو كان على قيد الحياة، لكانت له مواقف فعّالة تجاه الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة. كان سيعارض بشدة أي تدخل أجنبي في الشؤون اللبنانية، سواء من إيران أو من دول أخرى، وسيدافع عن سيادة لبنان واستقلاليته. كان سيلعب دوراً محورياً في إعادة توحيد الصف اللبناني وجمع مختلف القوى السياسية. كان سينتقد بشدة الفساد المستشري ويدعو إلى إصلاحات جذرية. كان سيؤكد ضرورة الحفاظ على العلاقات الدولية المتوازنة للبنان مع جميع الأطراف، مع الحفاظ على هويته العربية. كان سيشجع الحوار والتسامح بين مختلف الطوائف والأديان في لبنان لتجنّب أي صراعات داخلية جديدة. نفتقد اليوم إلى قادة بحجم كمال جنبلاط، يُلهمون الأجيال الجديدة والشعب ويُوحّدون صفوفه. كيف لا وواقع لبنان اليوم: فساد واهتراء وضعف، وانهيار وصراعات سياسية وطائفيةٍ ومذهبية تُعيق أيّ تقدمٍ في مسار الإصلاح. يمكن القول إن كمال جنبلاط كان زعيماً استثنائياً، قدّم لشعبه وللأمة العربية أفكاراً وطنية ومشروعاً إصلاحياً شاملاً. في ظل الواقع المرير الذي يعيشه لبنان اليوم من فساد وضعف مؤسساتي وانقسامات طائفية ومذهبية، تبقى رؤيته وأفكاره الإصلاحية هي الخشبة الوحيدة للخلاص. فشعب لبنان لا يزال يحتاج إلى قادة من طينته، يحملون رؤية وطنية جامعة، ويقودون مسيرة الإصلاح والتغيير نحو بناء دولة مدنية حديثة، قائمة على العدالة الاجتماعية والمساواة والعلمانية.
ذكرى اغتيال كمال جنبلاط هي دعوة لاستلهام روح النضال من أجل قيم الحرية والعدالة التي ضحّى من أجلها، ولإحياء مشروعه الوطني الإصلاحي الذي يظل اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حاجة ملحة لإنقاذ لبنان من واقعه المأزوم.