كتب ابراهيم بيرم لأخباركم – أخبارنا: من الثابت ان لدى دولة الامارات المتحدة اكثر من سبب يدفعها الى استقبال احد ابرز القيادات الامنية المخضرمة في “حزب الله” وفيق صفا اخيراً، ليستكمل معه كما صار معلناً، البحث في إغلاق ملف آخر المعتقلين اللبنانيين لديها، والذين يقضون أحكاماً بالسجن اصدرتها بحقهم محاكم الدولة، فهي دولة لها شأنها في محيطه، كما لها سياساتها الواعية وقضاؤها العريق.
لكن اللافت والمثير، هو ان تقرر قيادة (ا ل ح ز ب) في هذا التوقيت بالذات، إيفاد رجل المهمات الصعبة في الأمانة العامة لـ (ا ل ح ز ب) ورجل الثقة عند سيّد (ا ل ح ز ب) السيد حسن نصرالله الى دولة الامارات على متن طائرة خاصة قدمت خصيصاً الى مطار رفيق الحريري لتقله الى أبو ظبي حيث من المقرر ان يحلّ ضيفاً لبعض الوقت.
لذا، لم يكن مقنعاً كثيراً سعي أوساط اعلامية وسياسية على صلة وثقى بـ (ا ل ح ز ب)، للتقليل من شأن هذه الزيارة وعزلها عن مضامينها ومدلولاتها العميقة في محاولة لتجرّدها من صفة الاستثنائية، وأنها ستكون فاتحة لمحطة مختلفة في مسار علاقات (ا ل ح ز ب) المتوترة على الدوام بدول الخليج، خصوصاً وأن غالبية هذه الدول سبق لها وادرجته في لائحة على “الجهات الارهابية” التي يحظر أي شكل من اشكال التعامل معه، فيما وضعها هو في خانة الدول “اللاثورية والمساومة والمستتبعة للخارج”.
وبشكل اكثر دقة، لم يقدم إحاطة شاملة وتوصيفاً دقيقاً، مسارعة اولئك المقربين من (ا ل ح ز ب) الى حصر ذلك الحدث المفاجىء في دائرة انها زيارة لغرض محدود وحصري، وهو تتويج مسار مفاوضات بعيدة عن الأضواء مستمرة منذ اكثر من ستة اشهر لتأمين الافراج عن اللبنانيين السبعة المعتقلين إنفاذاً لأحكام تتراوح بين العشر سنوات والمؤبد.
فالمعلوم أن المدير العام السابق للامن العام اللواء عباس ابراهيم كان شرع قبيل تقاعده في رحلة اتصالات ومساع مع السلطات المعنية في الامارات بهذا الخصوص، أسفرت حينها عن اطلاق عدد من هؤلاء المحكومين. وكان المؤمل أن يواصل اللواء ابراهيم تلك المهمة لكي تبلغ خواتيمها السعيدة، فيطوى ذلك الملف نهائياً، وذلك بناء على اعتبارين:
الأول انه (اللواء ابرهيم) نسج علاقة جيدة مع المسؤولين في الامارات المتحدة، خصوصاً وانه صار مصدر ثقة عندهم.
الثاني ان الرجل، ورغم تقاعده القانوني، فانه لم يتقاعد عن الحراك والفعل، بانياً على تجربة رائدة وهو قدم نفسه متطوعاً لاستكمال ما بدأه مع المسؤولين في تلك الدولة.
لذا، كان منطقياً ان تبدأ رحلة البحث عن الأسباب الجوهرية التي حدت بـ (ا ل ح ز ب) في هذه المرحلة الدقيقة والتي يدخل فيها عنصراً مشاركاً وفاعلاً، نحو هذه النقلة النوعية والمتطورة، واستطراداً نحو مرحلة مميّزة في مسار علاقاته العربية، لا سيما وقد بات معلوماً أن هذا التحوّل من جانب (ا ل ح ز ب) لم يكن مفاجئاً ودراماتيكياً وفق الكثير من الشواهد، بل كان ثمرة جهد تراكمي، نظراً الى مرحلة طويلة من انعدام الثقة حكمت علاقته بتلك العواصم وهو الذي فتح معها أبواب المواجهة وشنّ في وجهها حملات اعلامية وسياسية شعواء، خصوصاً مع بدء أحداث اليمن، فكان أن ردت تلك الدول بإشهار القطيعة مع لبنان وانهاء كل اشكال التعاون معه، بل وعزله لاحقاً.
ثمة ولا ريب من يدرج توجه (ا ل ح ز ب) الانفتاحي تجاه عواصم ناصبها القطيعة والعداء، بأنه استتباع لانفراج في العلاقات بين دول الخليج قاطبة ومرجعية (ا ل ح ز ب) أي طهران والذي تبدى في إعادة السفراء والبعثات الديبلوماسية من جهة وفي وقف الحملات الاعلامية المتبادلة على مدى اعوام.
لكن تلك القراءة على بلاغتها ليست السبب الحصري الذي يقف وراء الأداء الجديد للحزب، كما ليس السبب الحصري ما قيل بأن (ا ل ح ز ب) يريد “فقط تأمين اطلاق المسجونين اللبنانيين السبعة خصوصاً ان تهمة أغلبهم هي نسج روابط مع (ا ل ح ز ب)”.
في مناخات (ا ل ح ز ب) من يورد اسباباً اضافية اكثر عمقاً وبعداً، وفي مقدمها ان مراده من هذه الخطوة تجسيد انعطافة سياسية مفتاحها الأساس الانفتاح على عواصم خليجية يعمل بدأب وجهد على تكريس امر واقع على جناح السرعة.
فثمة مقربون من (ا ل ح ز ب) يؤكدون انه بات في الاونة الاخيرة يستشعر جدياً حجم التداعيات الموجعة التي بدأت تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد الجنوبي خصوصاً واللبناني عموماً، من جراء اطالة أمد المواجهات التي يخوض غمارها على طول الحدود الجنوبية مع الكيان المحتل منذ الثامن من تشرين الاول الماضي. خصوصاً وان النيران الاسرائيلية قد الحقت الأذى والضرر البالغين بنحو 49 بلدة وقرية حدودية، وأدت الى تهجير ما يقرب من 100 الف مواطن من منازلهم، مضافاً الى ذلك عدد الضحايا الذي فاق 300 ضحية.
لذا كان مطلوباً من (ا ل ح ز ب) المبادرة الى أي خطوات وتدابير تحمل في طيّاتها وعداً بالانفراج والتبريد والتهدئة وفك حلقات المكاره التي تحيط بالجنوبيين وتترك تداعياتها على كل الوطن.
وعليه، كان (ا ل ح ز ب) مبادراً عند أول اشارة أتته، فأسقط كل ما في مخزونه من تحفظات وانتقادات مبدئية وذهب الى أبو ظبي سعياً الى تحسين علاقاته مع عواصم الخليج من جهة، والى بثّ جرعة من الطمأنينة في بيئته وعند جمهوره القلق من جهة أخرى، ولكي يظهر في مظهر الحريص على أمنهم الاجتماعي وسعيهم الاقتصادي.
وثمة من المقربين من (ا ل ح ز ب) من يكشف، عن انه سمع منه ما يؤكد أن (ا ل ح ز ب) كان يتمنى ان لا يطول أمد المواجهات التي دخلها تحت شعار إسناد غزة ودعم فصائلها المقاومة على هذا النحو، لكي يكون امد معاناة الجنوبيين اقصر واقل كلفة.
وبهذا المعنى، فان مبادرة (ا ل ح ز ب) تجاه الامارات المتحدة هي خطوة في سياق خطوات شاء (ا ل ح ز ب) الشروع فيها للتعويض وتحسين صورته.