كتب ميشال ن. أبو نجم لأخباركم – أخبارنا: تحوّل التيار الوطني الحر بعد جريمة باسكال سليمان، إلى منقّبٍ في الأرشيف. إطلالةٌ سريعة على خطابات قيادته ومواقف كوادره تُظهر هذه الصورة. وأرشيف “التيار” في ما خص النزوح السوري من بداياته وحتى تفلّته، كبير جداً. والأرشيف كما يحفل بتصريحات رئيسه جبران باسيل ومؤسسه ميشال عون، كذلك يضم قسماً واسعاً للإتهامات التجريمية التي سيقت ضده تحت يافطات “ثقافوية” صوّبت بسهام “العنصرية”، وهي أسطوانة تذكّرُ بمصطلحات الخطاب الدعائي في الحرب اللبنانية التي تحلّ اليوم السبت ذكراها التاسعة والأربعون، وفي طليعتها “الإنعزالية” وما شابه من “عدة الشغل” الحربجية لشيطنة الآخر السياسي والطائفي.
مصادفة 13 نيسان 2024 مع جريمة يرتكبها نازحون سوريون مفيدة لا لأخذ العبر، بل للمبادرة بتنفيذها فوراً. الكلام كثير، المؤتمرات أكثر من أن تحصى، التوصيات موجودة. والخطط، موضوعة في جعبة حكومة ميقاتي المتلهي باستباحة الشراكة والدستور والميثاقية وتحويل مجلس الوزراء إلى منصة شخصية له، ممزقاً روحية الطائف ونصّه.
وإزاء هول الجريمة مع ما رافقها من محاولات لتحويل الأنظار والتجييش والتوتير، كان النقاش السياسي يستعيد مبادرة “التيار” في بدايات الحرب السورية، إلى التصدي لملف النزوح. هنا يقول “التياريون” إنهم مرة جديدة، وبعد تصديهم للسيطرة السورية على لبنان من دون الدخول في بازارات أو تخفيض السقف إلى مطالب سياسية ك”عودة العماد عون” مثلاً، سبقوا الجميع بتقديم حلول واضحة والمطالبة بقرارات جازمة للوقوف أمام الإستباحة.
وطالما أن مصادفة 13 نيسان تقتضي التذكير بالمعلومة، والوقائع، وكل عناصر الإعلام، فإن خصوم “التيار الوطني الحر” أصلوه ناراً حامية لموقفه من كثافة النزوح. القوات اللبنانية كانت من الذين “قصفوا” “التيار” بكثافة إعلامية هائلة، محملة لبنان ونفسها و”التيار” وزر “الحرب” تحت شعار “رفض إعادة السوريين إلى مقصلة الأسد”. تعبير وزيرة “القوات” مي شدياق في العام 2019 أن السوريين في لبنان “لن يعودوا إلا على دمائنا”، أبلغ تعبير. لكن أن تسقط المقصلة على أعناق اللبنانيين، جميعاً، فهذا ما لم تُجب عليه “القوات” إلا مؤخراً وعبر ردود فعل لا تغني ولا تسمن عن الهدف الأساسي عبر العودة.
وفي أرشيف “التيار”، من يذكِّر نجيب ميقاتي برفضه الواضح لمطلب إقفال الحدود. فرداً على دعوة الوزير في حكومته جبران باسيل لإقفال الحدود، أكد ميقاتي في 21 كانون الأول 2012 أن هذا الأمر “مستحيل”. وفي 13 آذار 2013 أكد ميقاتي “أن “هذا كلام (إقفال الحدود) ليس من شيمنا وبالتالي ليس هناك من إمكانية حقيقية لإقفال الحدود”، داعياً لأن يدخل النازحون “عبر الحدود الشرعية لتسجيلهم”. لكن استباحة لبنان كله من اقصاه إلى أقصاه، فهذا ما لا يمتلك ميقاتي جواباً عليه، إلا التفسير بالخضوع للإرادة الدولية وبعض العرب بتوطين النازحين في لبنان.
من هنا، يعيد هذا المشهد لمؤيدي “التيار” ومحازبيه صورة موقفهم تجاه ملفات عدة، حين يسلم الجميع بتبني مطالبهم ومواقفهم، وربما مزايداً عليها. فيصبح عندها لسان حال “التياريين”، مذكراً: “ألم نقل لكم”؟!
لكن قضية النزوح السوري تتخطى موقف التيار الوطني الحر والإنقسامات اللبنانية. غريب أن هذا المجتمع اللبناني بتنوعه، جددت شرائح منه خطيئة الوقوف مع السلاح الفلسطيني ولو على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية، عندما اندلعت الحرب السورية. كانت هذه العبرة وحدها، يجب أن تكون كفيلة في العام 2012 بوضع حدود أمام الأعداد الهائلة لكتلةٍ ديموغرافية سورية كبيرة، لا يمكن للبنان جغرافيةً ومجتمعاً، أن يتحملها. القضية أبسط بكثير من محاولات البرهنة والمناقشة. كان الحد الأدنى من الوطنية اللبنانية يفترض وضع هذه الضوابط. لكن لبنان، لا يضم نخباً وشرائح متمسكة بمصلحته العليا فقط. نعم في المجتمع اللبناني رهانات سابقة على إسقاط النظام في سوريا، وخفة في التقدير السياسي، والأخطر، شريحة كبيرة من المرتزقة ملتفّة حول المنظمات الدولية التي تشكل نوعاً من الإنتداب السياسي للبنان، ومرة جديدة، لحل مشكلة الغرب على حساب وجوده الكياني الذاتي.
في 13 نيسان 2024، وبعد جريمة باسكال سليمان المروعة، لا صوت يجب أن يعلو فوق شعار عودة النازحين السوريين، “الآن الآن وليس غداً”…