كتب مسعود محمد: من المناضلين الذين تأثرت بهم جداً الشهيد غسان كنفاني الذي استشهد غدراً بيد الموساد الاسرائيلي في بيروت في ٨ تموز عام ١٩٧٢.
وقفت امام صور كبار فلسطين وطلبت من غسان ان يشرح لي ما حصل فقال لي لا تهتم مش مهم يلي صار ” سأظل أناضل لاسترجاع الوطن لانه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد.. لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب… وجذور تستعصي على القلع.
وقال لي “هذا العالم يسحق العدل وبحقارة كل يوم”
واكد لي ان “حلمنا … زهر الليمون”
وقال “سيأتي يوم على هذه الأمّة تُصبح الخيانة فيها وجهة نظر.”
وشدد على ان مسامحتك للآخرين لا تعني دائما رضاك عنهم بل تعني غالبا البحث عن راحة بالك عبر الابتعاد عن نقاشات لا جدوى منها …
وترك وصية لنا قال فيها “اما عظماء فوق الارض او عظاماً في جوفها”
ووجه حديثه للخونة وقال “حين تخون الوطن لن تجد ترابا يحن عليك ستشعر بالبرد حتى وأنت ميت.”
وعن النضال قال “إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية. ان الانتصار هو ان تتوقع كل شيء ولا تدع فرصة لعدوك ليتوقع …”
ويقول الشهيد غسان كنفاني ” في الوقت الذي كان يناضل فيه بعض الناس ويتفرج بعض آخر، كان هناك بعض آخر يقوم بدور الخائن”، وهذا هو حال فلسطين اليوم. مشكلة الذين يتحدثون عن فلسطين ويكتبون عنها يسطرون كلام جرائد لا ينفع فأولئك الذين يكتبون في الجرائد يجلسون في مقاعد مريحة وفي غرف واسعة فيها صور وفيها مدفأة، ثم يكتبون عن فلسطين، وعن حرب فلسطين، وهم لم يسمعوا طلقة واحدة في حياتهم كلها، ولو سمعوا، لهربوا إلى حيث لا أدري
الوطن يا صفية بيت له باب.. وليل له كهرباء.. وشتاء له ماءٌ دآفي.. وغاز.. وبنزين وخبز يا صفية.. خبز.. تذكري يا صفية ان ” الأشجار تغيِّرُ أوراقها لا جذورها.”
لمن لا يعلم غسان كنفاني هو روائي وقاصّ وصحفي فلسطيني، استشهد إثر اغتياله من قبل إسرائيل. كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.
عندما قال له صحفي في مقابلة ” “يجب ان تحبوا الحياة” اجاب : بالنسبة لنا، تحرير أرضنا وتحصيل كرامتنا وإحترامنا وحقوق مواطنينا هي بأهمية الحياة نفسها”.
كل ما أردت أن أقوله قاله المتنبي في نصف بيت: «على قلقٍ كأن الريح تحتي» ونحن قلقين على فلسطين ومستقبلها وقضيتها الم تكن دائماً قضيتنا المركزية؟
كان يحلم بالبرتقال ويحن اليه في رحلة اللجوء وكتب في رواية “أرض البرتقال الحزين”، ”كانت أُمك تنظر إلى البرتقالة بصمت، وتلتمع في عيني أبيك كل أشجار البرتقال التي تركها لليهود والتي اشتراها شجرة شجرة ، كانت ترتسم في وجهه كلها وترتسم لمّاعة في دموع لم يتمالكها وعندما وصلنا صيدا في العصر أصبحنا لاجئين“
رسم النهايات التي نشهدها الآن مبكراً ووصفها في رواية “أرض البرتقال الحزين” فكتب فيها مصير اهل غزة ” لقد خرجتُ إلى شوارع غزة، شوارع يملأها ضوء الشمس الساطع، لقد قالوا لي إنّ ناديا فقدت ساقها عندما ألقت بنفسها فوق إخوتها الصغار تحميهم من القنابل واللهب”.
“فالجرح إذا انفتح في جسد ميّت لا يؤدّي إلى أيّ اهتزاز، لكنّه إذا ما انشقّ في جسد حيّ زاد قابليّته للمقاومة، وحرّك القوّة الكامنة في أعماقه، وضاعف من طاقاته على الردّ“.
نموت ونحيا من الولادة من اجل تحريري فلسطين هذه هي فلسفة غسان فقال عن الموت “إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت.. إنها قضية الباقين!”. وكتب ” هذه المرأة تلد الأولاد فيصيروا فدائيين. هي تخلف وفلسطين تأخذ.”
وفي ” عائد الى حيفا” كتب عن فلسطين والموت واكمل الرواية وقال ” وكنت أقول لنفسي: ماهي فلسطين بالنسبة لخالد؟ إنه لا يعرف المزهرية، ولا الصور، ولا السلم ولا الحليصة ولا خلدون، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها.”
وقال لام سعد: تصبحين على وطن
فقالت له أم سعد : ” ما فيش حد بينام ويصحى يلاقي وطن بيستناه ….”.
وخاطب الصهاينة قائلاً” أنا اعرف أنك ذات يوم ستدرك هذه الأشياء، ستدرك أن أكبر جريمة يمكن لأي إنسان أن يرتكبها هي أن يعتقد ولو للحظة أن ضعف الآخرين وأخطائهم هي التي تشكّل حقّه في الوجود على حسابهم، وهي التي تبرر له أخطائه وجرائمه.“
وفي “عائد الى حيفا” قال لهم ” مرةً تقولونَ أن أخطاءنا تبررُ أخطاءَكم ومرةً تقولونَ أنَّ الظلمَ لا يصححُ بظلمٍ آخر، تستخدمون المنطقَ الأولَ لتبريرِ وجودِكُم هُنا، وتستخدمونَ المنطقَ الثاني لتتجنَبوا العقابَ الذي تستَحقونَه!”.
وخاطب اهله في فلسطين كاتباً: “إذا أردتَ شيئاً، فخذهُ بذراعيك وكفّك وأسنانك.” وقال ” هناك دائمًا في الأرضِ متسع لشهيد آخر، ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة.”
في لحظات التعب كان يقول” أريد أن أستريح، أتمدد، أستلقي في الظل وأفكر أو لا أفكر، لا أريد أن أتحرك قط لقد تعبت في حياتي بشكل أكثر من كاف! اي والله أكثر من كاف.”
لو كان اليوم بيننا وشهد ما شهدناه لقال ” لا شيء يضيع أبدًا ولا شيء ينتهي. ومن يدري؟ فقد ننجر خشب الشجرة التي تروي نفسها بلحم أمي، ذراعًا لبندقية تستعيد أرضًا.”
وعرف الوطن على طريقته وكتب ” أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟
“الوطن هو ألا يحدث ذلك كله، الوطن هو أن يعيش الأطفال طفولتهم”.
وعن انتمائه قال “أنا من شعب يشتعل حباً، ويزهو بأوسمة الأقحوان، وشقائق النعمان على صدره وحرفه، ولن أدع أحداً يسلبني حقي في صدقي.” وقال “لن أرتد حتى أزرع في الأرض جنتي أو أقتلع من السماء جنة أو أموت أو نموت معاً”.
إن المحادثات السياسية، والطرق الدبلوماسية، لا تجدي نفعاً ولا قيمة لها، حتى يكون الطرفين متساويين أو متقاربين في القوة، من دون هذا التوازن هي محادثات وتفاهمات بين “الرقبة والسيف” كما وصفها غسان في احد مقابلاته. وقال “في نهاية الأمر الإنسان ما هو إلا قضية، و نحن كعرب قضيتنا الأولى فلسطين ومتى ما تهاونا فيها فقدنا إنسانيتنا.”
قد لا يكون الموت بتوقف النبض فقط.. فالانتظار موت، والملل موت، واليأس موت، وظلمة المستقبل المجهول موت.
افهمتم يا عرب؟
لن اتراجع سأبقى اكتب عن غسان وابا جهاد وابا اياد وابا عمار والحكيم وأبو علي مصطفى و كل القادة والشهداء وسأذكر ” أولاد القحبة” كما وصفهم مظفر النواب بفلسطين فـ ” المثقف اول من يقاوم وآخر من ينكسر” هكذا يقول غسان. أريد أرضًا ثابتة أقف فوقها، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء.
يعد أحد أبرز أعلام الأدب والثورة الفلسطينية، عاش النكبة وهو في سن الطفولة، وعايش معاناتها بكل وقائعها السياسية والاجتماعية، رسخ فكرة المقاومة في أدبه، وواكب حياة الفلسطينيين وكتب عن مآسيهم من منطلق إخلاصه لقضيته الإنسانية الكبرى فلسطين وللقضايا الإنسانية الأخرى.
المولد والنشأة
ولد غسان كنفاني يوم 9 أبريل/نيسان 1936 في عكا لعائلة متوسطة الحال، والده كان محاميا، شهد وهو طفل نكبة 1948، وهرب على إثرها مع عائلته سيرا على الأقدام إلى المخيمات المؤقتة في لبنان، ومنها انتقل إلى العاصمة السورية دمشق.
الدراسة والتكوين
التحق بمدرسة الفرير في مدينة يافا حيث تعلم الإنجليزية وأتقنها، وخالف طموح والده لأن يصبح تاجرا فاتجه إلى عالم الأدب، ونال إجازة في الأدب-قسم اللغة العربية من جامعة دمشق، وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان “العرق والدين في الأدب الصهيوني”.
الوظائف والمسؤوليات
بعد انتقال العائلة إلى دمشق اضطر كنفاني للعمل في عدة مجالات، منها موزع صحف وعامل في مطعم، واشتغل مدرسا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا التي يريد العدو الصهيوني اقتلاعها اليوم من فلسطين، في دمشق مادتي الرسم والرياضة، ثم سافر إلى الكويت عام 1955 وعمل في التدريس، وفي عام 1960 انتقل للعمل في بيروت بصحيفة الحرية التابعة لحركة القوميين العرب.
التجربة الأدبية
يقول غسان عن الكتابة “إنّ كلّ قيمة كلماتي كانت في أنّها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح”.
من كتبه الرجال والبنادق، رجال في الشمس، عائد الى حيفا، رسائله الرائعة الى غادة السمان، ارض البرتقال الحزين، أم سعد … قال عن كتاباته التي فيها الكثير من الإبداع وهزت الصهاينة … ” كانت الكتابة تعويض تافه عن نقص السلاح”. كان السلاح حسرة يصعب تحقيقها … استشهد غسان وبقيت ام سعد في عالم ليس لنا، هي شيء آخر وموت سرير رقم ١٢ نسأل ام سعد ما تبقى لكم تجيبك القميص المسروق وارض البرتقال الحزين ….
اهتم كنفاني بالأدب وهو في سن الشباب، وكتب القصة القصيرة في عمر الـ19، وبعد انتقاله إلى بيروت وجد لنفسه مكانا بين المثقفين والأدباء، وحصل على الجنسية اللبنانية ولمع اسمه في عالم الكتابة.
وخلال عمر أدبي قصير نسبيا ألف 18 كتابا بين قصة قصيرة ورواية وعمل مسرحي وبحث.
كرس كنفاني كتاباته لنقل معاناة الفلسطينيين في الشتات، وكان يؤكد فيها أن اللجوء في المخيمات ليس حلا للشعب الفلسطيني، ففي روايته “موت سرير رقم 12” كتب كيف يتحول الغرباء إلى أرقام بالمنافي، ويعيشون حالة الوحدة دون التفكير في حل جماعي بالعودة، “فهم لم يكونوا يشعرون بالانتماء، والآخرون لم يشعروهم بأنهم عرب”.
وفي روايته “رجال في الشمس” كما هو الحال في رواية “ما تبقى لكم” يؤكد كنفاني مجددا أن لا حل لعودة الفلسطينيين إلا بالعمل الجماعي، فهو كان مدركا وواعيا لحقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على فكرة أن الدول العربية ستحارب لعودة الفلسطينيين، “فهي لم تسمح لهم بتشكيل تنظيمات”. وهي اليوم تتواطأ حتى لا يبقى فلسطيني في فلسطين من غزة نقلوهم الى رفح وفي رفح يتاجرون بهم ومن يعلم كيف وأين ستكون نهايتهم بظل عرب الردة.
كما عرف الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني أيضا باعتباره أديبا ساخرا وناقدا للقصة والشعر، وهذا ما يجهله الكثيرون، وظهر ذلك في مجموعة مقالات صحفية له خرجت بكتاب “فارس فارس”، وقال إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلئ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب. وأوضح “أن تكتب قصة قصيرة ناجحة فهذا أدب مقاوم”.
التجربة النضالية
لم يكن كنفاني أديبا فقط، بل كان مناضلا من أجل قضيته فلسطين، وظهر التوجه المقاوم لديه منذ طفولته، ورافقه في كل أعماله الأدبية وحياته الشخصية.
انضم إلى حركة القوميين العرب وكتب في المجلات التي كانت تصدرها في دمشق والكويت، وبعد عام 1969 ازداد نشاطه السياسي فأصبح عضوا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد عرف عنه أنه لم يكن منضبطا في العمل الحزبي أو يشارك في الاجتماعات لكن دوره السياسي كان أساسيا، فقد ساهم في وضع الإستراتيجية السياسية والبيان التأسيسي للجبهة الذي أكد على أهمية العمل الفدائي والكفاح المسلح.
وفي سبتمبر/أيلول 1970 أجبرت مجموعة من الجبهة الشعبية ثلاث طائرات على الهبوط في مطار دوسن فيلد العسكري بمنطقة صحراوية في الأردن وقامت باحتجاز 310 رهائن للمطالبة بإطلاق صراح ليلى خالد والمعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل، وقد كان كنفاني في واجهة الحدث كونه المتحدث باسم الجبهة الشعبية حينها.
ومع بداية السبعينيات كانت بيروت مركزاً لحركات التحررية العالمية، وكانت لكنفاني علاقات شخصية بالثوريين العالميين في تلك الفترة. كانت مرحلة نضال حقيقي اطلق شعارها وديع حداد ” وراء العدو في كل مكان”.
المؤلفات
يمتلك كنفاني في رصيده العديد من الأعمال الإبداعية التي ترجم بعضها إلى عدة لغات أجنبية، ففي الروايات عنده “رجال في الشمس” (1963)، و”ما تبقى لكم” (1966)، و”أم سعد” (1969)، و”عائد إلى حيفا” (1970)، و”من قتل ليلى الحايك؟” (1969).
وفي المجموعات القصصية كتب كنفاني “موت سرير رقم 12″ (1961)، و”أرض البرتقال الحزين” (1963)، و”عن الرجال والبنادق” (1968).
ومن الدراسات التي تركها كنفاني هناك “أدب المقاومة في فلسطين” (1966)، و”في الأدب الصهيوني” (1967)، و”الأدب الفلسطيني المقاوم” (1968).
الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيوني كتبها غسان، ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان “في الأدب الصهيوني”.
كان غسان يردد: “الأطفال هم مستقبلنا”، لذا فقد كتب الكثير من القصص التي كان أبطالها من الأطفال، ونُشرت مجموعة من قصصه القصيرة في بيروت عام 1978 تحت عنوان “أطفال غسان كنفاني”، أما الترجمة الإنجليزية التي نشرت في عام 1984 فكانت بعنوان “أطفال فلسطين”.
ترجمت معظم أعمال غسان كنفاني ونشرت في حوالي 16 لغة في عشرين دولة مختلفة، وتم إعداد بعضها للمسرح، وكانت رواية “رجال في الشمس” هي أول ما نقل إلى اللغة الإنجليزية في السبعينيات وصدرت عن دور نشر في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
وصدر له بعد استشهاده، القنديل الصغير، القبعة والنبي، القميص المسروق، جسر إلى الأبد، ما تبقى لكم، الباب، أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968، في الأدب الصهيوني.
العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان، ثلاث روايات غير مكتملة.
كما أن له رواية بعنوان “العبيد: لم تنشر في كتاب، لكنها نشرت مسلسلة في مجلة الطليعة الكويتية الأسبوعية، من العدد 32 في 22/5/1963 حتى العدد 48 في 11/9/1963، ويقال إنها أولى رواياته.
الاغتيال
اغتيل كنفاني من قبل الموساد الإسرائيلي في 8 يوليو/تموز 1972 بانفجار سيارة مفخخة في العاصمة اللبنانية بيروت، وبحسب نتائج لجنة التحقيق التي شكلتها الجبهة الشعبية فقد نتج الانفجار عن عبوة ناسفة قدرت زنتها بتسعة كيلوغرامات وضعت تحت مقعد السيارة وانفجرت عند تشغيلها.
وترك كنفاني وراءه زوجته الدانماركية التي تعرف عليها عام 1961، في يوغوسلافيا، حيث عُقد مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين، وكان هناك وفد دانماركي، من بين أعضائه فتاة متخصصة في تدريس الأطفال، قابلت الفتاة الوفد الفلسطيني، ولأول مرة تسمع عن القضية الفلسطينية، فرغبت في الاطلاع على المشكلة، فسافرت إلى البلاد العربية مرورا بدمشق، ثم بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية، وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هي شديدة التأثر بحماس غسان للقضية، وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب. ولم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها على عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها، فتروجا في التاسع عشر من تشرين أول 1961، وأنجبا فايز، أول الأبناء في 24-8-1962.
انضمت زوجته إلى قافلة المناضلين من أجل فلسطين، وله منها طفلين هما فايز وليلى. و دفن غسان في مقبرة الشهداء في بيروت.
ما الذي جعل غسان كنفاني يعيش في ذاكرة فلسطين كل هذا الوقت، وكأنه حاضر بيننا اليوم؟
ربما توجد مليون إجابة لهذا السؤال، وربما لا يستطيع أحد الإجابة بشكل دقيق عن ذلك، فنحن لا نعرف بشكل مؤكد عن الأسباب التي تجعل شخصا يقطع التاريخ كله مشيا على الأقدام، ويبقى في المشهد، مثل أخيل الإغريقي، وكليوباترا المصرية، وعبد الرحمن الداخل الأموي.
لقد أخطأنا حين اعتبرنا أنّ الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطأنا، وأخطاء العالم كله.
يقول غسان “كم هي قاسية ومؤلمة اللحظة التي يريد أن يبكي فيها الإنسان، ورغم ذلك، فهو لا يستطيع.”
لا اخاف سوى ان التفت وأجدني في نفس المكان بعد كل هذا الركض.