كتب ابراهيم بيرم لأخباركم – أخبارنا : ظهر في نهاية الاسبوع المنصرم، في الوسطين السياسي والاعلامي في بيروت، من ينعى بوضوح الحراك المكثف الذي بدأته اللجنة الخماسية على مستوى وزراء الخارجية والسفراء في العاصمة اللبنانية، ومن ينعى أيضاً تحرك انطلقت به كتلة الاعتدال الوطني النيابية السداسية، وهما يصبان مبدئياً في خانة أمر واحد عاجل وضروري وهو ازالة العقبات الحائلة دون ملء الشغور الرئاسي الذي يلقي بثقله على المشهد السياسي الوطني بعدما دخل عامه الثاني على التوالي. وقد اخفقت كل المحاولات والجهود التي بذلت بقصد تأمين انتخاب سلس لرئيس جديد يفترض أن يحل محل الرئيس السابق العماد ميشال عون الذي انتهت ولايته الرئاسية قبل اكثر من عام.
وفي اطار تلك الجهود والمحاولات، كانت جلسات انتخاب الرئيس التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري 12 مرة متتالية. وقد دارت خلالها صندوقة الاقتراع في القاعة العامة للمجلس، في كل جلسة دورة واحدة، من دون نتيجة حاسمة تبشر بانتهاء عهد الفراغ القاتل وطيّ صفحته. اذ وبعد كل دورة، كان النصاب المطلوب يطير فجأة، وبعد ان يجول بري بنظره في الحاضرين ويتيقّن من واقع الحال يسارع الى رفع الجلسة، لتعود الأمور بعدها مباشرة الى المربّع الاول الذي تعلو فيه الى اعلى الحدود اصوات السجال وتبادل التهم بالتعطيل بين اطراف الصراع.
والثابت في كل هذا المتحوّل، ان معادلة المجلس النيابي الحالي الذي اتى في انتخابات عام 2022 لا تعطي اي جهة اكثرية وقدرة على فرض مرشح تزكية أو تتقاطع عليه مع أفرقاء آخرين، فتعلو المعادلة السلبية على سواها من المعادلات.
المحطة النوعية الفارقة في سياق رحلة البحث عن طيّ عهد الشغور الرئاسي وما ينتج منه من سلبيات تلقي بثقلها على الدولة وعمل المؤسسات، تجسدت في حراك كتلة الاعتدال الوطني النيابية. فهذه الكتلة من موقعها الوسطي وعلاقاتها الايجابية مع كل الكتل النيابية على اختلافها، وضعت خارطة طريق لحراك ممنهج موضوعي من المفترض انه لن يلقى صدوداً واعتراضاً ولو مبدئياً من اي فريق سياسي او نيابي. ومن ثم حملت هذا المشروع وانطلقت في جولات مكثفة على كل اطياف المعارضة والموالاة على حد سواء، من دون أن تستثني اي طرف. وهي في كل زيارة كانت تعرض الرؤية التي تحملها وتبدي تصميماً على ان تسمع من هذا الطرف اجابة مباشرة اذا كانت جاهزة، وتقبل في الوقت نفسه اعطاء مهلة للذين يرغبون في اخذ وقتهم للمراجعة ودراسة العرض المقترح قبل ان يعطوا الجواب النهائي.
والمعلوم ان كتلة نواب حزب الله “كتلة الوفاء للمقاومة” قد طلبت اطول مهلة قبل ان تعطي لوفد كتلة الاعتدال اجابة وصفها البعض بأنها اجابة “مشكولة”، تؤكد ان الكتلة والجهة السياسية التي تمثل، ليست في وارد التخلي عن مرشحها المبدئي المعروف.
وليس خافياً ان كتلة الاعتدال قد مضت قدماً في المهمة التي جندت نفسها لها طوعاً واختياراً، فلم تظهر ياساً وقنوطاً، ولم تفصح عن رغبة في الانسحاب والتراجع عما بدأته، وان كان بعض اعضائها لم يستطع كتمان شكوى ضمنية من تعقيدات وصعوبات لا يستهان بها.
ومن المعلوم ايضاً ان الكتلة اياها اخذت نفساً وجرعة ايجابية مشجعة، عندما اتى اليها مَن يبلغها اليها بأن سفراء اللجنة الخماسية قد افصحوا عن رغبة عندهم بأن يتناغم الحراك الذي انطلقوا به قبل اكثر من عام بخصوص الملف الرئاسي، مع الحراك الذي اطلقوه هم ككتلة متأخرين، حتى ولو اقتضى الامر بأن يأتي بعد مدة وتتكامل فيه جهود كليهما.
وليس جديداً القول ان ثمة من ذكر بأن سفراء الخماسية قد وجدوا في حراك كتلة الاعتدال خشبة خلاص تحول دون بلوغهم مرحلة اعلان الاخفاق او اليأس، لا سيما وان ثمة تعقيدات عدة واكبت حِراكهم، وقد برزت في اللقاءات المكثفة التي عقدوها مع كل القوى الممثلة في مجلس النواب ولم يستثنوا منها احداً على الاطلاق.
والمعلوم ايضاً ان ذروة حِراك الخماسية تجسد في اللقاء الذي عقدوه قبيل ايام قليلة مع الرئيس بري في عين التينة، وهو اللقاء السادس من نوعه منذ ان بدأ سفراء الخماسية حِراكهم.
وكالمعتاد، ظل الغموض يكتنف طبيعة الحديث والنقاش اللذين دارا في خلال هذا اللقاء، خصوصاً ان سيد عين التينة ظل مقيماً عند صمته المبدئي، فيما أتى كلام السفير المصري باسم السفراء الخمسة على هيئة عموميات.
اما عنصر الاثارة الجدي الذي رشح عن هذه الجلسة، فهو ما سرّب لاحقاً عن “نصيحة “وجهها هؤلاء السفراء الى الرئيس بري، يدعونه فيها الى السير هو ومَن معه جدياً في خيار المرشح الثالث للرئاسة الاولى، وهو ما يعني ان عليه ان يبدأ رحلة التخلي عن مرشحه المبدئي المعروف زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
وبحثاً عن معطيات جديدة واعدة في حراكي الخماسية وكتلة الاعتدال من شأنه أن يبدد الخلاصة المتشائمة ويعزز فرص ملء الشغور، سألنا عضو كتلة الاعتدال الوطني النائب سجيع عطية عما اذا كان هناك عنصر اضافي منتظر على هذا الصعيد؟ فأجاب: الحقيقة لا جديد لدينا نكشف عنه منذ آخر لقاءات اجريناها في جولتنا على الكتل النيابية.
اضاف: من البديهي ان تكون الأعين شاخصة الآن على النتائج المرتقبة لزيارة وزير الخارجية الفرنسية سيجورية الى بيروت وعواصم في المنطقة، وتحديداً الى الورقة التي اعلن مراراً عن انه يحملها وتنطوي على عرضين، الاول يتصل بتبريد الجبهة الجنوبية المشتعلة والثاني يتصل مباشرة بموضوع ملء الشغور الرئاسي.
اضاف عطية: بناء عليه، نحن ما زلنا ننتظر عقد الجلسة الموعودة بيننا وبين سفراء الخماسية والمقررة مبدئياً في الاسبوع الجاري، اي بعد عودة السفير الفرنسي الى بيروت. ونحن بطبيعة الحال يحدونا الأمل بأن يحمل هذا اللقاء الموعود معطيات ووقائع جديدة واعدة، من شأنها أن تفتح ابواب الحلول الموصدة او تؤسس لمثل هذه الحلول المنشودة بعد فترة.