أخباركم – أخبارنا: خلال الأيام القليلة الماضية، نافست الأخبار العاجلة حول النازحين السوريين الأخبار الأخرى، سواء كانت تصريحات سياسية معبّرة عن مواقف، أم تلك المتعلقة بالاجراءات الأمنية والمداهمات على الأرض والاعتقالات في أكثر من منطقة. وقد اهتمت المواقع الاعلامية والتواصل الاجتماعي بمتابعة هذه التطورات، حتى أنها طغت على هموم أخبار حرب الجنوب في الميدان والبيانات الصادرة عن عمليات “ا ل ح ز ب” ومعارك المشاغلة بينه وبين إسرائيل.
من الواضح ان النازحين السوريين يتعرضون في الفترة الاخيرة لا سيما بعد مقتل المسؤول القواتي في جبيل باسكال سليمان على يد عصابة سرقة سيارات، إلى ردود فعل عنيفة في الشارع وتزايد الضغوط عليهم بشكل كبير، فحصلت ملاحقات أمنية ضدهم واعتقالات، وسط توجيه اتهامات من قبل ناشطين بعمليات إختطاف وتعذيب.
ومع حصول جرائم وحوادث أمنية، إعتبر البعض أن وجود النازحين في لبنان اصبح يشكل قنبلة موقوتة، وجرت مطالبات باعادتهم الى بلادهم وترحيلهم عبر البحر. وقد رفع شعار لبنان بلد عبور لا بلد نزوح، واثارت ما سمّيت “رشوة” المليار يورو من الاتحاد الاوروبي إلى الحكومة اللبنانية، زوبعة سياسية لا تزال تفاعلاتها مستمرة.
وقد ارتفعت نسبة الاعتداءات على النازحين السوريين مؤخراً، وتصاعد خطاب الكراهية من جديد ضدهم بحسب منظمات حقوقية، واتخذت قرارات من الأمن العام لتنظيم العودة ورفع رسوم الاقامات بطريقة اثارت الاستغراب والدهشة، وتصاعدت نغمة ترحيلهم في الخطاب السياسي، فيما نشرت فيديوهات عن تعرض السوريين للهجوم في عدد من المناطق قبل ان تنتشر صور اقفال محلات السوريين وختمها بالشمع الاحمر وتوقيف أصحابها بتهم غير شرعية، أو التوقيف بتهم عدم وجود اقامات قانونية، وترحيل مقيمين بشكل غير شرعي، بغض النظر عن موقفهم من النظام السوري.
وجرت المطالبة بفتح البحر لترحيل النازحين، وبالتالي تنشيط عمل عصابات تهريب البشر المستفيدة اولاً واخيراً، والتي تشير مصادر متابعة الى انها تعمل برعاية وتحت انظار جهات أمنية لها مصلحة مالية في تمرير رحلات اللجوء الى اوروبا.
وسط هذه الصورة، لا يبدو أن النظام يريد تسهيل عودة النازحين السوريين، فلا هو في وارد طرد ايران وميليشياتها، ومنها اللبنانية، من المناطق والقرى السورية التي احتلتها واقامت فيها مصالح اقتصادية مربحة، منها مصانع الكبتاغون وعصابات التهريب والمشاريع المختلفة مع شركاء في النظام الذي يستغل واقع الحال للاستفادة منه، والضغط من اجل فك الحصار عنه ورفع العقوبات المفروضة عليه بحكم قانون قيصر وغيره.
والمعروف ان النظام كان يرفض اسماء مقترحة عليه لاعادتها الى سوريا عبر قوافل العودة التي ينظمها الامن العام اللبناني بين الفينة والاخرى بحسب التطورات، كما ان بعض الذين عادوا اعتقلوا فور عودتهم وبعضهم مصيره لا يزال مجهولاً. كما ان النظام يشترط لاعادة النازحين، تأمين مساعدات دولية له ويطالب بدعمه لاعادة الأعمار.
ترى أوساط في المعارضة السورية، أن “ما يحدث اليوم هو اجراءات مشددة ضد النازحين وتأثيرها ليس فقط على المخالفين او الداخلين بعد عام 2015 ولكنها تأثيرات تطال النازحين الذين جاؤوا قبل هذا التاريخ. نحن نتفهم ان هناك موضوعاً يتعلق بالسيادة اللبنانية وهو أمر لا علاقة للنازحين فيه، لكن يجب التنبه الى ان غالبية النازحين الذين تواجدوا في لبنان هم نازحون من المناطق الحدودية مع لبنان، وتم تهجيرهم عبر أحد شركاء السلطة التي تطالب باخراجهم، وقد شاركوا في تهجيرهم من قراهم ومناطقهم الأساسية”.
وإذ تؤكد أن “هؤلاء النازحين خرجوا من سوريا نتيجة المعارك التي دارت هناك”، فإنها تعتبر أن “الموضوع سياسي بحت، اذ هناك خلاف سياسي بين الاطراف اللبنانيين، أي أن الخلاف لبناني – لبناني، ووفقاً لما نراه انها معركة سياسية بين الأحزاب المسيحية ورئيس الحكومة بعد الحديث عن وصول المنحة التي تحدث عنها ميقاتي من الاتحاد الاوروبي إلى لبنان، وهو أمر إنعكس على النازحين على الأرض. والأهم من ذلك، ان ما يتم التطرق له في خطابات سمير جعجع أو غيره عن الموضوع، ينعكس كخطاب كراهية على الناس بشكل كبير. فمنذ يومين ماتت إمراة على حدود سوريا من اجل حبّة بطاطا و”سطل لبن”، كما حصلت مشاكل هنا وهناك”.
وحول ما تقوم به الاجهزة الامنية والعسكرية من اقفال محلات وعمليات اعتقال وترحيل، تعتبر هذه الاوساط المعارضة ان هذه الاجهزة “هي مجرد سلطة تنفيذية مكلفة سياسياً بتنفيذ أي قرار، لذا نحن نتفهم هذا الامر ونتفهم ضرورة تطبيق القانون. لكن المشكلة الأساسية انه عندما نذهب لتجديد الاقامة، لا يتم تجديدها، وقد تم رفع سعر إقامة العمل إلى 89 مليون ليرة، فيما تبلغ اقل تكلفة اقامة 13 مليوناً، ومقارنة مع تكلفة الاقامة للعامل المصري التي تبلغ مليون ليرة، هي كلفة عالية جداً. فالسوريون اليوم من الصعب عليهم الحصول على إقامة، إضافة الى أن الهجوم على مفوضية النازحين غير مفيد. فالمفوضية تعاني من قلة التمويل والشح في مواردها وهي تدعم البنى التحتية اللبنانية والمهجرين في الجنوب. ان اضخم عائلة سورية تقبض 115 دولاراً وطبعاً لا يستفيد الجميع منها، هناك فقط نسبة 20 او 30 في المئة تستفيد منها. فماذا يفعل اللاجىء الموجود في خيمة او الذي يستأجر منزلاً بــ 115 دولاراً وهي لا تكفي لسد فاتورة 5 امبير من الكهرباء؟ لذلك يجب هذا السؤال إلى أي سياسي يصرح أو يحاول دفع الاجهزة الامنية والعسكرية إلى المواجهة مع النازح السوري”.
وتشير هذه الاوساط إلى أنه في لبنان كان هناك حوالى 600 الف عامل سوري قبل الثورة، لكن حالياً لا يمكن الفصل بين العامل واللاجىء السوري بسهولة. وعندما يريد احد الفصل بينهما، يجب ان يكتفي اللاجىء بحيث لا يضطر الى ان يمد يده لأي عمل ولا يشتغل بأي عمل، ولا يضطر تالياً ان يتجاوز القانون او التصرف بشكل سيىء لكي يطعم أطفاله. فالنازحون طالبوا منذ سنوات بفصلهم وتمييزهم عن العمال”.
وتعتبر أن “ما يجري حالياً ليس الطريقة الفضلى”، مشيرة الى أن وجود “داتا لدى الامن العام اللبناني على الحدود اللبنانية، معروف فيها كل من يذهب ويعود من والى سوريا، والكاميرات موجودة وأجهزة المراقبة كذلك امام السفارة السورية، ومعروف مَن ذهب للانتخاب في السفارة السورية. كل شيء ظاهر ومعروف عند الدولة اللبنانية، فمداهمة النازح في الخيم ليلاً مع عائلته وأمام أطفاله أدى إلى حالات نفسية مرعبة لدى الاطفال وتسبب بحالات خوف تذكر بمداهمات جيش النظام وقواه لمنازل الناشطين في بدايات الثورة السورية”.
وتلفت إلى أن “مفوضية شؤون النازحين هي هيئة إنسانية لا تستطيع أن تميّز بين النازح والعامل، علماً أن غالبية السوريين في لبنان يحاولون أن يعملوا ليعيشوا، بالإضافة إلى أن المفوضية تقوم بدورها رغم الضغط السياسي من الحكومة اللبنانية عليها”.
ولا تنفي هذه الأوساط بأن “لبنان أصبح ملجأ اقتصادياً ومالياً للسوريين وللنظام السوري تحديداً، وهناك شركاء لهذا النظام في السلطة اللبنانية يقومون بتهريب المواد التي كانت مدعومة من الحكومة اللبنانية إلى النظام السوري لا سيما الطحين وغيره، وكان تصريح نصر الله في حينه واضحاً بهذا الشأن”.
وتعيد هذه الأوساط اسباب تزايد أعداد النازحين السوريين في لبنان، الى “فتح البحار، فالفقراء بعد ما حدث في سوريا، يبحثون عن موطن آمن نتيجة ممارسات النظام السوري الذي يحاول اليوم أن يقنع الشعب السوري بأن العقوبات الأميركية هي على الشعب السوري وليس عليه؟ للأسف، الموضوع شائك، وأغلب من هم في السلطة اللبنانية يعرفون ان دعم النازح السوري ضمن سوريا، مغاير لقانون قيصر ولا أحد يستطيع دعم أي نازح سوري داخل سوريا”.
ولا تعتبر هذه الأوساط ان “المعارك انتهت في سوريا، فأغلبية السوريين يبحثون اليوم عن مكان آمن لا سيما الشباب الذين لا يرغبون في الالتحاق بالخدمة الاجبارية للجيش”، واصفة “المعارضة السورية بــ “المهترئة” و”المتآكلة” والسوري المعارض للنظام لا يجد من يمثله بشكل حقيقي وواقعي على الأرض. إضافة إلى أن الحكومة اللبنانية لا تستطيع إخراج السوريين المعارضين، كما تطالب “القوات اللبنانية” باتجاه الشمال السوري، أولاً بسبب الخوف والموقف التركي فهذا الأمر يحتاج إلى موافقة تركية، وثانياً نتيجة الخوف من النظام السوري. المعارضة تقوم ببعض إتصالاتها إما عن طريق نشطاء ومنظمات حقوقية، إضافة إلى أن بعض السياسيين الذين كانوا يمثلون السوريين في مرحلة من المراحل كانت لديهم إتصالات لدى الأحزاب اللبنانية ومحاولات لشرح الوضع لها”.
وتلاحظ هذه الأوساط أن تطبيق التدابير الأمنية – السياسية يجب ان يكون هناك شيء مقابلها، فالغاء الكفالة الشخصية وهو قد يكون حقاً سيادياً لا نتدخل فيه، لكن يمكن المحاسبة على المخالفة مثلاً مع أن الكثيرين يقدمون اوراقهم للأمن العام للاقامة مثلاً ويأتيهم الجواب بالرفض. وهنا يطرح سؤال: هل هناك قرار مخفي من تحت الطاولة، يقضي بمنع وعدم تمرير أي معاملة للسوريين؟.
من المنتظر ان يبقى ملف النزوح مطروحاً على الطاولة، والاخذ والرد سيتواصلان فيه، الا ان المتوقع ان لا حلول مستدامة له لا سيما عند الحديث عن قوافل العودة الطوعية لأن الحل سياسي في الدرجة الاولى، والقرار لا يتخذ في لبنان بل هو قرار دولي متعلق بالحرب السورية وسبل حلها. لذلك، على لبنان البحث عن وسائل وطرق عقلانية لمعالجة واقع النزوح، بما يضمن المصلحة الوطنية العامة، بعيداً عن المزايدات السياسية.