كتبت فاطمة حوحو لأخبارنا ــــ أخبارنا
تحل اليوم (15 ماي- أيار 2024) الذكرى الـ 76 لـ”النكبة”، تاريخ إعلان قيام دولة إسرائيل، باستيلاء المحتلين الصهاينة على أرض فلسطين في العام 1948، بعد قتل وتهجير وتشريد الفلسطينيين، وتحويلهم إلى تائهين في شتات المنافي، ولاجئين في المخيمات. تنفيذا لما أطلق عليه اسم “وعد بلفور”، وزير خارجية بريطانيا في عام 1917، الذي أوصى بإنشاء “الوطن القومي لليهود في فلسطين”، وقد حصل بقوة سلاح العصابات الصهيونية.
اليوم، بعد مرور 76 سنة، لا يزال الصدى المجلجل والمدوي للنكبة يزلزل الكيان والوجدان العربي ويهزه، ولا يزال يمثل جرحا عميقا وغائرا يستحيل التعافي منه أو اندماله من دون عودة الحق إلى أصحابه…
والحقيقة الساطعة أن “النكبة” ليست تاريخا عابرا وذكرى سنوية عادية، يُلتفت إليها كل ما أطل شهر أيار، بل هي واقع يمثل مأساة دامية، تراجيديا إنسانية مستمرة بقوة الصراع على الأرض، تسيطر وقائعها وأخبارها على مجريات الأحداث، بكل أبعاد ومعاني صمود وثورة أبناء فلسطين ضد الاحتلال الغاصب، وضد أذنابه من المتواطئين والمتخاذلين والمهرولين.
15 أيار 1948، أكبر من تدوين تقني لتاريخ عادٍ مرَّ وعَبَر، بل هو يوم طويل كالقيامة، يوم لا زال مستمرا بساعاته وبأيامه وشهوره وبسنواته اللاهبة والحارقة، يوم طويل عصي على الاختزال، لا يمكن حسابه سوى بعدد تكات الثواني وخفقات القلوب وأنفاس الصدور وصرخات وأنّات الجرحى وحشرجات الأرواح التي أزهقت، والدماء التي أريقت على ثرى فلسطين.
من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس، يحيي الشعب الفلسطيني الذكرى لتبقى موشومة في ذاكرة الأجيال، حتى استعادة الحقوق كاملة وتحرير الأرض من الاحتلال.
لذلك فالنكبة مستمرة، وقد زادت وارتفعت أرقام الجرائم ضد الإنسانية المدونة يوميا في سجل الانتهاكات والمذابح والمجازر الهمجية التي قامت وتقوم بها عصابات الاحتلال الإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. والصراع ما زال مستمرا، ما دام الظلم قائما. لذلك لا يمكن التعامل مع “النكبة” كحدث من الماضي قابل للتجاوز ومنذورا للنسيان، لأن الواقع والأحداث المتواصلة والنتائج والآثار الشاخصة، كلها تؤكد على استمراريته وراهنيته وامتداده العميق، وعلى انغراسه في الكيان الشعبي الفلسطيني، مهما تبدلت العناوين والأسماء والأوصاف. فممكن للأحداث المرعبة والرهيبة أن تتوقف بعض الوقت مؤقتا، لكنها لن تقف وتنتهي هكذا بلا شرط ضروري وشروط… وهاهي تتدحرج أمام أنظار الكون، مع توالي الأيام والسنين والعقود، وما دام الاغتصاب قائما والمجازر الصهيونية متواصلة، فستظل تضحيات ودماء أبناء الأرض أنهارا، تتدفق كالسيول والأمطار، لتبقى تربة فلسطين ندية خصبة معطاءة على الدوام، حتى تنتصر حتمية التحرير والعودة إلى الوطن السليب.
في ما مضى، وفي الآن الراهن، وفي أفق الآتي، لا يملك الفلسطيني سوى الصمود واستنهاض الهمم ومقارعة أوزار اليأس والتيئيس والإحباط، لا يملك الفلسطيني سوى التفاؤل والأمل… وقد لخصها المفكر الفلسطيني إدوار سعيد بقوله: “قد يختلف الفلسطينيون في أشياء كثيرة، لكنهم يتفقون على تسمية ما حدث لهم سنة 1948 بأنه نكبة”.
النكبة التي صارت تشكل الوعي الفلسطيني المتجدد، وأصبحت تمثل سارية عالية، طودا شامخا في بناء الذاكرة الجمعية لشعب فلسطين، “النكبة” هي الاسم الفلسطيني الجريح لأجيال متعاقبة من أبناء الأرض المحتلة وأيضا من أجيال المنطقة العربية، بل إننا نشهد الآن كيف توضح لنا الأحداث، أن القضية الفلسطينية عادت بقوة من جديد لتتحول إلى أيقونة مشعة متوهجة للنضالات الإنسانية على مستوى العالم، للدفاع عن الكرامة والعدالة والحقوق الشرعية.