كتب زياد أ. يممين لأخباركم – أخبارنا: شكلت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاخيرة للصين، بداية فعلية لقطب اقتصادي وسياسي منافس للولايات المتحدة، وفقاً للتالي:
1- العلاقات الروسية – الصينية ستصبح علاقات تبادلية – تنافعية وتكاملية في التصنيع والتبادل التجاري على كل الصعد، تفضي على المديين الأوسط والبعيد الى شراكات استثمارية ومالية، تؤسس بعدها شراكات جيو – اقتصادية و جيو- نفطية – غازية، خالقة مدى حيوياً واستراتيجياً في كامل الجغرافيا الممتدة من المحيط الهادىء شرقاً، إلى الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية بما فيها بيلاروسيا والأجزاء المتبقية من اوكرانيا بعد خسارتها الحرب مع موسكو.
2- تعزيز التعاون الكبير الحجم داخل مجموعة الـ BRICS التي تضمّهما إلى جانب الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول المنضمّة حديثاً. إضافة إلى انشاء تفاهمات بين الهند والصين تحت جناح هذه المنظمة، بمباركة ووساطة روسيتين لإدارة الصراع الحدودي بينهما ديبلوماسياً (أي الصين والهند، لأن واشنطن ستسعى دوماً لتسعيره) والحؤول دون تحوله إلى مواجهة كبرى بين دولتين نوويتين تهدد مشروع الحزام والطريق الصيني، بما يضمن الأمن والتنمية المستدامة بين بلدين يشكل مجموع سكانهما 2.8 بليارد نسمة، اأي ربع سكان الأرض.
3- هذا التعاون سيؤدي إلى تقوية مجموعة شنغهاي ” SCO” : Shanghaii Cooperation Organisation الاستثمارية – المالية التي تضم إلى هاتين القوتين الآسيويتين وروسيا، دول الطوق السوفياتية السابقة مثل كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وغيرها، ودول أخرى تقع داخل الشريط الممتد من الصين والهند إلى أفغانستان، إيران، باكستان، وأخرى موجودة في جنوب – شرق آسيا كأندونيسيا، كمبوديا، ماليزيا، مشكلة قاعدة صلبة لتكوين كتلة اقتصادية أوراسية هي الأضخم دولياً (خِمس أراضي روسيا يقع في أوروبا) وبحيث سيعمل على تمديدها إلى غرب آسيا، وصولاً إلى الإقليم الشرقي من العالم العربي، أي الخليج والسعودية والعراق وربما لاحقاً سوريا عندما تستعيد توازنها السياسي .
4- هذه الكتلة الأوراسية ستكون محمية بوسيلتي الردع العسكري التقليدي والنووي اللتين يمتلكهما أقطابها الثلاثة أي روسيا، الصين والهند، معطوفة على العديد من الاتفاقيات الأمنية الموقعة رسمياً بين العديد من دولها، كمعاهدة الأمن الجماعي في آسيا الوسطى ” CSTO ” : Collective Security Treaty Organization وما حدث من تدخل عسكري روسي سريع وخاطف لصالح كازاخستان ضد محاولة الانقلاب الفاشلة فيها، التي كانت مدعومة اميركياً بعد بداية حرب اوكرانيا، لهو دليل قاطع – ناجع لما يمكن أن تعتمده دول هذه الكتلة مستقبلاً في الحفاظ على استقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي – الاجتماعي.
5- تعمل روسيا والصين على ضرب عصب الأحادية القطبية الأميركية على العالم عن طريق التخلي عن الدولار كعملة احتياط عالمية وحيدة، باتخاذ إجراءات اقتصادية مستمرة، حيث وصل مستوى التبادل التجاري بينهما وبعملتيهما الخاصتين إلى 216 بليارد دولار وهو سيستمر في الارتفاع، وهما تسعيان إلى تعميم هذا الإجراء على دول كثيرة ترغب في هذا الإجراء كمجموعة شنغهاي، إضافة إلى الهند التي تستورد النفط والغاز من روسيا بالروبية الهندية، ناهيك عن السعودية والإمارات وغيرها من دول OPEC + ، مما سيضعف من قوة الدولار الأميركي في الاقتصاد الدولي البيني، مفقداً واشنطن وحلفاءها عاملها الاقوى على الإطلاق في فرض سياساتها وهيمنتها على بقية الدول، مالياً – نقدياً وبالتالي عسكرياً وسياسياً.
6- لن تتخلى الصين عن ما تمتلكه من سندات الخزانة الأميركية دفعة واحدة لأنها تريد الحفاظ على فائض مريح لها في ميزان مدفوعاتها، ولكنها بدأت تستغني عن كميات كبيرة منها بالتدرج، بحيث هبط مجموعها من 1,3 تريليارد دولار إلى 773,7 مليارد حالياً، بسبب فرض واشنطن عليها زيادات في التعريفات الجمركية للتقليل من حجم الصادرات الصينية إليها. ولهذا بدأت الصين الرد بالمثل (حرب تجارية بين القوتين) ببيع هذه السندات رويداً رويداً، مما سيزيد من ضعف الدولار دولياً وتحوّطياً أكثر، دافعاً دول أخرى للجوء إلى عملات تحوّط جديدة واعتماد ملاذات آمنة على المديين الأوسط والبعيد، كالذهب والبلاتينوم والفضة. فيدخل الدولار في دوامة مفرغة من الخسارات المتتالية لقيمته الحقيقية، معطوفاً على الركود الحالي في الاقتصاد الأميركي الذي سيجعل منه في الآتي إقتصاداً متواضعاً مالياً واستثمارياً وتصنيعاً وتجارة، بشكل يقضي على سلاح العقوبات التي تستعمله واشنطن في فرض سياساتها الخارجية على الجميع، فتخسر بذلك نفوذها وسطوتها على الكثير من بقاع العالم المحورية كشرق أوروبا والشرق الأوسط، وصولاً إلى جنوب شرق – آسيا والمحيط الهادىء، مما قد يجبرها لاحقاً على تفكيك الكثير من قواعدها العسكرية في العالم بسبب ضعف التمويل والسيولة، متراجعة من كونها قطباً عالمياً أوحد مهيمناً إلى قطب (وربما أقل) يوازي الاقطاب الأخرى، التي رسّخت وترسّخ أقدامها في نظام عالمي متغير ومتعدد الرؤوس المركزية، كالصين وروسيا وربما لاحقاً الهند، من يدري؟
هذه هي اذاً الإستراتيجيات التي تسير عليها كل من الصين وروسيا حالياً والتي ستتفعّل اكثر بعد زيارة الرئيس بوتين الاخيرة للصين، بغية ترسيخ كتلة اقتصادية اوراسية عملاقة تقارع، لا بل قد تتفوق على الغرب الأطلسي عموماً وواشنطن خصوصاً، في ميزان القوى الاقتصادي – المالي على المدى البعيد، وبالتالي العسكري والأهم السياسي.