كتب باسل عيد لأخباركم – أخبارنا: عندما نسأل أي ربّ أسرة لبناني، في ظل الإنهيار الاقتصادي الراهن، عما يعانيه في تدبير أمور عائلته، لجهة تأمين ضرورات الحياة اليومية وما يستتبعها من مستلزمات، وعلى رأسها الطبابة والإستشفاء والتعليم، تكون الإجابة من خلال تنهيدة طويلة، تحمل في خباياها الكثير من المعاني والشروحات.
ففي وقت لم يعد فيه مدخول معظم الأسر اللبنانية (الطبقة المتوسطة سابقاً والفقيرة حالياً) لا يتعدى الألف دولار أميركي في الشهر، بات ربّ العائلة ملزماً باللجوء إلى عملين أو ثلاثة على الأقل من أجل تحسين واقع دخله وسدّ حاجياته الأساسية التي لا تعد ولا تحصى. إذ أن وظيفة واحدة لم تعد تكفي لدفع الفواتير الباهظة التي رتبها غياب الدولة على كاهل المواطنين، إلى جانب بدلات الإيجار والمأكل والمشرب وغيرها الكثير، فيما اللائحة تطول.
أما الطامة الكبرى، والتي تأتي في رأس سلّم الأولويات، الى جانب كل ما يتعلق بالصحة من طبابة واستشفاء، فهي مسألة التحصيل العلمي.
باختصار، عذاب ربّ العائلة يبدأ من هنا. فالأرقام الخيالية لأقساط المدارس والجامعات، ترتفع سنة تلو أخرى والحبل على الجرار، فيما سعر صرف الدولار ثابت لم يتغيّر منذ فترة طويلة، علماً أن الزيادات على الأقساط تشمل الليرة والدولار على حد سواء.
وفي ظل المدخول المتدني للمواطن بفعل الكارثة الاقتصادية الراهنة، فإن المدارس والجامعات الخاصة لا ترحم أهالي الطلاب، الذين يتوقون إلى رؤية أبنائهم من حملة الشهادات لكي يشكلوا في المستقبل مصدر فخر لهم، فتأتيهم الصدمة الكبرى التي تؤرق مضاجعهم والمتمثلة في عدم قدرتهم على تحمل التكاليف الباهظة لتلك الأقساط، لا سيما وأن حقّ التعلم بلا مقابل كفلته معظم دساتير البلدان والقوانين والشرائع الانسانية، باستثناء لبنان طبعاً.
وفي كل عام دراسي، يأمل الأهل بألا تكون هناك زيادة على أقساط أبنائهم في العام المقبل، إلا أن الواقع الذي يصطدمون به لاحقاً يبدّد تلك الآمال.
فمع نهاية العام الدراسي الحالي، كرت سبحة المدارس التي أبلغت أهالي طلابها بأقساطها الجديدة، ليتراوح بعضها بين 8290 و9590 دولاراً، بحسب المرحلة التعليمية؟!
أما رسوم حجز مقعد لإعادة التسجيل للعام 2024-2025، فتصل إلى 1500 دولار و30 مليون ليرة.
وفي مدارس أخرى، وصل القسط الى اعتاب 10847 دولاراً أميركياً وفقاً للمرحلة التعليمية.
قد يقول البعض أن تلك المدارس تعد من المدارس “المخملية” الخاصة بأصحاب الثروات، لكن اللافت أن الأمر في المدارس الخاصة التي هي في متناول الطبقة الوسطى (سابقاً)، ليست بأفضل حال.
فأقساط المدارس (الخيرية) تعدت الـ 3 آلاف دولار، وتراوحت في مدارس أخرى ما بين 4 و6 آلاف دولار قابلة للزيادة.
المشكلة الكبرى أن أهالي الطلاب في المدارس الخاصة، تلقوا رسائل تبلغهم عن زيادة الأقساط للعام الدراسي المقبل، وقد حددت معظمها فترة زمنية قصيرة لتثبيت تسجيل أولادهم، بحجة عدم حرمان الطالب القديم من مقعده المدرسي.
وقد تراوحت هذه الزيادات ما بين 35% و50% في معظم المدارس الخاصة، من دون ذكر ثمن القرطاسية والزيّ المدرسي، علماً أنه مع زيادة الأقساط للعام الدراسي المقبل، فإنه لم يتم الوصول بعد إلى 50% من قيمة القسط الأساسي الذي كان قبل العام 2019، تاريخ بدء الأزمة الإقتصادية في لبنان.
في الخلاصة، إن أي ربّ عائلة لديه على سبيل المثال 3 أولاد في مراحل تعليمية مدرسية مختلفة، يتوجب عليه أن يدفع خلال العام الدراسي 9 آلاف دولار على الأقل كأساس للقسط. فاذا أضفنا الى هذا المبلغ كلفة ما تطلبه معظم المدارس من ملحقات، بالاضافة الى القرطاسية والزيّ المدرسي ووسيلة النقل، فإن إجمالي المبلغ يتخطى الـ 12 ألف دولار بكثير، وذلك بحسب مرتبة المدرسة، إذ نحن نتحدث هنا عن مدرسة متواضعة تكون تكاليفها في متناول الجميع (كما يقال).
أما الجامعات فحدث بلا حرج. إختصاص عادي في الآداب أو الإعلام في الجامعات الخاصة تتراوح كلفته ما بين 6 و15 ألف دولار في السنة (بحسب الجامعة)، وتزداد بحسب الاختصاصات الاخرى لتصل إلى حدود الـ 50 الفاً في جامعات أخرى.
وعليه، بات التعب يسيطر على كاهل معظم اللبنانيين. تعب النفس والفكر والجسد في آن واحد، في ظل خواء جيوبهم وتدني مدخولهم، وسط تجار لا يرحمون، يتقنون التجارة حتى في التربية والتعليم، حيث بات المواطن يستغيث من دون أن يلقى آذاناً تصغي لمظلوميته.