أخباركم – أخبارنا
أحدث فوز اليمين المتطرف، الأحد، بانتخابات البرلمان الأوروبي، زلزالا بعد النتائج التي أفرزتها تلك الانتخابات، فكانت أولى تداعياتها، في فرنسا، بعد حصول اليمين على أكثر من 30% من الأصوات، دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعلان حلّ الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
وبعد تصويت مئات الملايين من الأوروبيين خلال الأيام الأربعة الماضية، لاختيار 720 عضوا في البرلمان الأوروبي، حدثت الصدمة الكبرى ل”الماكرونيين”، وذلك بعد حصول هذا اليمين، بقيادة جوردان بارديلا على نسبة تراوح بين 31 و 32% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأوروبية بفرنسا، أي ضعف ما حققه حزب الرئيس ماكرون وفق تقديرات معهدي الاستطلاع إيفوب وأيبسوس، ليحل في المرتبة الثانية حزب الغالبية الرئاسية الذي حصل على 15% من الأصوات وأتت في المرتبة الثالثة تشكيلة الاجتماعي-الديمقراطي رافاييل غلوكسمان مع 14%.
وشكلت تلك النتائج فشلا ذريعا لحزب الرئيس الفرنسي الذي كان التجمع الوطني اليميني المتطرف يتقدم عليه بفارق بسيط خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية في عام 2019.
وبعد انتهاء التصويت وعملية الفرز، أصبحت نتائج الانتخابات واضحة الآن للجميع في البلدان الأعضاء الـ27 في الاتحاد.
النتائج المفاجئة، عززت دور الزعيمة الإيطالية جورجيا ميلوني كلاعبة رئيسية في السلطة في بروكسل بعد أن حصلت على نسبة تقدر بنحو 28% من الأصوات. إلا أنها نسفت آمال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد أن حقق حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبان تقدما ساحقا، ما دفع ماكرون إلى إعلان حل الجمعية الوطنية “البرلمان” وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة.
وسارعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية بالترحيب بدعوة ماكرون لإجراء انتخابات مبكرة، وقالت “إن حزبها مستعد لتولي السلطة في فرنسا.. إذا منحنا الفرنسيون ثقتهم”.
وكتب الرئيس الفرنسي على منصة “إكس”: “تحتاج فرنسا إلى أغلبية واضحة للعمل بهدوء وانسجام. لقد فهمت رسالتكم، واهتماماتكم، ولن أتركها دون رد”.
أبرز الفائزين
فاز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، مما أدى إلى هزيمة ماكرون.
ظلت مجموعة حزب الشعب الأوروبي اليمينية هي الكتلة الكبرى في البرلمان، حيث حصلت على 13 مقعدًا أكثر مقارنة بعام 2019.
حصلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني على دور كصانعة ملوك في الانتخابات.
أبرز الخاسرين
كان أداء أحزاب الخضر في النمسا وألمانيا أسوأ بكثير مما كان متوقعاً.
خسرت مجموعة التجديد الليبرالية 20 مقعدًا مقارنة بعام 2019 في مختلف الدول الأعضاء.
الديمقراطيون الاشتراكيون في ألمانيا:
احتل حزب المستشار أولاف شولتس المركز الثاني مناصفة مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، خلف حزب الشعب الأوروبي.
النتائج الأولية
أشار التقدير الأول لنتائج الانتخابات الذي أصدره البرلمان الأوروبي، إلى أن حزبي الخضر وحزب التجديد الليبرالي سيخسران حوالي 20 عضوًا في البرلمان الأوروبي، مما قد يعرض للخطر الأغلبية المؤيدة لأوروبا اللازمة لدعم كبار المسؤولين ودعم قوانين الاتحاد الأوروبي.
وأظهر توقع صدر بعد منتصف ليل الأحد، أن حزب الخضر سيحصل على 53 عضوًا فقط في البرلمان الأوروبي، مقارنة بـ 72 في آذار 2024.
على ماذا تدل الأرقام؟
وتشير الأرقام إلى أن حزب النهضة، الذي يقوده ماكرون، تراجع من 102 مقعداً إلى 83 مقعداً. وقد دفع ذلك الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ الخطوة المفاجئة المتمثلة في حل الجمعية الوطنية في البلاد.
كما تصدر حزب (FPÖ) اليميني المتطرف الاستطلاع في النمسا، حيث ضاعف عدد أعضاء البرلمان الأوروبي إلى ستة بعد حصوله على 25.7٪ من الأصوات، وفقًا لتوقعات البرلمان الأوروبي.
وفي ألمانيا، من المتوقع أن يحصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزبه الشقيق الاتحاد الاجتماعي المسيحي على أكثر من 30% من الأصوات، وهو ما يعادل 29% في عام 2019.
وفي أحدث التوقعات، جاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في المركز الثالث بنسبة 14.2%، ارتفاعًا من 11% في عام 2019، وبفارق بسيط خلف الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة المستشار أولاف شولتس.
تشير استطلاعات الرأي بعد خروجهم من مراكز الاقتراع إلى أن أداء حزب “إخوة إيطاليا” الذي تتزعمه ميلوني، والذي ينتمي إلى تجمع المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليميني، كان أفضل بكثير من أداء معارضة الحزب الديمقراطي من يسار الوسط، والذي يقدر دعمه بنحو 23.7%.
ويبدو أن حزبي فورزا إيطاليا وليغا، وهما حزبان آخران في ائتلاف ميلوني الحاكم، لم يحققا نتائج جيدة، حيث حصلا على 10.5 و8% على التوالي.
وقد تأكدت هذه الاتجاهات اليمينية في إسبانيا، حيث من المتوقع أن يزيد حزب فوكساليميني الشعبوي تمثيله باثنين إلى ثلاثة أعضاء في البرلمان الأوروبي، في حين سيحصل القادمون الجدد من حزب “انتهى الحفل”، الذي تم تعريفه أيضًا على أنه شعبوي يميني متطرف، على أول نائبين أو ثلاثة أعضاء في البرلمان الأوروبي على الإطلاق، بعد خروجهم من البرلمان، بحسب استطلاعات الرأي.
ملفات شائكة
تطغى الهجرة والسياسات الخضراء والاقتصاد وحرب أوكرانيا على خطابات الكتل المختلفة.
وقد نجح اليمين في أوروبا في شمول القضايا المختلفة، وخصوصاً الهجرة والسياسات البيئية، إذ يتفق أحزاب اليمين الأوروبي على هذه القضايا، فيما يتباينون بشأن الموقف من الحرب في أوكرانيا، وخصوصاً الموقف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعلاقة بين ضفتي الأطلسي ومع حلف الناتو.
باتت قضية اللجوء في أوروبا، والتي تمّ تحويلها إلى قضية أمنية، تهدد المجتمعات الأوروبية وتتسبب بارتفاع أسهم اليمين المتطرف بشدّة، وخصوصاً بعد ارتباط العامل الديني والثقافي بالمهاجرين، وتصوير هؤلاء اللاجئين بأنهم باتوا يشكّلون تهديدًا أمنيًا وجوديًا للمجتمعات الأوروبية.
أما بالنسبة إلى السياسات البيئية، فقد استطاع اليمين أن يحوّلها أيضاً إلى قضية تمسّ أمن المواطن الأوروبي وأمنه الغذائي. وتستفيد الأحزاب اليمينية من قلق المواطنين من تكلفة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر وتوجسهم من السياسات المطبقة ضمن رؤية الاتحاد الأوروبي لخفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول 2040، إضافة إلى احتجاجات المزارعين الذين أغلقوا الطرقات بجراراتهم متهمين قوانين الاتحاد الأوروبي والبيروقراطية “غير المنتخبة والمنفصلة عن الواقع” في الاتحاد بالتسبب بخسارة أعمالهم وتضررها.
الحرب على غزة
كما ألقت الحرب في غزة بظلالها على أجواء الانتخابات الأوروبية، وبرزت مواقف حزب “فرنسا الأبية” في هذا الشأن في برنامجه الانتخابي، الذي طالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار في الشرق الأوسط وإنشاء ممرات إنسانية وعودة جميع النازحين وإنهاء حصار قطاع غزة فورا، ووضع حد للاستعمار غير القانوني في الضفة الغربية، والاعتراف بدولة فلسطين وسيادتها على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ودعم تشكيل حكومة فلسطينية واحدة تدير جميع الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وتكثيف جميع الجهود الدبلوماسية لإعادة إطلاق عملية السلام على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ودعا الحزب لدعم جميع المبادرات الدبلوماسية الرامية إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة لدى حركة حماس، وكذلك إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المحتجزين تعسفا من قبل حكومة بنيامين نتنياهو.
وطالب بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل طالما استمر احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإنهاء اتفاقيات التعاون مع الدول المعنية، وفقًا لأحكام محكمة العدل الدولية.
ودعا لفرض حظر على الأسلحة التي ترسلها دول الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل، والتي تستخدم في مذابح شعب غزة، ومعاقبة الأفراد والكيانات الذين تنتهك أفعالهم القانون الإنساني الدولي وقرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وحث حزب فرنسا الأبية على إحالة جميع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الضالعين فيها.
تباين اليمين حول أوكرانيا
بشكل عام، ينظر اليمين إلى الإنفاق الدفاعي الكبير باعتباره خسارة للاقتصاد، وأن من الأفضل الاهتمام بتعزيز الاقتصاد والرفاهية بدلاً من دفع مبالغ طائلة للإنفاق على تعزيز قدرات حلف الناتو، لكن حرب أوكرانيا أدخلت اليمين الأوروبي في انقسامات تجعله غير قادر على إدارة حركة موحدة، حتى لو كسب مقاعد إضافية في البرلمان الأوروبي، الأمر الذي سيمنحهم صوتاً أكبر في ذلك البرلمان، وفي الاجتماعات الرئيسية لوزراء الاتحاد الأوروبي، وفي قمم زعماء الاتحاد الأوروبي.
على سبيل المثال لا الحصر، تختلف مواقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن مواقف رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، وهي من أنصار العلاقات بين دول الأطلسي وتقوية حلف الناتو. وقد تعهدت بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية مستمرة لأوكرانيا، ومثلها الحزب اليميني السويدي الحاكم، فيما يرفض أوربان استمرار الدعم لأوكرانيا ويطالب بتسوية مع الروس، ومثله حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان.
في المحصلة، من الخطأ الاعتقاد أنّ اليمين الأوروبي هو كتلة واحدة متراصة، وأنه سيتخذ موقفاً موحداً من القضايا المطروحة أوروبياً، ولكن نجاحه وصعوده يؤشر إلى أن ناخبي الاتحاد الأوروبي لا يؤيدون سياسات حكوماتهم، وخصوصاً في فرنسا وألمانيا، حيث يعاني الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار أولاف شولتس من تراجع شعبيتهما.
الهوية والإسلام
وتسعى الأحزاب اليمينية إلى إبراز مسألة الدفاع عن الهوية المسيحية للمجتمعات الأوروبية مقابل ما تراه تهديدا من الكيان الإسلامي. ومنع تركيا والبلقان من الانضمام إلى الكيان الأوروبي يأتي في هذا السياق.
مثال جلي على ذلك أن حزب “الاسترداد” وضع على رأس القضايا العشر التي سيتصدى لها ما سماه “أسلمة أوروبا”. ومنع منظمة الإخوان المسلمين وإغلاق “المساجد الراديكالية”.
وتقول رئيسة الحزب ماريون مارشال في مقدمة برنامجها ” أنا أم لبنتين، ولا أرغب أن يصبح الإسلام دين الأغلبية، وأن تُكرَه ابنتاي على ارتداء الحجاب..” وأضافت “أنا أوروبية، وأرغب في الدفاع عن ثقافتنا وقيمنا وحضارتنا وجذورها المسيحية”.
من ناحيته، وعد حزب التجمع الوطني “بطرد المهاجرين غير الشرعيين والإسلاميين والمنحرفين الأجانب”. وبالتالي، هناك خلط مقصود في البرنامج الانتخابي للأحزاب المتطرفة، بما يعطي دلالة بأن الخطر مصدره هذا الثلاثي.
ملف الهجرة
ووضعت الأحزاب الهجرة في أعلى سلم اهتماماتها وذلك على النحو التالي:.
معالجة سياسية وأمنية واقتصادية
شدد أصحاب هذا التيار -ويشمل الأحزاب اليمينية المحسوبة على الوسط- على تعزيز دور الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) المكلفة بالسيطرة على الهجرة إلى القارة الأوروبية.
وطالب هؤلاء بنشر القوات البحرية في البحر الأبيض المتوسط لمنع الهجرة غير الشرعية.
مواقف متشددة.. الإغلاق والطرد
ومن خلال قراءة في برامج الأحزاب والكتل السياسية اليمينية، تتجلى عملية المزايدات في البروز بمظهر القوة في حسم موضوع الهجرة.
وقد دعا حزب التجمع الوطني إلى قصر حرية التنقل في منطقة شنغن على “مواطني الدول الأعضاء فقط” ووعد بـ”طرد المهاجرين غير الشرعيين والإسلاميين والجانحين الأجانب”.
مقاربة مختلفة
في المقابل، تناولت الأحزاب اليسارية ملف الهجرة بمقاربة مختلفة.
بالنسبة للحزب الاشتراكي، دعت قائمته (الساحة العامة) إلى ضمان “واجب الإنقاذ” للمهاجرين، بحيث يقوم الاتحاد “بتعبئة موارد الإنقاذ في البحر” و”إلغاء تجريم التضامن”.
كما دعت إلى إنشاء “آلية لتوزيع طالبي اللجوء بناءً على إرادتهم الحرة وعلى التضامن الفعال والإلزامي” مع إنشاء “تصريح عمل متعدد السنوات للعمال الموسميين مع تنسيق سياسات تأشيرة العمل”.