خاص: أخباركم أخبارنا
ألقت الحرب جنوبًا بثقلها على الاقتصاد اللبناني وماليته، واغرقت لبنان في بحر من الخسائر لتضيف إلى أزماته تحديات جديدة وأعباء مالية إضافية. فبينما كان من المتوقع أن يشهد الاقتصاد اللبناني مع نهاية العام 2023 تحسنًا طفيفًا، بددت حرب الاستنزاف التي فتحها حزب الله على الحدود الجنوبية هذه التوقعات.
تلك الحرب أضرت بالتعليم والاقتصاد والثقافة والسياحة وكل ما هو جيد للبنان، وشكلت ضغطًا جديدًا على المسار الاقتصادي المتهالك أصلاً.
مع اندلاع المواجهات بين الحزب وإسرائيل، عاد الوضع الاقتصادي ليتراجع مجددًا، وتركت المغامرات العسكرية التي يخوضها “ا ل ح ز” ب” آثارًا سلبية كبيرة على الاقتصاد من نواحٍ عدة. تضررت بسبب الحرب قطاعات أساسية تدر دخلًا لخزينة الدولة.
تراجعت التحويلات المالية من الخارج بشكل كبير، بعدما كان حجم التحويلات من الخارج قد وصل إلى 6.4 مليارات دولار وهي تشكل 27.5% من الناتج المحلي وفق تقديرات البنك الدولي. زعزعت الحرب الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان، مما أبعد المستثمرين وأضعف فرص التنمية الاقتصادية، ولا سيما في القطاعات المرتبطة بالسياحة التي تأثرت جميع القطاعات المرتبطة بها، فقد تراجعت حركة المطار بنسبة 25%.
تضرر القطاع التجاري أيضًا بفعل الحرب، ولا سيما المؤسسات والمحال التجارية في الجنوب، خاصة في مناطق المواجهات والقصف؛ إذ جميعها يعاني من حالة جمود كلي أو جزئي، بسبب نزوح أكثر من 88 ألف شخص من هذه المناطق. تقلصت حركة التجارة، واقتصر المواطنون على شراء السلع الضرورية فقط. سجل قطاع المطاعم تراجعًا بين 60 إلى 70% في تلك المناطق.
فضلاً عن ذلك، أسهمت الحرب جنوبًا بزيادة تكاليف الشحن والنقل البحري والتأمين. تضررت الصادرات والواردات اللبنانية نتيجة ما يجري في البحر الأحمر؛ إذ تعد الصين في المرتبة الأولى لناحية الواردات للبنان، والإمارات في المرتبة الأولى لناحية الصادرات اللبنانية، التي تتطلب المرور بقناة السويس والبحر الأحمر. تضرر المصدرون أيضًا بسبب التأخير الحاصل، وتضاعفت تكلفة حاويات الشحن، وفقًا للمعايير في لبنان، إلى 4000 دولار بعد أن كان متوسطها 2000 دولار عقب أحداث البحر الأحمر. قفزت تكاليف التأمين بنحو 700 في المئة على خلفية ارتفاع أقساط التأمين المرتبطة بمخاطر الحرب.
سببت المواجهات العسكرية في الجنوب نزوح ما يزيد على 88 ألف شخص حتى منتصف فبراير/شباط الماضي (2024)، وشكل النازحون الذين استأجروا المنازل ضغطًا على إيجارات الشقق السكنية، فارتفعت الإيجارات ما بين ضعفين إلى 5 أضعاف، وهذا زاد من الأعباء المالية عليهم، فضلًا عن خسارة جزء كبير منهم لأعمالهم وفقدان جزء من مداخيلهم.
أصيب القطاع الزراعي في جنوب لبنان بالشلل التام جراء القصف المتبادل بين الحزب وإسرائيل،و فاق عدد البلدات التي شهدت نشوب حرائق في أراضيها 55 بلدة موزعة على محافظتي النبطية والجنوب.كما دمرت الغارات الإسرائيلية نحو 800 هكتار من الأراضي الزراعية، وأكثر من 50 ألف شجرة زيتون عمر بعضها 300 عام، ونفق الآلاف من الماشية.
ادت حرب الجنوب الى خسائر كبيرة على قطاع الزراعة في لبنان اذ ان الجنوب يمثل 21.5% من المساحات المزروعة في لبنان، ويرفد سهلي مرجعيون والوزاني الواقعين في الشريط الحدودي المحاذي “لإسرائيل”، السوق المحلية بحوالي 30% من حاجتها. يؤمِّن القطاع الزراعي مصدر دخل لـ70% من سكان الجنوب اللبناني. وبفعل الحرب لم يتمكن المزارعون من الوصول إلى حقولهم لجني محاصيلهم.
وتعتبر محافظة النبطية ثالث أكبر قطاع مضيف للعمالة بنسبة 14% في المنطقة، وفق إحصاءات المؤسسة العامة لتشغيل الاستثمار. وتشكل نسبة أشجار الزيتون حوالي 85% من الأراضي المزروعة.
ومن التداعيات الخطيرة لهذه الحرب انخفاض مستويات التحصيل العلمي لدى الطلاب بسبب عدم الاستقرار وتعطل الدراسة في القرى الحدودية واضطرار الطلاب إلى الالتحاق بمدارس جديدة أو تلقي الدروس عن بعد، بعد توقف الدراسة لفترة ليست بقصيرة ما أضاع على التلاميذ جزءًا من المنهج الدراسي، وما شهده التعليم من انتكاسة انسحب على الحياة الثقافية والفنية بسبب الهجرة والدمار.
والحديث عن الهجرة والنزوح يستوقفنا عند النزوح السوري الذي كان ل” ا ل ح ز ب ” دورًا فيه، فهو ساهم من خلال تدخله العسكري في سوريا في تصعيد النزاع وتهجير الملايين. وأصبح لبنان يستضيف أكبر نسبة لاجئين مقارنة بعدد سكانه في العالم(2.5)مليون نازح. ويشكل هذا العدد الضخم ضغطًا غير مسبوق على الموارد والخدمات اللبنانية، وثمة كلفة مالية واقتصادية يدفعها لبنان جراء أزمة النزوح السوري، وبحسب بعض المعطيات الحديثة تُقدر الكلفة المالية على الاقتصاد اللبناني بمليار و700 مليون دولار سنويًا تتضمن مساهمة الدولة بالطبابة، والكهرباء، والصرف الصحي، واستهلاك البنى التحتية.
وشهدنا أبان انشغال لبنان بالوضع الجنوبي موجة مستجدة من النزوح السوري عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان التي يسيطر عليها “ا ل ح ز ب”.
لقد شكلت أزمة النزوح السوري عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على لبنان، وساهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية. والحزب لا يريد أن يعودوا إلى بلادهم، وأيضًا يسهل دخولهم عبر المعابر غير الشرعية، ويؤجج فتح البحر أمامهم نحو أوروبا في محاولة للضغط على الدول الغربية لمفاوضة بشار الأسد ورفع قانون قيصر عن سوريا، وهذا ما سبق وأعلنه السيد حسن نصر الله. وهذا يدل إلى أي حد يحتكر “ا ل ح ز ب” لبنان سياسيًالصالح ما يسنى جول الممانعة ، وهو الجهة الوحيدة أو الرئيسة التي يخاطبها الغرب – وغالبًا عبر نبيه بري – عندما يريد “ترتيب” ملف معين في لبنان، ومن ذلك ملف النازحين السوريين، تمامًا كما أنه الجهة الوحيدة الممسكة بقرار الحرب والسلم.
في ظل غياب الدولة واضمحلالها أمام “ا ل ح ز ب “، لا يعود مستغربًا “أن يغلق الحدود البرية مع سوريا وأن يفتح الحدود البحرية في اتجاه أوروبا”، أو يخوض حربًا على الحدود الجنوبية. ولكن تلك مغامرات أكبر من قدرة لبنان على تحمل تبعاتها السياسية والمالية والاقتصادية، خاصة في ظل انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق يشهده لبنان منذ عام 2019. وإذا طال أمد الحرب عندها سيحدث الانهيار الاقتصادي والمالي التام وسنكون أمام تداعيات اجتماعية وسياسية خطيرة، وهذا ما أكده معهد التمويل الدولي الذي أعلن أن الحرب الطويلة والممتدة ستدمِّر اقتصاد لبنان المنهك.
في ضوء هذه الظروف، نختم بالقول: إذا أردت البحث في خسائر لبنان من كل الجوانب، فما عليك سوى تتبع أثر “ا ل ح ز ب”.