كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”: يثير عالمون بالشأن الجنوبي اللبناني، أسئلة وتحليلات عن طبيعة المستجدات التي فرضت اخيراً على القوة الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) أن تعيد التذكير فجأة بدورها وبحضورها في ميدان عمليات عسكرية محتدمة ومفتوحة على الاحتمالات الخطرة، على طول الحدود اللبنانية – الاسرائيلية منذ اكثر من ثمانية أشهر.
إستهلالاً، يرى هؤلاء ان التذكير هذا أتى عبر طريقين:
- تسريبات إعلامية ذكرت أن وحدات هذه القوة أعادت تحصين مواقعها ونقاطها المنتشرة في بقعة عملياتها المحددة.
- عبر تصريحات متتالية، أطلقها متحدثون باسم القوة نفوا فيها ما يشاع عن أنها تحضّر لتقليص مهماتها وحصر مواقعها، وذكروا باأنها تضاعف جهودها لتنفيذ القرار الأممي 1701، وانها تعمل كوسيط بين لبنان واسرائيل لخفض منسوب التوتر والعنف على الحدود، لكنها تنفي تواصلها مع (ا ل ح ز ب).
ربما للمرة الـ 12 منذ اشتعال فتيل الأحداث الحدودية، تتحدث “اليونيفيل” عن مخاطر ارتفاع حدّة التوترات والتصعيد الحاصل، واحتمال أن يقود الى ما هو اوسع واخطر، وترفع لواء الدعوة الى حلول ديبلوماسية لانهاء جولات العنف المحتدمة منذ 8 تشرين الاول الماضي عبر اعلان وقف لاطلاق للنار.
وكان لافتاً تذكير هؤلاء بأن الصراع الدائر حالياً يشكل إنتهاكاً صريحاً للقرار 1701.
وفي رسالة ذات بعد، يشدد هؤلاء المتحدثون على أن لدى القوة تدابير قوية لضمان سلامة قوة حفظ السلام وانهم ما انفكوا قادرين على القيام بأدوارهم. “فنحن نراقب الوضع باستمرار ونبادر الى تعديله حسب الضرورة ولا تزال قوة حفظ السلام قادرة على اداء مهماتها على الارض ومواصلة تنفيذ القرار 1701”.
يؤكد عارفون بأوضاع “اليونيفيل” في الآونة الاخيرة بأن لا جديد نوعياً في تلك التصريحات والبيانات الصادرة عن هذه القوة وإعلامها اذ أن جلّه مكرر، لكن اطلاقه في هذا التوقيت بالذات هو بمثابة رسالة بالغة الاهمية تريد القوة اثباتها وإيصالها الى من يعنيهم الامر، داخلياً وخارجياً.
المعروف ان القوة ترسل هذه الرسالة بصوت عالي النبرة بعدما بدأ صوتها خافتاً بل خجولاً طوال الأشهر الماضية، مما روّج انطباعاً فحواه أن وجود هذه القوة حيث هي موجودة حالياً بات من لزوم ما لا يلزم، لا سيما بعدما فقدت فاعليتها وبعدما أصبح القرار الذي اتت للسهر على تنفيذه في حكم المجمّد وغير المعمول به، خصوصاً أن اسرائيل تواصل هجماتها على الجنوب، فيما فتح حزب الله وحلفاؤه، عن سابق تصور وتصميم، جبهة مواجهة مع الاسرائيليين، ورفضوا رفضاً قاطعاً كل الجهود المبذولة لتبريدها.
وعليه، ومع اقتراب شهر آب الذي يفترض أنه موعد تمديد مجلس الأمن السنوي لمهمات هذه القوة، كان يفترض بقيادتها أن تبادر الى التأكيد على المضامين الواردة في رسالتها الاخيرة والتي تتلخص في الآتي: - انها ما زالت تحتفظ بمواقعها وتؤدي دورها.
- اكثر من ذلك، فانّ بقاءها في بقعة عملياتها المحددة بموجب قرار انشائها (شمال الليطاني) لا يزال حاجة دولية لم تنتف بعد، على الرغم من كل ما طرأ من تطورات ومواجهات وتحوّلات عسكرية.
أبعد من ذلك، انها ما زالت قادرة على اداء مهماتها على الارض، لذا بدت رسالتها الاخيرة وكأنها عملية تحد ومواجهة. وهي في كل ذلك تريد ان تنفي عن نفسها ما أشيع عن أنها قلّصت دورها وحضورها، وانها آثرت التمركز في مواقعها، او انها في أحسن الاحوال بدت وكانها تؤدي دور الشاهد غير الفاعل على غرار الدور الذي ادته قوة “اليونيفيل” التي أتت الى لبنان في صيف عام 1978 بموجب القرار الدولي 425، والذي لم يحل دون اجتياحات وعمليات عسكرية متنوعة لم تنته إلا بعد انسحاب اسرائيل من لبنان في ايار عام 2000.
وهكذا، كان لزاماً على هذه القوة أن تعيد تظهير نفسها وتأكيد الحاجة إلى بقائها في بقعة عملياتها رغم أن ذلك محفوف بالمخاطر. وهي تؤكد أن دورها لم يمنع البعض من إطلاق النار على مقربة من مواقعها (المقصود بذلك حزب الله)، ولم يحل دون انهمار الصواريخ والقذائف على مواقعها (المقصود بذلك اسرائيل)، وهذا ما يعطيها شهادة على حياديتها في الصراع.
واقع الحال هذا، يكتسب اهمية خاصة لاعتبارين:
الاول، دنو موعد التمديد الروتيني للقوة في نيويورك.
الثاني، ارتفاع الحديث عن طريقة تنفيذ عملاني جديد للقرار الدولي 1701 على نحو يبعد مقاتلي (ا ل ح ز ب) الى ما بعد الشريط الحدودي كشرط لوقف النار، مع وضع ترتيبات اليوم التالي بعد توقف المدافع سواء في غزة أو الجنوب.
امام هذا السجال المستمر حول هذه النقطة، يرى الوزير السابق واستاذ القانون الدكتور زياد بارود “ان القرار 1701 لم يطبق يوماً بحذافيره من الجانبين (أي اسرائيل وحزب الله) منذ الشروع في تنفيذه في صيف عام 2006”.
ويشير الى أن التقارير السنوية التي يصدرها الأمين العام للامم المتحدة منذ إرسال “اليونيفيل” الى الجنوب، عددت نحو 52 خرقاً واسعاً للقرار إياه لا سيما من الجانب الاسرائيلي، لافتاً الى أن الخروق متنوعة، فمن خروق جوية، الى التعرض للمزارعين وخطف الرعاة، وخرق الحدود البرية.
واشار بارود رداً على سؤال، بأن ما ورد في الورقة الفرنسية التي عرضتها باريس على لبنان واسرائيل وقبلها الاقتراح الذي حمله الموفد الأميركي الخاص آموس هوكشتاين، قد اكد الدعوة إلى تطبيق مندرجات هذا القرار “لأن الخروج منه يعد مخاطرة كبرى”.
ولا يستبعد بارود إدخال تعديلات على هذا القرار حتى يتكيّف مع مرحلة ما بعد الأعمال والأنشطة العسكرية التي عصفت رياحها أخيراً.