كتب مصطفى أحمد: همسة صباحية.. جردة سريعة
من أعلن هذه الحرب في الثامن من اكتوبر، لم يحسب الامور بشكل دقيق، وكأن الزمن سبقه أو غدر به أو أن الاحداث والتطورات قد فاجأته. فقد فاته الكثير من الأمور وخاصة السياسية منها. وكأنه كان مضطرا لإعلان هذه الحرب، من دون أن تكون حساباته دقيقة، ومن دون أن يحسب حساب قدراته وإمكانياته، ومن دون أن يهتم بأوضاع لبنان واللبنانيين، ومن دون أن يأخذ سلسلة من العوامل الهامة التي كانت قائمة والتي استجدت خلال هذه الحرب بعين الاعتبار، الا وهي:
• العامل الأول: إمكانية أن تطول هذه الحرب لأشهر طويلة وما قد يعنيه ذلك، مع ما يرافق هذا الامر من خسائر مادية وبشرية كبيرة يصعب حصرها، ويصعب التحكم بمجرياتها، ويصعب تحمل مسؤوليته ، مع ما ستشكله هذه الحرب الطويلة والخسائر المرافقة لها من ضغوط على وضعه وعلى بيئته وعلى لبنان كدولة وكشعب
• العامل الثاني: العجز عن تنفيذ ما كان يطمح إليه من مشاركة العديد من الجبهات تحت شعار وحدة الساحات كي تخفف العبء عنه أكان من الناحية السياسية ام من الناحية العسكرية. وبالتالي وجد نفسه وحيدا والقي الحمل عليه لوحده وهو غير قادر على الرفض لأسباب كثيرة ومنها لماذا تكدس كل هذه الأسلحة إذا لم تستخدمها في هذه الحرب ؟، وبات ينؤ تحت هذا الحمل الثقيل رغم كل مظاهر المكابرة الاعلامية وعدم الاعتراف بذلك.
• العامل الثالث: أن يتحول شعار التضامن مع غزة إلى عبء ثقيل مع إطالة أمد الحرب من جهة، ومع شراهة العدو لتحويل الحرب الجارية على الحدود اللبنانية إلى حرب واسعة وشاملة مع الاقتراب من أنهاء الهجمات الواسعة والكبيرة في غزة من جهة ثانية .
• العامل الرابع: أن الاتكال على إيران في تقديم الدعم المباشر من خلال الانخراط في هذه الحرب، وخاصة اذا توسعت وتجاوزت قواعد الاشتباك المتوافق عليها مع إيران ذاتها، لتصبح حربا شاملة ، ثبت عقمه . لأن إيران تحسب الأمور بشكل جيد، وهي دائما مستعدة للوصول إلى تسويات مؤقتة في كل المجالات رغم المماطلة التي تبديها احيانا ، تسوية تحفظ فيها مصالحها ومصلحة نظامها.
• العامل الخامس: أن المراهنة على أن يؤدي الضغط الدولي وخاصة الضغط الأميركي إلى لجم الكيان الصهيوني عن استكمال حرب غزة حتى النهاية، وعن توسيع الحرب الجارية على الحدود اللبنانية إلى حرب شاملة ثبت وبالملموس عدم نجاعته . خاصة وأن أميركا في مرحلة حساسة جدا وهي مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي تخاض بشكل شرس بين شخصين وبين نهجين مما يجعل كل القضايا الأخرى في المرتبة الثانية من الأهمية وعلى الأقل خلال الأشهر القادمة التي تفصلنا عن هذه الانتخابات.
• العامل السادس: وهو العامل الذي يتعلق بالدعاية السياسية والإعلامية الاسرائيلية التي تضخم بشكل كبير الخطر الذي يمثله حزب الله بما يملك من أسلحة ومقاتلين على الكيان الصهيوني وإظهار عجز الدولة اللبنانية عن ضبط حدودها وذلك لتعبئة الرأي العام الدولي والرأي العام الداخلي لتقبل الخطوات القادمة وبشكل خاص العمل العسكري الواسع.
• العامل السابع: الذي يتعلق بالمناطق الشمالية في الكيان الصهيوني، والتي جرى نقل سكانها إلى مناطق آمنة. حيث تركز الآلة الدعائية الاسرائيلية، بما فيها “تحرك أو تحريك” أهالي هذه المناطق الذين يعلنون أنهم يرفضون العودة إلى بيوتهم، إذا لم يزال خطر حزب الله ، كي لا يقعوا ضحية ٧ أكتوبر جديدة .
وبالتالي يضع الكيان الصهيوني العالم أمام حلين:
الاول: الحل الديبلوماسي اي التوصل إلى اتفاق يبعد مقاتلي حزب الله مسافة كيلومترات إلى الخلف باتجاه جنوبي الليطاني من خلال مهمة الوساطة التي يتولاها المبعوث الرئاسي الأميركي هوكشتاين . وهذا يبدو من المستحيل تحقيقه كما يقال على البارد اي من خلال الضغوط السياسية والدبلوماسية. وبالتالي تطبيق القرار ١٧٠١ ونشر الجيش والقوات الدولية في هذه المناطق.
الثاني: الحل العسكري اي فرض انسحاب حزب الله ومقاتليه من المناطق الحدودية تحت الضغط العسكري الواسع والذي من المنتظر أن يتوسع ليشمل مناطق جديدة في لبنان . واذا نجح هذا الحل ، فهل سيبقى القرار ١٧٠١ هو الحل والمخرج ام سيخلق واقع جديد يتطلب قرارا جديدا يصدر عن مجلس الأمن ؟ وربما قد يتطلب بقاء القوات الاسرائيلية في المناطق التي ستحتلها إذا استطاعت ذلك وانشاء شريط حدودي
جديد. واسرائيل تمهد منذ اشهر لهذا الأمر من خلال تدمير القرى الحدودية اللبناني وتهجير أهاليها منها في ظل عجز الدولة ومؤسساتها عن رعايتهم وتقديم المساعدة لهم . مع الإشارة إلى أن قواعد الاشتباك التي اتفق عليها قد تغيرت بفعل مجريات الحرب التي قلنا إنها تفرز آلياتها …
نحن اليوم أمام معضلة حقيقة، فاستمرار الوضع كما هو على الحدود الجنوبية بات يشكل مشكلة للجميع بمن فيهم حزب الله. وهذا الوضع غير قابل للاستمرار إلى أمد غير محدد ومن دون أية آفاق سياسية. لذا علينا أن نتوقع كل الاحتمالات، والتي قد تخلق مشاكل من نوع جديد لم يكن يتوقعها أحد ولم يحسب حسابها بشكل دقيق. لكن عادة الخاسر الأكبر سيكون العنصر الأضعف في هذه الحرب.
أنها جردة سريعة تظهر مخاطر التسرع والاستسهال في توريط البلاد والناس في حرب يعرف المرء متى تبدأ ولكنه لا يملك قرار إيقافها عندما يشاء. لقد بات قرار إيقاف هذه الحرب وبكل اسف في يد الكيان الصهيوني والثمن المقابل سيكون كبيرا.