كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
كان أمراً ينطوي على مفارقة كبرى، أن تبادر “الجماعة الاسلامية” التي تقاتل على الحدود الجنوبية مع محور المقاومة منذ نحو 10 اشهر، وأن توفد وفدين، واحد الى مقر حزب القوات اللبنانية في معراب وآخر الى بيت الكتائب في الصيفي، فكيف جمعت بين النقيضين، ومن أين لها الجرأة للإقدام على هذا الفعل؟
الجماعة التي يعود تأسيسها الى خمسينيات القرن الماضي، وجدت نفسها أخيراً وفجأة في دائرة الاضواء الساطعة، وهي التي اختارت الانكفاء والستر، خصوصاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، ومن ثم انطلاق مرحلة “الربيع العربي”.
ظهور الجماعة كان عبر أبواب ثلاثة:
- الظهور الى جانب حركة “حماس” التي تتشارك واياها في المنبت والرحم الواحد، التي قررت عبر “طوفان الاقصى” خوض تجربة غير مسبوقة.
- أعادت الجماعة الاعتبار الى ذراعها المقاوم المعروف بـ “قوات الفجر”، الذي تأسس عام 1982 وخاض مواجهات مع الاحتلال آنذاك، وما لبث هذا الاطار ان كشف عملياً عن وجوده على الحدود ومشاركته في انشطة عسكرية، لا سيما في منطقة العرقوب حيث للجماعة حضور تاريخي، ومن هناك حجزت الجماعة لنفسها مكاناً في معادلة الصراع. على الاثر، تنبه الاسرائيليون إلى دور الجماعة وجعلوا من كوادرها أهدافاً للاغتيالات بالمسيّرات على غرار ما يتبعونه مع مقاتلي (ا ل ح ز ب) في الجنوب.
- خسرت الجماعة الى الامس القريب اكثر من 20 مقاتلاً، بينهم قياديون محترفون ومخضرمون، كان آخرهم أيمن غطمة من بلدة لالا في البقاع الغربي، الذي قضى بمسيّرة استهدفته وهو على طريق المصنع.
وهكذا اقتحمت الجماعة بحضورها العسكري المسرح السياسي المثقل بالتناقضات والصراعات والهواجس المتبادلة، خصوصاً حيال قضية بمستوى الانخراط في هذا الصراع مع اسرائيل. وكان لزاماً عليها ان تقدم دفاعاً عن هذا الفعل الجريء، وان تستحصل في الوقت نفسه على براءة ذمة “تنزهها” عن “الأطماع السياسية” الداخلية.
وبمعنى آخر، كان على الجماعة ان تقدم اثباتات كافية تنفي فيها عن نفسها “شبهة” الانتماء الى محور المقاومة بقيادة ايران، وهو امر لم يكن سهلاً، خصوصاً بعدما صار مقرها المركزي في محلة الملاّ في قلب بيروت محجة للسفير الايراني ولكل القيادات التي لا تكتم انتماءها الفجّ الى المحور اياه.
وكان لزاماً عليها اكثر، أن تقدم دفوعات اخرى تنفي نيتها “الهيمنة” على ساحتها السنية، وانها استطراداً لا ترغب ولا تطمع في أن تأخذ مكان جهة او قوة حاضرة في هذه الساحة. ولا شك في أن التحدي قد كبر على الجماعة عندما ساهم كثر في نشر مقولة فحواها أن الساحة السنية التي اعتدلت في الأعوام الماضية، في طريقها للعودة الى المرحلة السابقة عبر هذه الجماعة التي استعادت بريقها وحضورها وجاذبيتها بفعل دورها في المقاومة.
لذا، وفيما كان الأمين العام للجماعة الشيخ محمد طقوش يظهر قبيل ايام مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وللمرة الاولى تحت عنوان التنسيق جنوباً، تكشفت معلومات عن وفدين للجماعة حط أحدهما في معراب، فيما قصد الثاني البيت المركزي لحزب الكتائب في بيروت.
حراك مميز يقع خارج القواعد المألوفة للعلاقات السياسية اللبنانية، يفصح عن رغبة لدى الجماعة في تكريس تجربة جديدة في ساحة سِمتُها الأساس الانقسام والقطيعة بين مكوّناتها.
لكن قيادة الجماعة لا تجد في الأمر أي مفارقة تستدعي الاستغراب، ويقول نائب الأمين العام لـ”الجماعة” الشيخ عمر حيمور، إن اداءنا هذا القائم على الجمع بين ممارسة فعل المقاومة والإنفتاح على شركاء في الوطن لهم رأيهم الخاص، نراه امراً طبيعياً. فنحن سبق واكدنا في وثيقة سياسية، صدرت عن الجماعة في العام 2017، أننا بتنا في حل من أي قطيعة مع أحد بصرف النظر عن توجهاته.
ورأى أن وضع البلاد السياسي والامني، يفرض علينا التفريق بين الاختلاف في الرؤى السياسية وبين التعاطي مع الشريك وموجبات الانفتاح عليه والتحاور معه والاستماع الى مخاوفه.
واستطرد الشيخ حيمور: “إن الاختلاف لا يلغي في نظرنا الحاجة إلى الحوار والكلام، بل ان الحاجة الى التواصل يصير أكثر الحاحاً وضرورة عندما يصل المشهد السياسي الى هذا المستوى من التعقيد والاحتقان”.
ويخلص حيمور الى القول: “هذا لا يعني إطلاقاً تراجعاً عن النهج الذي اخترناه لمواجهة الاحتلال في الجنوب، فنحن نؤكد دوماً أننا نشارك في المواجهة دفاعاً عن القضية الفلسطينية المحقّة، وعن سيادتنا الوطنية بالتشارك والتنسيق مع آخرين. نحن اكدنا ونؤكد مجدداً، بأنه عندما يتفق الجميع على استراتيجية دفاعية مشتركة وينخرطوا فيها، فإننا سنكون من ضمنها بالتأكيد، ولن نقبل بأن يبقى أحد خارج تلك المعادلة الوطنية”.