أخباركم – أخبارنا
إستذكرت الدائرة الثقافية في القوات اللبنانية، الروائي جبّور الدويهي،كــ”أمير الغيوم”، بحسب تشبيه بودلير للشاعر في قصيدته الشهيرة “القطرس”، الطائر البحري المحلق عالياً وبعيداً في السماء. هكذا هو جبور الدويهي. حلق عالياً في سماء الرواية.
مستحيل أن تختصر الدائرة الثقافية، عالم جبور الدويهي الشاسع والمتعدد الحكايات والقضايا والشخصيات والتقنيات والأساليب في هذه النبذة القصيرة، هذا العالم الذي تفرد به الروائي، وبناه رواية تلو أخرى. ولكن من الواضح أن عالم الدويهي يقوم على ركائز معينة وخاصة به، يُمكن ان نلخّصها بالآتي: هو عن حقّ روائيّ الحياة اللبنانيَّة. فكلّ شخصيّاته مُصابة بِفِصامات الهويَّة اللبنانيَّة وعُصاباتها، وكلّ أمكنَتِه كنايات عن لبنان: بَرقا الممزَّقة بفعل صراع الزعماء، والمتروكة تُلَملِم جراحها عند تصالحهم، في مطر حزيران، أليسَت لبنان؟ منزل عَين ورده “المعطَّل” بفعل وقف ذريّ، وورَثة لا يُجيدون التفاهم والحوار، ألَيْس لبنان؟ وكرم المحموديَّة الذي تنتصر لعنته المتوهَّمة على خصبه الفعليّ في مَلِك الهند، أليس لبنان؟
رواياته التي تتقصّى مكوّنات “اللبنانيَّة” في أدقّ تفاصيلها من المعمار إلى المطبخ، مرورا بالمعتقدات الدينيَّة والأمثال الشعبيَّة وتصوّرات الجماعات بعضها عن بعض، ينهيها جبور الدويهي بأسئلة معلَّقة، بعد أن يفرشَ بيننا وبين معتقداتنا وقناعاتنا ولبناننا، مسافة غير حميمة. مسافة لا بدّ منها كي يدخل كل منّا إلى لبنان تعدديّ، نقديّ، حداثيّ.
ولد جبّور الدويهي في بلدة زغرتا شمال لبنان، وتعلم في مدارس طرابلس، وحصل على إجازة في الأدب الفرنسي من كلية التربية في الجامعة اللبنانية في بيروت، وشهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة باريس الثالثة (السوربون الجديدة) وعمل أستاذا للأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية حتى تقاعده، وكان كاتب افتتاحيات وناقداً أدبياً في مجلة “لوريان أكسبرس” ومن بعدها في الملحق الأدبي لصحيفة “لوريان ليتيرير” الصادرتين بالفرنسية في بيروت.
وقد افتتح الدويهي حياته الإبداعية بمجموعة قصصية بعنوان ”الموت بين الأهل نعاس” 1990، ثم أتبعها بعدد من الروايات منها: “اعتدال الخريف” 1995. “ريّا النهر” 1998. “عين ورده” 2002. “مطر حزيران” 2006. “شريد المنازل” 2010. “حي الأمريكان” 2014، “طبع في بيروت” 2016. “ملك الهند” 2019. “سمٌّ في الهواء” 2021. وأصدر للفتيان رواية “روح الغابة” 2001 باللغة الفرنسية. وترجمت أعماله إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والتركية والمقدونيَّة والأوكرانيَّة وغيرها.
وقد نال جبّور الدويهي عددا من الجوائز منها: جائزة الأدب العربي 2013 عن رواية “شريد المنازل” وجائزة سعيد عقل 2015 عن رواية “حي الأمريكان” وجائزة أفضل عمل مترجم من جامعة أركنساس في الولايات المتحدة عن رواية “اعتدال الخريف” وجائزة “سان إكزوبيري” الفرنسية لأدب الشباب عن رواية “روح الغابة”. ورشحت أربع من رواياته للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” وهي:”مطر حزيران” للقائمة القصيرة في دورتها الأولى عام 2008 ، و”شريد المنازل” للقائمة القصيرة عام 2012 ، و”حي الأمريكان” للقائمة الطويلة عام 2015، و”ملك الهند” للقائمة القصيرة عام 2020.
كلمة الحق تقولها الدائرة الثقافية: إذا ما اعتبرنا أن المثقف، وفق مفهوم جان بول سارتر، هو الإنسان المتنوّر الذي قد يكون كاتباً، فيلسوفاً، عالماً، أستاذاً… المسلّح بمعرفته، وعلمه أو كفاءاته، وذات التوجّه الكوني في الدفاع عن قضايا محقّة، فإن هذا التصنيف منطبق على جبّور الدويهي رحمه الله.