كتب جورج حايك
قبل أيام كان رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية المرشّح الجدي الوحيد لرئاسة الجمهورية، لكن بعد التقارب بين قوى المعارضة و”التيار الوطني الحر”، تغيّر المشهد السياسي على نحو لافت، ولم يعد فرنجية وحيداً على الساحة الرئاسيّة، إذ على الأقل، بات إسم جهاد أزعور لا يقل جديّة، وتحول الى مرشًح “تحد”، وسيجد الثنائي الشيعي نفسه محرجاً في حال لم يدع إلى جلسة انتخابية في مجلس النواب خلال شهر حزيران.
قبل فرنجية، كان إسم ازعور يُطرح في المعركة الرئاسية من منطلق “تسوية” لأنه شخصية أكاديمية متخصصة بالشأن المالي والاقتصادي، لكن بورصة طرح الأسماء منذ عام حتى اليوم، تقدّمت حظوظ أزعور وتراجعت أكثر من مرة، إلا أن هذه المرة تبدو الأمور مختلفة. فالمعارضة التي تحسّست خطورة احتمال انتخاب فرنجية، عقدت العزم ونزلت مكوّناتها عن الشجرة، وتوافقت على خوض الانتخابات بأزعور بعدما لعب النائب غسان سكاف دوراً في تقريب وجهات النظر من جهة، ونجح النائبان جورج عطالله وفادي كرم في تقريب المسافات بين “التيار” و”القوات” من جهة أخرى، والإسم المشترك أزعور. مع ذلك، لا تزال الثقة مزعزعة في بعض الجوانب، والطرفان يطالبان بضمانات، ولو كان باسيل معروف أكثر بمراعاة مصالحه الخاصة، وتجنّبه اغضاب “حزب الله”، لذلك يُنتظر قرار واضح ومعلن من “التيار” يوم الثلاثاء، إذا كان سيخوض المعركة الرئاسية بأزعور!
في المبدأ كان الثنائي الشيعي الذي رشّح فرنجيّة علناً، يُطالب الفريق الآخر بمرشح جدي لفتح ابواب مجلس النواب وخوض اللعبة الديموقراطية. وهناك شكوك في أن الثنائي كان يناور، ويضع الكرة في ملعب الآخرين، وهو لا يحتمل أي منافسة أو لعبة ديموقراطية دستورية، وتاريخه يشهد على ذلك، إذ عطّل الاستحقاق الرئاسي عامين قبل أن ترضى أكثرية القوى السياسية بانتخاب ميشال عون رئيساً عام 2016!
لذلك لا يجوز التفاؤل كثيراً بأن الرئيس نبيه بري سيحدد موعد جلسة انتخابية قريبة، أو سيبادر الثنائي الشيعي كالعادة إلى الانسحاب من الجلسة قبل الدورة الثانية لإفقاد النصاب. ومن المتوقع إذا جرت الجلسة أن يفوز أزعور بالنصف زائداً واحداً من دون أن يأخذ صوتاً شيعياً واحداً، ولا سيما إذا اتخذ الأمر منحى التحدي، مما سيدفع الثنائي الشيعي إلى التلويح بالافتقار إلى الميثاقية، علماً أن الميثاقية، وفق الدستور، هي بين المسلمين والمسيحيين، وليست بين الشيعة والسنّة والموارنة!
على أي حال، لا شيء يؤكد أن أزعور سيقبل بأن يكون رئيس تحد، وقد سارعت مصادره إلى تسريب مواقف سلبية كرفضه أن يكون مطية للإطاحة بفرنجية، حيث تستطيع المعارضة من خلاله إلى تحقيق ما عجز عنه ميشال معوض.
ومن الواضح ان ازعور يفضّل ان يكون رئيس “تسوية” أكثر من رئيس “مهمة”، لذلك يريد جسّ نبض الثنائي الشيعي محاولاً استكشاف مدى قبوله بترشيحه.
وزيارة أزعور الأخيرة إلى السعودية ستكون مؤشراً لموقفها من ترشيحه، بحيث توفّر له الدعم الدولي وربما غطاء الاتفاق السعودي – الايراني، مما سيسهّل له المهمة على نحو كبير. والأيام المقبلة ستحدد مصير ترشيح أزعور من المعارضة.
أمام هذا الوقع، من حق اللبنانيين أن يتعرفوا على جهاد أزعور أكثر، فهو حالياً مدير لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. أشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز، فكسب الكثير من الخبرة في إدارة اقتصادات الدول النامية وغير المستقرّة سياسياً واقتصادياً وفي كيفيّة النهوض بها وإنقاذها، خاصة وأنّ المنطقة المسؤول عنها لا تزال تعرف الكثير من عدم الاستقرار السياسي والانهيارات الاقتصاديّة. يقع لبنان جغرافياً في دائرته، لكنّه ليس مسؤولاً عنه لأنّه لبناني، غير أنّه لا ينأى بنفسه عن أزمة بلاده.
هو من مواليد 1966. ابن سير الضنّيّة وابن شقيقة الراحل جان عبيد. يحمل درجة الدكتوراه في العلوم المالية الدولية ودرجة علمية عليا في الاقتصاد الدولي والعلوم المالية، وكلاهما من معهد الدراسات السياسية في باريس. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قام بأبحاث حول الاقتصادات الصاعدة واندماجها في الاقتصاد العالمي حين كان زميلاً لما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد. وللدكتور أزعور كتب ومقالات منشورة حول القضايا الاقتصادية والمالية، كما أن لديه خبرة طويلة في التدريس. أتى به جورج قرم إلى وزارة المال حين كان وزيراً للمال (1998-2000)، فكان مديراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في الوزارة.
بعد تسمية فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، شغل الدكتور أزعور منصب وزير المال من عام 2005 وحتى 2008، وهي الفترة التي قام خلالها بتنسيق تنفيذ مبادرات مهمة للإصلاح، منها تحديث النظم الضريبية والجمركية اللبنانية. وفي الفترة السابقة على عمله وزيراً للمال ثم الفترة اللاحقة لها، تولى مناصب في القطاع الخاص، منها عمله في شركة ماكينزي وبوز آند كومباني، حيث كان نائباً للرئيس والمستشار التنفيذي الأول. وقبل انضمامه إلى الصندوق الدولي في آذار 2017، كان مديراً شريكاً في شركة إنفنتيس بارتنرز للاستشارات والاستثمار.
وانطلاقاً من هذه المسيرة المهنية الكبيرة لجهاد أزعور، نرى أنه تنطبق عليه مواصفات الرئيس الإنقاذي نظراً إلى علاقاته الدولية الكبيرة، ومثل هذا البروفيل يحتاجه لبنان لإنجاز إصلاحات، وعلى طريق التفاوض مع صندوق النقد.
طبعاً هناك من يعارض أزعور لأسباب سياسية. لكن الرجل يحظى بثقة خارجية، ولا شيء يستبعد وصوله إذا حصل توافق اقليمي دولي عليه، وهناك شعور لدى القوى السياسية اللبنانية، بأنه إذا لم يتم الاستحقاق الرئاسي خلال شهر حزيران، فمن المتوقع أن يطول الشغور الرئاسي وسيدخل لبنان عندها في المجهول.