كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1754 على بدء ثورة الكرامة
لا حرب شاملة، هذه خلاصة مواقف محور الممانعة من الضاحية الجنوبية إلى طهران. لكن المنطقة أمام حرب إستنزافٍ طويلة، من ضمنها “مواجهة قد يطلق عليها “أيام قتالية” وفق “الأخبار”، وتالياً فإن “المسار العام الذي ستسلكه المنطقة يتجه نحو مزيد من الصراع والعنف والمعاناة وإنعدام الأمن”، كما قالت الخارجية الأميركية!
بداية ان تصويب القراءة تفترض عودة للوراء قبل الإشارة إلى أي موقف أطلق خلال التشيعين في طهران والضاحية. لكن لفت الإنتباه أن نصرالله أغفل كلية ذكر بيروت العاصمة، والمستهدف ضاحيتها، وأغفل أي ذكر لبلد إسمه لبنان. توازياً واصل العدو الغطرسة والتشاوف بإنجازاته من الحديدة إلى الضاحية وطهران، ووفق إبراهيم الأمين في الأخبار “وجد أنها اللحظة المناسبة لأن يعلن جيشه أنه تثبت، الان، من نجاح عملية إغتيال رئيس أركان كتائب القسام المجاهد محمد الضيف”. تتم هذه الغطرسة في زمن يعيش فيه “محور الممانعة تحت وطأة حالٍ من الإحباط واللايقين وفوضى الرؤى حول كيفية الرد على الضربتين الثقيلتين التي نجحت تل أبيب في توجيههما إلى رأس المحور”، وفق التوصيف الذي قدمه إبراهيم بيرم في “النهار” وهوالمطلع على مواقف الفريق الممانع.
نعود إلى خطاب مجرم الحرب نتنياهو أمام الكونغرس، عندما تجاهل كلية الإشارة إلى مبادرة الرئيس بايدن لوقف النار في غزة، وزعم أن إسرائيل تقاتل البرابرة نيابة عن العالم الحر، وقال أيضاً أن إيران هي رأس هذا المحور. عشرات ألوف الأطفال الذين سفكت دماؤهم في حرب التوحش الصهيوني هم إذن البرابرة، فنال خطاب الكذب لحظات من التصفيق وقوفاً من المشرعين الأميركيين، ما إعتبره نتنياهو شك على بياض لنهجه الإجرامي، نهج المضي في الحرب والإستثمار فيها شراء للوقت وحماية لموقعه السياسي.
ما حصل منذ ليلة 27 تموز الماضي حمل إهانة شديدة لنظام الملالي ومحوره، فوضعته إغتيالات إستهدفت “رأس المحور” أمام تحدٍ لا يريده، فإن ذهب إلى الحرب الشاملة فإن إسرائيل بالإنتظار، وسيكون الطرف الذي تسبب بأن تنخرط الولايات المتحدة ومعها قوى الناتو في هذه الحرب، وهذا هو الهدف الأبعد لنتنياهو ويعكس جوهر خطابه أمام الكونغرس، وحرب من هذا النوع لن يستمر النووي الإيراني بمنأى عنها وهذا ما تخشاه طهران.. فحدث التأكيد بأن لا شريك للعدو في الذهاب إلى الحرب الشاملة. لكن لا أحد يمتلك القدرة على وقف حرب الإستنزاف المستمرة مواكبة لحرب التوحش على غزة تحت سقف الحرب الشاملة!
طويلة حرب نتنياهو، إنه يشتري الوقت لأن مصيره السياسي مرتبط بهذه الحرب. يريد أن يقدم نفسه بصورة “البطل” ، وهو وجه عقيدة الإغتيالات الثابتة في أداء العدو. أما إيران التي لا هاجس لها إلاّ الوصول إلى صفقة سياسية تمنحها الإعتراف الغربي بالقدر الأكبر من النفوذ في المنطقة، فهي أمام إستحقاق حرب طويلة ومعقدة وصعبة تؤثر على إدارتها “وحدة الساحات” التي تربك العدو الإسرائيلي، لكنها تحاذر الإنزلاق إلى حرب واسعة. و”التشاور” الجاري الآن في طهران مع حماس والجهاد والحوثيين والحشد العراقي وحزب الله وآخرين، هو للإنتقال إلى مرحلة “التنسيق الكامل”، الأمر الذي سيظهر من خلال شبكة ردود على إسرائيل تنطلق من إيران واليمن ولبنان والعراق. إنه تنسيق الرد على الإغتيال الكبير، وهو أمر أكده مضمون خطاب نصرالله عندما أشار إلى أن الجبهة قد تشهد تعديلات في الآليات المتبعة.. كما فصل بشدة بين الحساب المفتوح مع إسرائيل رداً على إغتيال شكر وأخرين من قادة المقاومة الإسلامية، وجبهة الإسناد التي يبقى مصيرها رهن إستمرار العدوان على غزة.
منحى الرد المنسق جزمت واشنطن بحدوثه وأنه سيتم خلال أيام، وكان محور الإتصال أمس بين بايدن ونتنياهو، حيث تم الكشف عن ” عمليات نشر عسكري دفاعي لدعم إسرائيل ضد تهديدات الصواريخ والطائرات المسيرة”. غير أن أثمان هذا الإستنزاف لم يتم التوقف عندها، فما ينزل ب”الساحات” من ويلات ليس أكثر من خسائر جانبية بالنسبة لنظام الملالي ومحوره. يعني سقوط نحو 600 قتيل في لبنان، وركام البلدات الحدودية وصل البحر بتخوم جبل الشيخ، وهجرة قسرية لنحو 150 ألفاً والعدد إلى إزدياد، وخسائر فلكية في بلدٍ منهك فقراً وجوعاً ومرضاً ليست إلاّ خسائر جانبية! فيما لا تكفي الأبجدية لوصف ما حل بغزة وأهلها!
وبعد، لم يعد ممكناً التغطية عن الجهة – المحور، المسؤولة عن شقاء اللبنانيين الذين تحاصرهم من جهة المجاعة نتيجة منهبة منظمة، يُسأل عنها كل من تسلم موقعاً ومركزاً أقله منذ عقدين من الزمن، ومن الجهة الأخرى وضع البلد أمام خطر إبادة نتيجة حرب “مشاغلة” العدو التي إرتدت دماراً عميماً.. لا بديل عن الدولة التي تحمي كل شعبها وتصون حياته وحقوقه. هي اليوم دولة مؤجلة بعد الإنكشاف المريع لكل الطبقة السياسية، “معارضة” نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، كما موالاته.. وعلى النخب وأكثرهم لم يتلوث، رفع هذا التحدي!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.