كتب ميشال ن. أبو نجم لـ “أخباركم – أخبارنا”
لا يمكن اللبنانيون أن يحبسوا فرحتهم ولو كانت ناقصة، ولو كانت شكوكهم مشروعة طالما أن التجارب القضائية – السياسية قد أبقت على حماية رياض سلامة وحمَته من مداهمات الأجهزة الأمنية مراراً، وبوقاحة.
ذلك أن رمزية أن يخرج حاكم المنظومة المصرفية – السياسية مخفوراً بالأصفاد، فتحَ نافذة لمجتمع بالغ الإزدواجية في تعامله مع معضلاته وأزماته.
فور شيوع الخبر، تواترت معلوماتٌ من متابعين للقضايا المتهم بها سلامة عن أنه ما كان المدعي العام التمييزي جمال الحجار ليتجرأ على توقيف الحاكم السابق للمركزي، لو لم يكن الغطاء الدولي قد أزيح عن سلامة. المتابعون أنفسهم، أكدوا أن هناك ضغوطاً دولية مما وراء البحار قادمة إلى لبنان، خاصة وأن سيف الملاحقات القضائية الخارجية لم يُرفَع قطْ.
وأصحاب النظريات التفاؤلية، أو التحليل المفرط، ربطوا بين التوقيف والضغط في ملف رئاسة الجمهورية. نضرِب قفل المنظومة ومحاسبها، فتتراجع عن تشددها في مرشحها، وتنصاع لتسوية تتيح خرقاً في جدار الأزمة. والشعب اللبناني لا ينقصه هوس التحليلات وبناء النظريات، لكنه هذه المرة غلبه التشكك من كيفية استكمال خطوة سلامة.
حتى الساعة، يتوقّف مصير سلامة على مدى الأيام الثلاثة القادمة، حيث يتقرر مصيره وما إذا كان سيُخلى مجدداً أو تتصاعد الضغوط لإطلاقه، أو تم توقيفه من بوابة قاضي التحقيق في استئنافية بيروت. هو مسار قضائي يتداخل بقوة مع السياسة، وكيفية التعاطي مع الملف المتفجر المتمثل بأوبتيموم والسرقات التي تم التحدث عنها، التي بلغت رقماً فلكياً بمليارات الدولارات. في السابق، عملت المنظومة القضائية كل ما بوسعها لسحب ملف “أوبتيموم” من يد القاضية الشجاعة غادة عون، وبالتالي يبرز تخوف إضافي من أن تكون “إباتة” سلامة في جناح للضباط في مقر قيادة الأمن الداخلي، حمايةً له من توقيفاتٍ قضائية.
في الجانب السياسي، تصدّر التيار الوطني الحر ردود الفعل المرحبة ولو بحذَرْ. قيادته ونوابه وكوادره ذكّروا بجهود غادة عون وعضو المجلس السياسي وديع عقل التي لم تتوقف لملاحقة سلامة وعموم الإرتكابات المصرفية. ورد فعل رئيس “التيار” جبران باسيل، استعمل منهجية استذكار الحملات السابقة والمتواصلة على “التيار” ومحاولة تيئيسه، تماماً كما في فترة السيطرة السورية. فأكد باسيل في تصريح له على “إكس”: “هذه أمثولة لكل من قال لنا يومًا:” وهل مازلتم تأملون بتوقيف رياض سلامة؟ ألا زلتم ساذجون لتصدّقوا ذلك؟” وأضاف: “نعم، ثقوا أن الحقيقة تعلو والعدالة تنتصر في النهاية. هذا طريق طويل لاحقاق نظام المحاسبة والعدالة… ولكن ننبّه من التراجع لأننا لن نسكت ولن نستسلم”.
وعلى مثال باسيل، أُصدرت التصريحات من النواب والكوادر والناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي، الذين دعموا كل من عون وعقل مذكرين بما فعلاه منذ أول أيام ما عُرف ب”17 تشرين”.
وبالتوازي، كان رد الفعل حتى مساء الثلثاء، خجولاً من القوى السياسية الأخرى، باستثناء خروقات من بعض نواب “المعارضة” الآتين من رحم “المجتمع المدني” كالنائب مارك ضو الذي جدد إشارة دعم للقاضية عون، والنائب وضاح الصادق الذي تكلم بالعموميات عن الفساد و”المنظومة”. وما عدا ذلك، غطّت القوى السياسية في سبات عميق، وكذلك معظم وسائل الإعلام المرعية من سلامة والمنظومة المصرفية، و”كأن على رأسها الطير” مع توقيف حاضنها الأكبر.
على أن توقيف سلامة، لا يخلِق توهماً بكسر المنظومة المصرفية العميقة في لبنان المستمرة في ابتداع الخطط “للتعافي” المصرفي، لما هو صالحها فقط على حساب المودعين. في المقابل، تواجه المنظومة السياسية سلسلة من التحديات من بوابة سلامة، الذي يمكن أن يشكل منفذاً جديداً لها، أو لوضع سيف جديد على مسافة قريبة من استحقاقات قادمة، وتجاذبات متواصلة مرتبطة عضوياً بحرب غزة وتداعياتها.