كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا”
قبل شهر تقريباً ذهب وفد من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لزيارة قبر وديع حداد في العراق، مذكراً بزمن جميل كان فيه مقاتلو الجبهة خلف العدو في كل مكان.
من هو وديع حداد، المولود في مدينة صفد الفلسطينية عام 1927؟
هو أحد الشخصيات البارزة في تاريخ الكفاح الفلسطيني. يُعتبر حداد من القادة المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان مسؤولاً عن العمليات الخارجية للجبهة، التي تركزت على ضرب المصالح الإسرائيلية والصهيونية في الخارج، بالإضافة إلى استهداف القوى المتحالفة مع إسرائيل.
تاريخ ونشأة وديع حداد:
- الميلاد والنشأة: وُلِد وديع حداد في صفد بفلسطين عام 1927، وهرب مع عائلته خلال نكبة 1948 إلى لبنان، حيث أكمل تعليمه هناك. انتقل لاحقاً إلى الجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الطب، وهناك التقى بجورج حبش، وأصبحوا شركاء في تأسيس حركة القوميين العرب.
- النشاط السياسي: بدأ نشاطه السياسي في إطار حركة القوميين العرب، ولكنه سرعان ما انتقل إلى العمل الثوري المسلح بعد أن اقتنع بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. شارك حداد في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 بعد حرب يونيو، وتولى مسؤولية القيادة العسكرية فيها.
- وديع حداد (1927-1978) هو أحد الشخصيات البارزة في تاريخ النضال الفلسطيني، ويُعتبر أحد المؤسسين الرئيسيين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولد حداد في مدينة صفد في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني، وانتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 1948.
- التعليم والخلفية الأكاديمية: تلقى حداد تعليمه الثانوي في لبنان، ثم انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الطب. في الجامعة، تعرف على جورج حبش، الذي أصبح لاحقًا أحد أبرز زملائه في العمل السياسي والنضالي. بينما لم يكمل حداد دراسته في الطب، إلا أن فترة وجوده في الجامعة كانت مرحلة مفصلية في تشكيل وعيه السياسي.
- النشاط السياسي والنضالي: في الخمسينيات، شارك حداد مع جورج حبش في تأسيس حركة القوميين العرب، التي كانت تهدف إلى توحيد الأمة العربية وتحرير فلسطين. لاحقًا، وفي أعقاب هزيمة 1967، قرر حداد وحبش تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تميزت بنهجها الماركسي-اللينيني واعتناقها للكفاح المسلح كوسيلة لتحرير فلسطين.
- العمليات الخارجية: كان وديع حداد مسؤولاً عن العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد اشتهر بتخطيطه وتنفيذه لعدد من العمليات الجريئة ضد أهداف إسرائيلية ودولية. من بين أبرز هذه العمليات كانت عملية اختطاف الطائرات في السبعينيات، التي كانت تهدف إلى تسليط الضوء على القضية الفلسطينية وإجبار المجتمع الدولي على التعامل معها.
نضاله وأبرز عملياته:
- قيادة العمليات الخارجية: بعد تأسيس الجبهة الشعبية، تولى وديع حداد مسؤولية تنفيذ العمليات الخارجية للجبهة، والتي كانت تستهدف ضرب المصالح الإسرائيلية والدول الداعمة لها في العالم. من أبرز العمليات التي خطط لها:
- اختطاف الطائرات: خطف الطائرات كان أحد التكتيكات التي استخدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (PFLP) بقيادة وديع حداد في السبعينيات للترويج للقضية الفلسطينية وللضغط على المجتمع الدولي للتفاعل مع مطالب الشعب الفلسطيني. تعتبر هذه العمليات جزءاً من استراتيجية “المقاومة المسلحة” التي اعتمدتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتحقيق أهدافها السياسي
أبرز عمليات خطف الطائرات:
- عملية اختطاف الطائرة الإسرائيلية “العال” عام 1968
كانت أول عملية من هذا النوع للجبهة الشعبية، حيث تم اختطاف طائرة تابعة لشركة “العال” الإسرائيلية أثناء رحلتها من روما إلى تل أبيب. نُقلت الطائرة إلى الجزائر، حيث تم احتجاز الركاب لعدة أيام قبل إطلاق سراحهم. كانت هذه العملية بداية لسلسلة من عمليات الاختطاف التي تهدف إلى الحصول على تنازلات سياسية. - عملية “داوسون فيلد” (سبتمبر 1970)
هذه من أشهر عمليات خطف الطائرات التي قامت بها الجبهة الشعبية. في هذه العملية، تم اختطاف أربع طائرات تابعة لشركات طيران مختلفة، وتم تحويل ثلاث منها إلى مطار داوسون فيلد في الأردن، والذي كان قاعدة جوية مهجورة. كان الهدف من هذه العملية هو التفاوض على إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية والبريطانية.
- تم تفجير الطائرات بعد إخلاء الركاب.
- شكلت هذه العملية إحدى أبرز المحطات في الصراع الفلسطيني الأردني، والذي أدى لاحقًا إلى أحداث “أيلول الأسود” في عام 1970 بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني.
- انتهت العملية بعملية عسكرية إسرائيلية لتحرير الرهائن في مطار عنتيبي، وهي عملية معروفة باسم “عملية عنتيبي”، حيث نجح الجيش الإسرائيلي في تحرير معظم الركاب والطاقم.
3. عملية اختطاف طائرة “إير فرانس” إلى عنتيبي (1976)
في هذه العملية، اختطفت مجموعة من الفدائيين التابعين للجبهة الشعبية وحلفاؤهم طائرة تابعة لشركة “إير فرانس” أثناء رحلتها من تل أبيب إلى باريس، وتم تحويلها إلى مطار عنتيبي في أوغندا. كانت مطالب الخاطفين إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين وغيرهم من السجناء السياسيين.
انتهت العملية بعملية عسكرية إسرائيلية لتحرير الرهائن في مطار عنتيبي، وهي عملية معروفة باسم “عملية عنتيبي”، حيث نجح الجيش الإسرائيلي في تحرير معظم الركاب والطاقم.
الهدف من هذه العمليات:
هدفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من خلال هذه العمليات إلى تحقيق عدة أهداف:
- الترويج للقضية الفلسطينية: باستخدام خطف الطائرات، تمكنت الجبهة من لفت انتباه العالم إلى معاناة الفلسطينيين.
- الضغط على الحكومات: غالباً ما كانت مطالب الخاطفين إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين أو دول أخرى.
- التأثير الإعلامي: كانت هذه العمليات تضمن تغطية إعلامية واسعة، مما زاد من وعي الجمهور الدولي بالقضية الفلسطينية.
التبعات:
على الرغم من أن هذه العمليات كانت ناجحة في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية، إلا أنها قوبلت بإدانات واسعة النطاق من المجتمع الدولي، وأدت إلى تعزيز الإجراءات الأمنية حول العالم. كما ساهمت في تصنيف العديد من التنظيمات الفلسطينية، بما في ذلك الجبهة الشعبية، كمنظمات إرهابية في بعض الدول.
لاحقاً، توقفت الجبهة الشعبية عن استخدام هذا التكتيك بعد الضغط الدولي المتزايد وتغير الظروف السياسية.
أثره على الصراع: شكلت عمليات وديع حداد نقلة نوعية في النضال الفلسطيني، حيث أدخل أساليب جديدة في المقاومة أثرت بشكل كبير على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
علاقة وديع حداد مع جورج حبش
كانت علاقة وديع حداد وجورج حبش علاقة وثيقة للغاية ومبنية على شراكة نضالية قوية. كلاهما لعب دورًا بارزًا في تأسيس حركات قومية وثورية فلسطينية. تعود علاقتهما إلى فترة دراستهما في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث كانا زميلين في الدراسة، وشاركا في تأسيس حركة القوميين العرب في الخمسينيات.
أبرز معالم العلاقة:
- الشراكة في تأسيس حركة القوميين العرب:
في بداية نشاطهما السياسي، تشارك حداد وحبش الرؤية القومية العربية وكانا يعتقدان أن الوحدة العربية هي السبيل لتحرير فلسطين. قاما بتأسيس حركة القوميين العرب بهدف توحيد الأمة العربية لمواجهة التحديات الاستعمارية والإسرائيلية. - تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
بعد هزيمة 1967، قرر كلاهما التحول نحو الكفاح المسلح كرد فعل على الفشل العربي في استعادة فلسطين. معاً أسسا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عام 1967، حيث قاد حبش الجبهة سياسيًا، بينما ركز حداد على العمليات العسكرية، خصوصًا العمليات الخارجية مثل اختطاف الطائرات. - التعاون والتكامل:
كانت العلاقة بينهما مبنية على التكامل؛ جورج حبش كان يُعتبر زعيماً سياسياً ومفكراً استراتيجياً، بينما كان وديع حداد مسؤولًا عن تنفيذ العمليات المسلحة النوعية. ورغم هذا التكامل، كان لديهما بعض الاختلافات في الرؤى التكتيكية، خاصة فيما يتعلق بتكتيكات العمل المسلح خارج حدود فلسطين. - التوترات في المراحل اللاحقة:
برغم التعاون الوثيق، نشأت بعض التوترات بينهما في المراحل المتأخرة، خاصةً بعد أن ركز وديع حداد على تنفيذ العمليات الخارجية، وهو الأمر الذي أثار بعض التساؤلات داخل الجبهة الشعبية حول جدوى هذه العمليات وتأثيرها على القضية الفلسطينية.
الإرث المشترك:
رغم التوترات التي قد تكون حدثت بينهما، إلا أن وديع حداد وجورج حبش كانا رمزين كبيرين في تاريخ الكفاح الفلسطيني، واستمرت علاقتهما كشريكين في مشروع التحرير الوطني.
الخلاف مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
رغم أن وديع حداد كان أحد المؤسسين الرئيسيين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعموداً فقرياً لعملياتها العسكرية الخارجية، إلا أن الخلافات بينه وبين القيادة المركزية للجبهة بدأت تظهر بمرور الوقت، خاصة مع جورج حبش، صديقه القديم وشريكه في تأسيس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية.
- الأساليب العسكرية: كان حداد يؤمن بالعمل العسكري الخارجي كوسيلة رئيسية للضغط على إسرائيل وحلفائها، وكان مستعداً لاستخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف. في المقابل، بدأت قيادة الجبهة، وعلى رأسها جورج حبش، تميل إلى تبني أساليب أكثر توازناً، مع التركيز على النضال داخل الأراضي الفلسطينية وتحقيق مكاسب سياسية.
- استقلالية القرار: وديع حداد كان معروفاً بنزعته الاستقلالية. فقد كان يتخذ قراراته بخصوص العمليات الخارجية دون الرجوع دائماً إلى القيادة المركزية للجبهة، مما تسبب في توترات بينه وبين القيادة. هذا الاستقلال في اتخاذ القرارات أزعج العديد من قادة الجبهة، خاصة عندما كانت العمليات التي ينفذها حداد تحمل مخاطر سياسية عالية.
- عملية عنتيبي (1976): كان الخلاف حول عملية عنتيبي، التي كانت واحدة من أبرز العمليات التي خطط لها حداد، من أهم نقاط التوتر. فعلى الرغم من أن العملية كانت ناجحة في جذب الانتباه إلى القضية الفلسطينية، إلا أنها أسفرت عن تدخل عسكري إسرائيلي قوي ونتائج سياسية غير محسوبة. هذا الحدث زاد من حدة الخلافات بين حداد وقيادة الجبهة.
نتيجة لهذه الخلافات، تم تهميش وديع حداد تدريجياً داخل الجبهة الشعبية. في النهاية، قامت الجبهة بفصل حداد من صفوفها في أواخر السبعينيات، لكن حداد استمر في العمل العسكري حتى وفاته في عام 1978.
تبني كارلوس (ابن آوى):
تبني وديع حداد لكارلوس (الملقب بـ “ابن آوى”) يُعتبر من أبرز المحطات في تاريخ العمل الثوري الفلسطيني، ويُظهر مدى تأثير حداد في حركة الكفاح المسلح العالمي. كارلوس، واسمه الحقيقي إلييتش راميريز سانشيز، هو فنزويلي الأصل، اشتهر كأحد أبرز المنفذين للعمليات الإرهابية في السبعينيات والثمانينيات.
التقى وديع حداد بكارلوس لأول مرة في بداية السبعينيات، بعد أن كان كارلوس قد انضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء دراسته في موسكو. تأثر كارلوس بشدة بأفكار حداد ونهجه الثوري، وأصبح من أقرب مساعديه في تنفيذ العمليات الخارجية.
- التدريب والتوجيه: تبنى حداد كارلوس ودرّبه على أساليب العمل العسكري والاستخباراتي، مما جعله أحد أخطر رجال العمليات السرية في العالم. تحت إشراف حداد، شارك كارلوس في العديد من العمليات المعقدة التي نفذتها الجبهة الشعبية.
- عمليات مشتركة: نفذ كارلوس عدداً من العمليات الشهيرة بالتعاون مع وديع حداد، من أبرزها الهجوم على مقر منظمة “أوبك” في فيينا عام 1975، حيث تم احتجاز وزراء نفط كرهائن للمطالبة بحقوق الفلسطينيين. هذه العملية أكسبت كارلوس شهرة عالمية وكرست دوره كأداة رئيسية في استراتيجيات حداد.
عملية أوبك في فيينا عام 1975 كانت واحدة من أبرز العمليات التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة وديع حداد، وشارك فيها كارلوس (إلييتش راميريز سانشيز) المعروف باسم “ابن آوى”. رغم نجاح العملية من الناحية التكتيكية، إلا أنها أدت إلى خلاف بين وديع حداد وكارلوس بسبب اختلاف الرؤى حول تنفيذ العملية وأهدافها النهائية.
الخلاف حول عملية أوبك:
- الاختلاف حول الأهداف: كان وديع حداد يرى أن الهدف من عملية أوبك هو استخدام الرهائن، وخاصة وزراء النفط العرب، للضغط على حكوماتهم لتبني مواقف أكثر صرامة ضد إسرائيل وداعميها. حداد كان يهدف إلى إحراج الحكومات العربية وإظهار ضعف موقفها تجاه القضية الفلسطينية، بينما كان كارلوس يميل إلى أهداف أكثر راديكالية، مثل استخدام الرهائن للتفاوض على إطلاق سراح معتقلين سياسيين أو للحصول على فدية مالية.
- تنفيذ العملية: خلال العملية، تم احتجاز 11 وزير نفط من بينهم سعوديون وإيرانيون، وتم نقلهم بالطائرة إلى الجزائر وليبيا. بينما كان حداد يأمل في تحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى من العملية، قرر كارلوس في النهاية التفاوض على إطلاق سراح الرهائن مقابل فدية مالية كبيرة. هذا القرار أثار غضب حداد، الذي شعر أن كارلوس خالف الأهداف الاستراتيجية للعملية.
- الاستقلالية المتزايدة لكارلوس: عملية أوبك سلطت الضوء على الاستقلالية المتزايدة لكارلوس عن حداد. كارلوس بدأ يظهر كقائد ذو أجندة شخصية، بعيداً عن الأهداف السياسية التي حددها حداد والجبهة الشعبية. هذا الخلاف كان نقطة تحول في علاقة حداد بكارلوس، حيث بدأ حداد يفقد الثقة في كارلوس كمنفذ ملتزم بسياسات الجبهة.
- النتائج والتداعيات: رغم أن العملية نجحت في جذب الانتباه الدولي إلى القضية الفلسطينية، إلا أن الخلافات بين حداد وكارلوس حول نتائج العملية وكيفية إدارتها أدت إلى توتر العلاقة بينهما. حداد كان يشعر أن كارلوس تجاوز حدوده بتحديد مصير العملية بشكل مستقل، وهو ما أدى في النهاية إلى تقليص التعاون بينهما.
الخلاف بين وديع حداد وكارلوس حول عملية أوبك كان بداية التباعد بين الاثنين. بينما كان حداد يركز على أهداف سياسية طويلة المدى من خلال عملياته الخارجية، بدأ كارلوس يتبنى نهجاً أكثر فردية ومصلحة شخصية. هذا الخلاف كان بمثابة تذكير بالتحديات التي واجهها حداد في الحفاظ على وحدة الرؤية بين العناصر المختلفة داخل الجبهة الشعبية، وخاصة تلك التي تعمل على الساحة الدولية.
- الاستقلالية التدريجية: مع مرور الوقت، بدأ كارلوس في العمل بشكل مستقل عن حداد، مستفيداً من المهارات والتدريبات التي تلقاها. بعد وفاة حداد في 1978، واصل كارلوس نشاطه لكنه لم يعد مرتبطاً مباشرة بالجبهة الشعبية، وأصبح ينفذ عمليات لمصالح متعددة.
بعد وفاة وديع حداد في عام 1978، واصل كارلوس (إلييتش راميريز سانشيز) نشاطه كمنفذ للعمليات المسلحة، لكنه بدأ يعمل بشكل متزايد بشكل مستقل عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كان قد انضم إليها تحت قيادة حداد. بعد وفاة حداد، تضاءل ارتباط كارلوس بالجبهة، وأصبح يعمل بشكل أساسي لحساب دول وأنظمة معينة، وأحيانًا لمصلحته الخاصة.
الجهات التي نفذ كارلوس العمليات لصالحها:
- ليبيا: بعد وفاة حداد، أقام كارلوس علاقات وثيقة مع النظام الليبي بقيادة معمر القذافي. ليبيا، التي كانت داعمًا رئيسيًا للقضايا الثورية والمعارضة للغرب، قدمت لكارلوس الدعم المالي واللوجستي لتنفيذ عمليات ضد أهداف غربية.
- العراق: نظام صدام حسين في العراق أيضًا أقام علاقات مع كارلوس، حيث استغل قدراته في تنفيذ عمليات تستهدف مصالح أعداء العراق في المنطقة وخارجها.
- دول شيوعية: كارلوس تعاون أيضًا مع بعض الدول الشيوعية، مثل الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، في إطار الحرب الباردة، حيث كانت هذه الدول تدعم الجماعات الثورية والمناهضة للغرب.
أبرز العمليات التي نفذها كارلوس بعد وفاة حداد:
- هجوم على مقر راديو أوروبا الحرة (1981): في عام 1981، نفذ كارلوس هجومًا على مقر إذاعة “راديو أوروبا الحرة” في ميونخ، ألمانيا الغربية. كانت هذه الإذاعة تبث برامج معارضة للحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية، وكان الهجوم جزءًا من العمليات التي استهدفت وسائل الإعلام الغربية.
- تفجيرات قطارات فرنسا (1982): كارلوس كان مسؤولاً عن سلسلة من التفجيرات التي استهدفت قطارات في فرنسا. هذه التفجيرات كانت ردًا على اعتقال أعضاء من شبكته من قبل السلطات الفرنسية، وكانت تهدف إلى الضغط على الحكومة الفرنسية لإطلاق سراحهم.
- محاولة اغتيال المعارض الإيراني شابور بختيار (1980): كارلوس نفذ عملية استهدفت اغتيال شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يعيش في المنفى في فرنسا. بختيار نجا من المحاولة، لكن العملية كانت جزءًا من العمليات التي نفذها كارلوس لصالح الدول التي كانت تعارض النظام الإيراني الجديد بعد الثورة الإسلامية.
- الهجوم على السفارة الفرنسية في بيروت (1981): نفذ كارلوس هجومًا على السفارة الفرنسية في بيروت احتجاجًا على السياسات الفرنسية في الشرق الأوسط ودعمها لإسرائيل.
بعد وفاة وديع حداد، تحوّل كارلوس من كونه جزءًا من حركة فلسطينية ثورية إلى مرتزق دولي يعمل لحساب أنظمة مختلفة تتوافق مع أجنداته الشخصية أو تُقدم له الدعم المالي واللوجستي. برغم أنه كان لا يزال يعمل ضمن إطار أيديولوجي معادٍ للغرب، إلا أن عملياته بعد وفاة حداد افتقرت إلى البعد السياسي الواضح الذي كان يميز عملياته عندما كان يعمل تحت قيادة وديع حداد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
أنيس النقاش هو أحد الشخصيات اللبنانية البارزة التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحركات الثورية الفلسطينية والعربية، خاصة مع وديع حداد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولاحقا مع كارلوس .
ولد النقاش في بيروت عام 1951، وكان ناشطاً سياسياً منذ سن مبكرة. انضم إلى فتح في عمر السابعة عشرة، وبعدها تطور ليصبح من أقرب المساعدين لوديع حداد. كان له دور محوري في عدة عمليات شهيرة، أبرزها عملية أوبك ومحاولة اغتيال شهبور بختيار في فرنسا.
العلاقة بين أنيس النقاش ووديع حداد:
أنيس النقاش كان جزءاً من الشبكة التي أنشأها وديع حداد لتنفيذ العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كواحد من مساعدي حداد المقربين، كان النقاش يتمتع بثقة كبيرة من حداد، وساهم في تنفيذ وتنسيق العديد من العمليات الهامة.
- الثقة والولاء: حداد كان يثق في أنيس النقاش بفضل التزامه الأيديولوجي وقدراته التنظيمية. النقاش كان معروفاً بإخلاصه وولائه للقضية الفلسطينية، مما جعله مساعداً أساسياً في التخطيط والتنفيذ للعمليات الخارجية.
دور أنيس النقاش في عملية أوبك (1975):
عملية أوبك في فيينا، التي وقعت في 21 ديسمبر 1975، كانت واحدة من أشهر العمليات التي نفذتها الجبهة الشعبية تحت قيادة وديع حداد. كانت تهدف إلى احتجاز وزراء النفط في منظمة أوبك كرهائن للضغط على الحكومات العربية لدعم القضية الفلسطينية.
- التخطيط والتنفيذ: أنيس النقاش كان من ضمن الفريق الذي قاد عملية أوبك، برفقة كارلوس (ابن آوى). شارك النقاش في التخطيط والتنفيذ المباشر للعملية. بعد اقتحام الاجتماع، تم احتجاز 60 رهينة، من بينهم 11 وزيراً للنفط. كانت العملية معقدة وخطيرة، وجذبت اهتماماً عالمياً.
- التفاوض: النقاش كان مسؤولاً عن التواصل والتفاوض مع الحكومات المعنية، بالتنسيق مع كارلوس. لكن مع انتهاء العملية، حدث خلاف حول الأهداف، حيث انتهى الأمر بتفاوض كارلوس بالتعاون مع النقاش على إطلاق سراح الرهائن مقابل فدية، وحمى النقاش السفير السعودي عبدالله اليمانيّ وهو ما كان يتعارض مع الأهداف السياسية التي كان يسعى إليها حداد.
خلال عملية أوبك التي وقعت في فيينا عام 1975، كان السفير السعودي لدى النمسا، عبد الله اليماني، من بين الرهائن الذين احتجزتهم المجموعة التي قادها كارلوس (ابن آوى) بمشاركة أنيس النقاش. وفقاً لما ورد في التقارير والاعترافات اللاحقة، لعب أنيس النقاش دوراً رئيسياً في حماية السفير السعودي عبد الله اليماني من القتل خلال العملية.
تفاصيل الحادثة:
- التوترات خلال العملية: أثناء احتجاز الرهائن في مقر منظمة أوبك، ظهرت توترات بين أعضاء المجموعة المسلحة، خاصة فيما يتعلق بمصير بعض الرهائن. كارلوس كان يخطط لاستخدام الرهائن لتحقيق أهداف سياسية، ولكن كان هناك نقاش حول قتل بعض الرهائن كوسيلة للضغط على الحكومات.
- دور أنيس النقاش: أنيس النقاش، الذي كان من بين المجموعة المسلحة، تدخل لحماية السفير السعودي من القتل. النقاش كان يدرك حساسية العلاقة مع السعودية، وأهمية عدم تعريض حياة السفير للخطر. تشير التقارير إلى أن النقاش كان مصرًا على الحفاظ على حياة السفير السعودي، حتى في ظل التوترات الداخلية بين أفراد المجموعة.
- النتيجة: بفضل تدخل أنيس النقاش، تم تجنب قتل السفير السعودي. في النهاية، تمت المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن، بمن فيهم السفير السعودي، مقابل الحصول على فدية مالية وضمان سلامة الفريق المسلح أثناء مغادرته النمسا.
لعب أنيس النقاش دورًا حاسمًا في حماية السفير السعودي عبد الله اليماني من القتل خلال عملية أوبك. هذا الموقف يعكس البعد السياسي المعقد للعمليات التي كانت تنفذها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث كانت العلاقات بين الدول العربية المختلفة تلعب دورًا في اتخاذ القرارات خلال العمليات.
محاولة اغتيال شهبور بختيار في فرنسا (1980):
في يوليو 1980، قاد أنيس النقاش محاولة اغتيال شهبور بختيار، آخر رئيس وزراء في عهد الشاه الإيراني، الذي كان يعيش في المنفى في باريس. كان بختيار مستهدفاً من قبل النظام الإيراني الجديد الذي اعتبره عدواً للنظام الإسلامي.
- التخطيط والتنفيذ: النقاش، الذي كان يعمل لصالح المخابرات الإيرانية (الحرس الثوري)، شارك في عملية اغتيال بختيار بتنسيق كامل مع إيران. تمكن النقاش من الوصول إلى منزل بختيار، ولكنه فشل في اغتياله بسبب تدخل الشرطة الفرنسية في اللحظة الأخيرة. قتل في العملية شرطي فرنسي ومواطنة، بينما نجا بختيار. تم اعتقال النقاش وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في فرنسا.
- الدور الإيراني: بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، انقلب أنيس النقاش من العمل لصالح القضايا الفلسطينية إلى العمل بشكل وثيق مع النظام الإيراني. إيران وجدت في النقاش عنصراً قيماً يمكن استخدامه في عملياتها الاستخباراتية والانتقامية ضد أعدائها في الخارج، وكان اغتيال بختيار جزءاً من هذه الاستراتيجية.
انقلاب أنيس النقاش وعمله لصالح إيران:
بعد الثورة الإيرانية، تغيرت أولويات أنيس النقاش بشكل كبير. من كونه مقاتلاً في صفوف الثورة الفلسطينية تحت قيادة وديع حداد، تحول إلى العمل لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
- الانقلاب: انقلاب النقاش نحو إيران جاء نتيجة لعلاقاته الوثيقة مع قيادات الثورة الإيرانية، خصوصاً الحرس الثوري. إيران، التي كانت تبحث عن عناصر قوية في الخارج لتنفيذ عملياتها السرية، وجدت في النقاش شخصاً ذا خبرة ومهارات مناسبة.
- الدور في الحرس الثوري: النقاش عمل بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني، حيث أصبح أحد القادة المسؤولين عن العمليات الخارجية. استغل النقاش خبرته السابقة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لخدمة الأهداف الإيرانية، خاصة في مواجهة أعداء إيران في أوروبا والشرق الأوسط.
- التحول الأيديولوجي: تحول النقاش من الفكر القومي اليساري الذي كان يدعمه في فترة عمله مع وديع حداد، إلى الأيديولوجية الإسلامية التي تبناها بعد تحوله للعمل مع إيران. هذا التحول لم يكن مجرد انتقال في الولاءات، بل كان تحولاً جذرياً في الأولويات والأهداف.
أنيس النقاش يمثل نموذجاً للشخصية الثورية التي تنقلت بين عدة أيديولوجيات وتحالفات. علاقته مع وديع حداد كانت في إطار الكفاح الفلسطيني، حيث نفذ عمليات مشتركة معه. لكن بعد وفاة حداد، ومع انتصار الثورة الإيرانية، تحول النقاش إلى العمل لصالح إيران، مشاركاً في عمليات هامة مثل محاولة اغتيال شهبور بختيار. هذا التحول يعكس تعقيدات العلاقات بين الحركات الثورية والتحولات السياسية في الشرق الأوسط خلال تلك الفترة.
لقب “الخال” وشعار “خلف العدو في كل مكان”:
وديع حداد، المعروف بلقب “الخال”، كان شخصية محورية في النضال الفلسطيني، وارتبط اسمه بالكفاح المسلح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هذا اللقب والشعار الذي استخدمه حداد يعكس نهجه الثوري والتزامه الشديد بتحقيق الأهداف الفلسطينية عبر المقاومة.
لقب “الخال”: أطلق هذا اللقب على وديع حداد من قبل رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. يعود السبب وراء هذا اللقب إلى المكانة التي كان يتمتع بها بين أفراد الجبهة. حداد كان يعتبر بمثابة “الخال” لجميع أعضاء الجبهة، إذ كان شخصاً مرشداً وموثوقاً به، ودائماً ما يكون حاضراً لتقديم الدعم والتوجيه. هذه الشخصية الأبوية جعلت منه رمزاً لقيادة الجبهة الشعبية، حيث رأى فيه الكثيرون الشخصية المثالية للثوري الملتزم.
شعار “خلف العدو في كل مكان”: يعكس الفلسفة التي تبناها وديع حداد في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه. حداد كان يؤمن بأن الصراع مع إسرائيل يجب ألا يكون محصوراً في فلسطين أو الدول العربية فقط، بل يجب أن يمتد إلى كل مكان يتواجد فيه العدو أو مصالحه.
أطلق حداد هذا الشعار خلال فترة توليه مسؤولية العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هذا الشعار كان دليلًا على استراتيجية حداد، التي شملت تنفيذ عمليات في الخارج، مثل اختطاف الطائرات، وعمليات الهجوم على مصالح إسرائيلية وغربية حول العالم. هذه العمليات كانت تهدف إلى نقل الصراع إلى الساحة الدولية وجذب الانتباه العالمي إلى القضية الفلسطينية.
شعار “خلف العدو في كل مكان” تم إطلاقه كنتيجة مباشرة لإستراتيجية وديع حداد المتعلقة بتوسيع نطاق الكفاح الفلسطيني ليشمل الأهداف الإسرائيلية في الخارج. في الوقت الذي كان فيه العديد من القادة الفلسطينيين يركزون على العمليات داخل الأراضي المحتلة، كان حداد يرى ضرورة مهاجمة المصالح الإسرائيلية والداعمين الدوليين لها أينما كانوا. هذا الشعار أصبح شعارًا لتلك العمليات الخارجية التي أدارها حداد، والتي اشتهرت بتأثيرها الكبير على الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية.
التعاون مع التنظيمات الدولية:
وديع حداد، بصفته مسؤول العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أقام علاقات قوية مع عدد من التنظيمات الثورية الدولية التي كانت تتشارك نفس الأهداف في مقاومة الإمبريالية والصهيونية. من أبرز هذه التنظيمات:
- الجيش الأحمر الياباني: واحدة من أبرز التنظيمات التي تعاونت مع حداد. كان هذا التعاون مثمرًا للغاية، حيث نفذ الجانبان عدة عمليات مشتركة. أبرز هذه العمليات كانت الهجوم على مطار اللد في تل أبيب عام 1972، حيث قام ثلاثة من أعضاء الجيش الأحمر الياباني بمهاجمة المطار، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات.
- الجيش الجمهوري الإيرلندي: حافظ وديع حداد على علاقات مع الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA)، حيث كان هناك تبادل للخبرات والأسلحة بين الطرفين. هذا التعاون كان يعكس الروابط المشتركة في مقاومة الإمبريالية البريطانية والإسرائيلية.
- الجيش الأحمر الألماني (بادر ماينهوف): كانت هناك علاقات وثيقة بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ووديع حداد وبين جماعة الجيش الأحمر الألماني. شارك الطرفان في عمليات اختطاف طائرات وأهداف أخرى في أوروبا، وكان حداد يوفر التدريب والدعم اللوجستي لأعضاء الجماعة.
- منظمات يسارية وثورية في أمريكا اللاتينية: أقام حداد أيضاً علاقات مع حركات التحرر في أمريكا اللاتينية، مثل “حركة التوباماروس” في الأوروغواي، حيث تم تبادل الخبرات والأساليب بين الجانبين.
وديع حداد: الخال الذي نسج تحالفات مع العراق وليبيا واليمن الجنوبي في نضاله خلف العدو
وديع حداد، بصفته قائد العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أقام علاقات استراتيجية مع عدة دول عربية كانت تدعم القضية الفلسطينية، وخاصة العراق، ليبيا، واليمن الجنوبي. هذه العلاقات كانت جزءًا من استراتيجيته لتوسيع دائرة الدعم السياسي واللوجستي للجبهة الشعبية.
علاقة وديع حداد مع العراق:
- الدعم العسكري واللوجستي: العراق، تحت حكم حزب البعث بقيادة صدام حسين، كان داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية. أقام حداد علاقات وثيقة مع العراق، حيث قدمت الحكومة العراقية دعماً لوجستياً ومادياً للجبهة الشعبية. كان العراق يعتبر الجبهة الشعبية شريكًا رئيسيًا في مواجهة إسرائيل والتصدي للنفوذ الغربي في المنطقة. هذا الدعم شمل تقديم الأسلحة والتدريب لعناصر الجبهة، بالإضافة إلى توفير ملاذ آمن لبعض قيادات الجبهة في العراق.
- التنسيق العملياتي: كانت هناك تنسيقات بين وديع حداد والقيادة العراقية في بعض العمليات التي كانت تستهدف المصالح الإسرائيلية والغربية. العراق كان يدرك أهمية العمليات الخارجية للجبهة الشعبية كوسيلة للضغط على إسرائيل والدول الداعمة لها.
علاقة وديع حداد مع ليبيا:
- الدعم المالي والعسكري: ليبيا تحت حكم معمر القذافي كانت من أبرز الدول التي دعمت وديع حداد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. القذافي، المعروف بمواقفه الراديكالية ضد الغرب وإسرائيل، قدم دعماً مالياً كبيراً لحداد، بالإضافة إلى توفير أسلحة ومعدات عسكرية للجبهة. ليبيا أيضاً كانت ملاذاً آمناً لبعض قيادات الجبهة، ومركزاً للتدريب والتخطيط للعديد من العمليات.
- التنسيق السياسي: علاوة على الدعم المادي، كانت هناك علاقات سياسية وثيقة بين حداد وليبيا، حيث كانت طرابلس تشارك في دعم الجهود الدبلوماسية للجبهة الشعبية وتسعى لتعزيز موقفها في الساحة الدولية.
علاقة وديع حداد مع اليمن الجنوبي:
- الدعم اللوجستي والاستراتيجي: اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) كان من الدول التي وفرت ملاذاً آمناً ومراكز تدريب للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. النظام في عدن، الذي كان يتبنى التوجهات الماركسية، كان حليفاً طبيعياً للجبهة الشعبية. قدمت الحكومة في اليمن الجنوبي دعماً كبيراً لحداد، بما في ذلك توفير مواقع للتدريب ومعسكرات للقوات الفلسطينية.
- تنسيق العمليات: اليمن الجنوبي كان قاعدة مهمة للتخطيط للعديد من العمليات الخارجية التي قادها وديع حداد. موقع اليمن الجنوبي الاستراتيجي على البحر الأحمر وخليج عدن جعل منه نقطة انطلاق رئيسية للعمليات ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة.
العلاقات التي بناها وديع حداد مع العراق، ليبيا، واليمن الجنوبي كانت حيوية في تعزيز قدرات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هذه الدول لم توفر فقط الدعم المادي واللوجستي، بل أيضاً ساندت الجبهة سياسياً وعسكرياً، مما مكّن حداد من تنفيذ استراتيجياته الرامية إلى توسيع نطاق النضال الفلسطيني على المستوى الدولي.
محاولات اغتيال وديع حداد:
بسبب دوره الكبير في العمليات الخارجية للجبهة الشعبية وتأثيره على الساحة الدولية، أصبح وديع حداد هدفًا رئيسيًا للموساد الإسرائيلي. لقد حاول الموساد اغتيال حداد عدة مرات، مستخدمًا أساليب متنوعة ومعقدة.
محاولات الاغتيال بالتفجيرات:
خلال مسيرته النضالية، تعرض وديع حداد لعدة محاولات اغتيال بالتفجيرات. من أبرز هذه المحاولات:
- تفجير في بيروت: في أوائل السبعينيات، حاول الموساد الإسرائيلي استهداف وديع حداد بتفجير في العاصمة اللبنانية بيروت. كان الموساد يعتقد أن التخلص من حداد في لبنان سيقضي على جزء كبير من قدرات الجبهة الشعبية، خاصة في مجال العمليات الخارجية. إلا أن حداد نجح في النجاة من هذه المحاولة، حيث أسفر الانفجار عن إصابة عدد من مقاتلي الجبهة، لكن حداد نفسه لم يكن في المكان المستهدف وقت وقوع الانفجار.
- تفجير سيارة: في محاولة أخرى، زرع الموساد عبوة ناسفة في سيارة كانت تُستخدم في تنقلات حداد. ولكن بفضل التدابير الأمنية الصارمة التي كان يلتزم بها حداد، تم اكتشاف العبوة قبل استخدامها، مما أفشل هذه المحاولة. هذه الحادثة أكدت حدس حداد الأمني وساهمت في تعزيز الإجراءات الأمنية حوله.
التسميم بالشوكولاتة:
رغم محاولات التفجير المتعددة، إلا أن العملية الأكثر نجاحًا والأكثر شهرة كانت عملية التسميم التي أدت في النهاية إلى وفاة وديع حداد. عملية التسميم هذه تُعد من العمليات الأكثر تعقيدًا في تاريخ الموساد.
- التخطيط الدقيق: الموساد درس عادات وديع حداد عن كثب، وعلم أنه كان يحب الشوكولاتة بشكل خاص. بناءً على هذه المعرفة، خطط الموساد لتسميم حداد بطريقة لا تثير الشكوك حولهم. تم تهريب كمية صغيرة من الشوكولاتة المسممة بطريقة دقيقة إلى حداد، والذي كان يتلقى هدايا من أصدقاء وزملاء في العمل.
- تنفيذ التسميم: يُعتقد أن الشوكولاتة المسممة وصلت إلى حداد عبر صديق أو زميل غير مدرك لحقيقة ما يحمله. تناول حداد الشوكولاتة بشكل طبيعي، ولم يشك في أي شيء. السم المستخدم كان بطيء المفعول، مما جعل من الصعب تحديد مصدر التسمم. تدريجيًا، بدأت صحة حداد تتدهور، مما أدى في النهاية إلى وفاته.
- تأثير السم: السم الذي استُخدم في العملية كان يؤدي إلى تدهور وظائف الجسم بشكل بطيء ومستمر، مما جعل الأطباء غير قادرين على تشخيص حالته بدقة. وديع حداد عانى لفترة طويلة من المرض قبل وفاته في 28 مارس 1978 في ألمانيا الشرقية.
الوفاة وإرث وديع حداد:
توفي وديع حداد في 28 مارس 1978 في ألمانيا الشرقية، بعد معاناة طويلة من المرض الذي سببه السم الذي وضعه الموساد في الشوكولاتة. أثارت وفاته الكثير من التساؤلات حول كيفية حدوث التسمم، ومع مرور الوقت، أصبح واضحًا أن الموساد كان وراء هذه العملية المعقدة.
إرث وديع حداد:
يُعتبر وديع حداد شخصية مثيرة للجدل، فقد كان بالنسبة للبعض بطلاً قومياً ومدافعاً عن القضية الفلسطينية، بينما رأى فيه البعض الآخر قائداً مثيراً للجدل بسبب أساليبه العسكرية القاسية. يظل حداد رمزاً للتحدي والمقاومة بالنسبة للكثير من الفلسطينيين والعرب. ورغم الخلافات داخل الجبهة الشعبية، إلا أن أثره على النضال الفلسطيني والعالمي يبقى راسخاً، خصوصاً من خلال تأثيره على شخصيات مثل كارلوس، الذي واصل النهج الذي علمه إياه حداد حتى بعد وفاته.
في النهاية، يمثل وديع حداد شخصية فريدة في تاريخ النضال الفلسطيني، ويعكس من خلال ألقابه وشعاراته واستراتيجياته مدى التزامه العميق بتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني عبر الكفاح المسلح، دون حدود جغرافية أو سياسية.