كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا”
الصراع الإيراني-الكردي يعود إلى عقود طويلة من التوتر السياسي والإثني، حيث سعت الجماعات الكردية المعارضة إلى تحقيق حقوقها السياسية والثقافية في مواجهة النظام الإيراني الذي استخدم القوة في معظم الأحيان لإسكات هذه المطالب. مع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، تعقد هذا الصراع بشكل متزايد، خاصة في ظل التدخلات الدولية وتحالفات القوى الإقليمية. يهدف هذا التقرير إلى استعراض جذور هذا الصراع، التطورات الحالية، والعوامل المؤثرة في مسار الأحداث، بالإضافة إلى تحليل السيناريوهات المحتملة للمستقبل.
الجذور التاريخية للصراع الكردي-الإيراني
يمثل الأكراد إحدى أكبر القوميات التي لا تمتلك دولة مستقلة، ويقطنون مناطق ممتدة عبر إيران، تركيا، العراق وسوريا. في إيران، يشكل الأكراد جزءًا من النسيج الاجتماعي المتنوع، لكنهم يعانون من التهميش والقمع السياسي والثقافي منذ عقود. بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حاولت الجماعات الكردية في إيران استغلال الفراغ السياسي لتحقيق مطالبها بالحكم الذاتي، إلا أن النظام الجديد تحت قيادة آية الله الخميني رد بقوة عسكرية، مما أدى إلى قمع واسع لحركات المعارضة الكردية.
على مر السنين، استمر الأكراد في معارضة النظام الإيراني، سواء من داخل البلاد أو من الخارج. تمركزت الجماعات الكردية المعارضة الرئيسية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا) وحزب كومله في كردستان العراق، حيث استخدموا تلك المنطقة كقاعدة لعملياتهم ضد النظام الإيراني. في المقابل، لجأت طهران إلى استخدام العنف والقوة ضد هذه الجماعات، سواء من خلال العمليات العسكرية المباشرة أو الهجمات الصاروخية على معسكراتهم في كردستان العراق.
التطورات الإقليمية والدولية وتأثيرها على الصراع
تعد كردستان العراق منطقة رئيسية في هذا الصراع، حيث تتمركز معظم الجماعات الكردية المعارضة التي تعمل ضد إيران. ولطالما استخدمت إيران الضغط على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لتقييد نشاط هذه الجماعات. في السنوات الأخيرة، ازداد تدخل طهران في كردستان العراق، خاصة بعد توقيع اتفاقية أمنية بين إيران والعراق عام 2023، تضمنت بنودًا لتقييد نشاط الجماعات الكردية المعارضة ونقلهم إلى مناطق نائية بعيدًا عن الحدود الإيرانية.
من ناحية أخرى، تشكل التدخلات الدولية، وخاصة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، جزءًا مهمًا من هذا الصراع. تدعي إيران أن هذه الجماعات الكردية تحصل على دعم خارجي، وخاصة من إسرائيل، التي تستخدم الأكراد كأداة للضغط على النظام الإيراني. هذا الاتهام يأتي في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، حيث تُتهم تل أبيب بتنفيذ عمليات استخباراتية ضد أهداف إيرانية باستخدام الأراضي الكردية في العراق.
على المستوى الدولي، تنظر القوى الغربية إلى الجماعات الكردية باعتبارها قوة محتملة لموازنة النفوذ الإيراني في المنطقة. الولايات المتحدة وأوروبا قدمتا دعمًا للأكراد في إطار معركتهما ضد تنظيم داعش، لكن هذا الدعم قد يمتد أيضًا إلى الجماعات الكردية المعارضة لإيران في المستقبل، خاصة إذا تزايدت التوترات بين الغرب وإيران بسبب الملف النووي.
الأوضاع الداخلية في إيران والاحتجاجات الكردية
الاضطرابات الداخلية في إيران تشكل خلفية مهمة لفهم مستقبل الصراع الكردي-الإيراني. الأكراد في إيران يعانون من التهميش الاجتماعي والاقتصادي، ويُحرمون من حقوقهم الثقافية والسياسية. في السنوات الأخيرة، كانت هناك احتجاجات متزايدة في المناطق الكردية، خاصة بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022 أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية، مما أشعل احتجاجات واسعة في جميع أنحاء البلاد.
كانت المناطق الكردية من بين الأكثر نشاطًا في هذه الاحتجاجات، حيث رفع الأكراد مطالب بتحقيق العدالة والمساواة، إلى جانب مطالبهم التقليدية بالحكم الذاتي. ورغم القمع الشديد، يظل الأكراد عنصرًا مهمًا في الحراك الشعبي الذي يواجه النظام الإيراني، وقد يستغلون أي ضعف أو تراجع للنظام لتعزيز مطالبهم.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع
- استمرار التصعيد العسكري:
إذا استمر النظام الإيراني في تبني سياسة القمع واستخدام القوة ضد الجماعات الكردية، فمن المرجح أن نشهد المزيد من التصعيد العسكري. قد تزيد طهران من الهجمات الصاروخية والجوية على معسكرات الجماعات الكردية في كردستان العراق، ما سيؤدي إلى مزيد من الاشتباكات المسلحة وزيادة التوترات بين إيران والعراق. هذه العمليات قد تخلق حالة من الفوضى في المنطقة، وتدفع الجماعات الكردية إلى تنفيذ عمليات انتقامية داخل إيران. - زيادة الدعم الدولي للأكراد:
في حال تصاعد التوتر بين إيران والقوى الغربية، قد تسعى الدول الغربية إلى دعم الجماعات الكردية بشكل مباشر أو غير مباشر، كجزء من استراتيجيتها للضغط على النظام الإيراني. هذا الدعم قد يشمل مساعدات مالية أو عسكرية، أو حتى فتح قنوات دبلوماسية لتمثيل الأكراد في المحافل الدولية. مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد العنف داخل إيران، حيث سيرى النظام في هذا الدعم تهديدًا وجوديًا. - التغير السياسي في إيران:
مع تزايد الاحتجاجات والضغوط الاقتصادية على النظام، قد تشهد إيران تحولات سياسية داخلية، سواء من خلال احتجاجات جماهيرية واسعة أو تغير في القيادة. في حال وصول قيادة إصلاحية أو أكثر انفتاحًا إلى السلطة، قد تُفتح أبواب الحوار مع الجماعات الكردية، مما يمهد الطريق لتسوية سياسية تمنح الأكراد حقوقًا أوسع، بما في ذلك الحكم الذاتي المحدود. - تعزيز التعاون الكردي الإقليمي:
في ظل الضغوط المتزايدة من إيران، قد تسعى الجماعات الكردية الإيرانية إلى تعزيز تعاونها مع الحركات الكردية الأخرى في المنطقة، مثل حزب العمال الكردستاني في تركيا أو قوات سوريا الديمقراطية في سوريا. هذا التحالف يمكن أن يمنح الأكراد قوة أكبر في مواجهة إيران، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى تصاعد التوترات مع تركيا والدول الإقليمية الأخرى التي تعارض الطموحات الكردية. - التسوية السياسية عبر المفاوضات:
رغم أن المفاوضات بين النظام الإيراني والجماعات الكردية تبدو بعيدة في الوقت الحالي، إلا أن الضغوط الداخلية أو الخارجية قد تدفع النظام إلى النظر في حلول سياسية لتخفيف التوترات. في هذا السيناريو، قد يتم التوصل إلى اتفاق يمنح الأكراد بعض الحقوق الثقافية والسياسية، مثل تحسين ظروف التعليم واللغة، لكن دون الوصول إلى مستوى الحكم الذاتي الكامل.
مفاوضات الأكراد مع النظام الإيراني – الفرص والتحديات
تاريخ العلاقة بين الأكراد في إيران والنظام الإيراني مليء بالتوتر والصراعات، مع محاولات محدودة وغير ناجحة للتفاوض بين الجانبين. يعاني الأكراد في إيران من التهميش السياسي والثقافي، مما دفعهم مرارًا وتكرارًا للمطالبة بالاعتراف بهويتهم وحقوقهم. على الرغم من اعتماد النظام الإيراني في معظم الأحيان على القمع والعنف في التعامل مع المعارضة الكردية، كانت هناك لحظات تاريخية لجأت فيها الأطراف إلى التفاوض، سواء بسبب الضغوط الداخلية أو الخارجية. في هذا التقرير، نستعرض أمثلة تاريخية لمحاولات التفاوض بين النظام الإيراني والأكراد، والعوامل التي دفعت تلك المفاوضات، والنتائج التي انتهت إليها.
الجذور التاريخية للمطالب الكردية في إيران
الأكراد في إيران، مثل أكراد تركيا والعراق وسوريا، هم من بين أكبر المجموعات القومية التي تسعى لتحقيق الحكم الذاتي أو الحصول على حقوق سياسية وثقافية. تاريخيًا، حاول الأكراد في إيران الاستفادة من الفترات التي تضعف فيها السلطة المركزية لتحقيق مطالبهم، ولكن غالبًا ما كانت تلك المحاولات تواجه بردود فعل عنيفة من قبل النظام. منذ بداية الجمهورية الإسلامية في 1979، تم قمع الأكراد بوحشية، حيث نظر النظام إلى مطالبهم على أنها تهديد لوحدة البلاد.
أمثلة على المفاوضات الكردية مع النظام الإيراني
1. المفاوضات بعد الثورة الإسلامية (1979)
بعد سقوط نظام الشاه وقيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حاولت بعض الجماعات الكردية الإيرانية، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا) بقيادة الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الدخول في مفاوضات مع النظام الجديد. الأكراد، الذين كانوا يرون في الثورة فرصة لتحقيق مطالبهم بالحكم الذاتي، قدموا مطالبهم للقيادة الجديدة بقيادة آية الله الخميني. كان هدفهم الأساسي هو الحصول على الاعتراف بهويتهم الكردية وحقوقهم الثقافية والسياسية.
نتائج المفاوضات:
في البداية، كانت هناك بعض المحادثات بين الطرفين، لكن سرعان ما رفض الخميني هذه المطالب، واعتبرها تهديدًا لوحدة الجمهورية الإسلامية. رد النظام بقمع شديد على التمردات في المناطق الكردية، مما أدى إلى اندلاع مواجهات عسكرية عنيفة بين الجيش الإيراني والقوات الكردية. انتهت تلك الفترة بتدهور العلاقات واستمرار القمع، مع اغتيال قاسملو لاحقًا في فيينا في عام 1989 أثناء محاولة أخرى للتفاوض مع الحكومة الإيرانية.
2. مفاوضات اغتيال قاسملو (1989)
في الثمانينات، وبعد سنوات من الصراع المسلح بين الجماعات الكردية والنظام الإيراني، حاولت القيادة الكردية مرة أخرى التفاوض مع طهران. زار عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، العاصمة النمساوية فيينا للقاء ممثلين عن الحكومة الإيرانية بهدف التفاوض حول حقوق الأكراد.
نتائج المفاوضات:
بينما كانت المحادثات جارية في فيينا، تم اغتيال قاسملو في يوليو 1989 على يد مسلحين يُعتقد أنهم مرتبطون بالنظام الإيراني. أدى هذا الحدث إلى انهيار المحادثات وزاد من تعقيد العلاقة بين الأكراد وإيران. منذ ذلك الحين، توترت العلاقة بشكل كبير بين الطرفين ولم تُستأنف المفاوضات الرسمية لفترة طويلة.
3. محاولات التفاوض بعد الغزو الأمريكي للعراق (2003)
مع سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 وتنامي نفوذ الجماعات الكردية في كردستان العراق، شهدت المنطقة تغييرات جيوسياسية كبيرة. حاولت بعض الجماعات الكردية الإيرانية الاستفادة من ذلك الوضع الجديد لتعزيز مطالبها. بدأت بعض المحادثات غير الرسمية بين الجماعات الكردية في إيران والنظام الإيراني في محاولة لإيجاد حل سلمي.
نتائج المحادثات:
رغم أن هذه المحادثات لم تصل إلى اتفاق ملموس، إلا أن النظام الإيراني حاول إضعاف تلك الجماعات عن طريق إقناعها بالعودة إلى طاولة الحوار. لكن على الرغم من بعض الوعود بتحسين الظروف، استمر القمع وتعرضت الجماعات الكردية المعارضة لهجمات عسكرية، وخاصة في معسكراتها في كردستان العراق.
4. المحاولات غير المباشرة عبر وساطات إقليمية (2010)
في العقد الأخير، حاولت بعض الوساطات الإقليمية، خاصة من جانب الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق من خلال شخص الرئيس الحالي نيجيرفان بارزاني، أن تلعب دورًا في تقريب وجهات النظر بين النظام الإيراني والجماعات الكردية. كانت هذه الوساطات غير مباشرة، حيث حاولت السلطات الكردية العراقية تهدئة الوضع وضمان عدم تصعيد النزاع إلى مستويات أعلى.
نتائج الوساطات:
لم تسفر هذه الجهود عن نتائج كبيرة، حيث واصل النظام الإيراني قصفه لمعسكرات الجماعات الكردية المعارضة في كردستان العراق، معتبراً إياها تهديدًا أمنيًا. فشلت هذه الوساطات في تحقيق تفاهم طويل الأمد، واعتبرتها الجماعات الكردية محاولات لاحتواء الموقف دون معالجة حقيقية لقضاياهم الأساسية.
العوامل المؤثرة في إمكانية نجاح المفاوضات
1. الضغوط الداخلية:
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها إيران، إلى جانب تصاعد الاحتجاجات الشعبية، قد تدفع النظام إلى البحث عن حلول داخلية لتخفيف التوترات. في ظل هذه الظروف، قد يكون النظام مستعدًا للتفاوض مع الأكراد كوسيلة لتخفيف الضغوط الداخلية وتهدئة المناطق الكردية التي تشكل بؤرًا للاحتجاجات.
2. الضغوط الدولية:
العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي وتدخلاتها الإقليمية قد تلعب دورًا في دفع النظام الإيراني نحو المفاوضات. قد يرى النظام أن تقديم تنازلات داخلية للأكراد يمكن أن يحسن صورته دوليًا ويساعده في تخفيف بعض الضغوط الدولية.
3. دور الوساطات الإقليمية:
حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية قد تلعبان دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر بين الأكراد والنظام الإيراني. كونهما طرفين لهما علاقات جيدة مع الجانبين، يمكن أن يساهما في التوسط لتحقيق تسوية سلمية، خاصة إذا تطورت الأوضاع الإقليمية نحو تعاون أكبر.
السيناريوهات المستقبلية للمفاوضات
1. التفاوض الجزئي على حقوق ثقافية:
قد يلجأ النظام الإيراني إلى تقديم تنازلات محدودة في مجال الحقوق الثقافية والتعليم باللغة الكردية كمحاولة لتهدئة التوترات. مثل هذه الخطوة قد تساعد في تخفيف بعض الاستياء، لكنها لن ترضي الطموحات الأكبر للأكراد في الحكم الذاتي أو التمثيل السياسي.
2. استمرار المفاوضات عبر وسطاء دوليين:
في حال تصاعدت الضغوط الدولية على إيران، قد تجد طهران نفسها مجبرة على التفاوض مع الأكراد بوساطة دولية. يمكن أن تساهم دول مثل الأمم المتحدة أو دول أوروبية في دعم هذه المفاوضات بهدف إيجاد حل سياسي شامل.
3. التفاوض مقابل تحييد الجماعات المعارضة المسلحة:
قد يعرض النظام الإيراني على الأكراد بعض التنازلات السياسية أو الاقتصادية في مقابل تخلي الجماعات الكردية عن سلاحها ووقف أي أنشطة مسلحة ضد الحكومة. هذا السيناريو قد يكون جذابًا للنظام إذا شعر بتهديد أمني متزايد من قبل الجماعات الكردية المسلحة.
خلاصة
على الرغم من تاريخ طويل من التوترات والقمع، هناك فرص مستقبلية للتفاوض بين الأكراد والنظام الإيراني، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة. يعتمد نجاح هذه المفاوضات على استعداد النظام لتقديم تنازلات حقيقية، وعلى قدرة الأكراد على تقديم رؤية واضحة لمطالبهم بما يتناسب مع الوضع الإقليمي والدولي. ومع ذلك، يظل هذا السيناريو بعيد المنال إذا استمر النظام في رفضه لأي حلول سياسية واستخدامه للقوة كأداة رئيسية في التعامل مع المعارضة.
الصراع الإيراني-الكردي يظل جزءًا من المشهد الإقليمي المعقد الذي يشمل العديد من العوامل المتشابكة. في ظل التوترات الإقليمية والدولية والضغوط الداخلية المتزايدة على النظام الإيراني، يبقى مصير هذا الصراع غير محسوم. هناك احتمال كبير بأن يستمر التصعيد العسكري، لكن التحولات السياسية في إيران أو التدخلات الدولية قد تفتح بابًا لتسويات سياسية. في كل الأحوال، سيظل الأكراد لاعبًا مهمًا في المشهد الإيراني، وستظل مطالبهم بالحقوق والمشاركة السياسية قضية محورية في مستقبل العلاقات بين طهران والأكراد.