كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا
الانتفاضة الحالية في السويداء واستكمال إرث الشيخ وحيد البلعوس
في الآونة الأخيرة، تشهد محافظة السويداء في سوريا انتفاضة شعبية متجددة، حيث يخرج الناس إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للظلم والقمع المستمر من النظام السوري، والمطالبة بحقوقهم في العيش بكرامة. هذه الانتفاضة تأتي في سياق طويل من النضال الذي بدأه الشيخ وحيد البلعوس وحركة “شيوخ الكرامة” التي أسسها في السنوات الأولى من الثورة السورية.
الشيخ وحيد البلعوس ترك بصمة واضحة على الحراك الشعبي في السويداء، حيث رسّخ قيم الكرامة والحرية ورفض الاستبداد. الانتفاضة الحالية تعتبر استكمالًا لإرث الشيخ وحيد، إذ إن أبناء السويداء يواصلون السير على خطى القيم التي دعا إليها، مطالبين بحياة كريمة وحريتهم في تقرير مصيرهم دون ضغوط أو استغلال. يتردد في أوساط المنتفضين اليوم شعارات مستوحاة من خطاباته وكلماته التي كانت تلهب مشاعر الناس، وأبرزها تمسكهم بفكرة أن الكرامة هي الأساس ولا يمكن التفريط بها مهما كانت التحديات.
السيرة الذاتية
الشيخ وحيد البلعوس (أبو فهد) ولد في محافظة السويداء بجبل الدروز في سوريا، في بيئة دينية وثقافية مميزة للطائفة الدرزية. سرعان ما برز كواحد من أبرز شيوخ الطائفة بفضل حكمته وشخصيته القيادية. مع بداية الثورة السورية في 2011، تحول الشيخ وحيد إلى صوت معارض مستقل عن النظام السوري، منتقدًا سياساته تجاه السويداء وأبناء الطائفة الدرزية بشكل خاص.
الشيخ وحيد رفض أي محاولات من النظام لفرض سيطرته الكاملة على الطائفة الدرزية واستخدامها كأداة في الحرب الأهلية السورية. لم يكن يعارض النظام السوري فقط من باب الخلاف السياسي، بل من منطلق رفضه القاطع للظلم والقمع والفساد الذي عانى منه السوريون لعقود طويلة.
حركة شيوخ الكرامة
في ظل زيادة الضغوط على السويداء وأبناء الطائفة الدرزية للتجنيد القسري والمشاركة في الحرب، أسس الشيخ وحيد البلعوس حركة “شيوخ الكرامة”، وهي حركة محلية تهدف إلى حماية أهالي السويداء والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم. كانت الحركة تدعو إلى رفض التجنيد القسري الذي كان النظام السوري يحاول فرضه على أبناء السويداء، ورفض التورط في الحرب الدائرة في سوريا.
كانت فلسفة الحركة بسيطة ولكن قوية: حماية الأرض والكرامة ورفض الخضوع لأي قوة تسعى لاستغلال الناس. الحركة لم تكن تدعو للعنف، بل كانت تدعو للدفاع عن النفس والحفاظ على السلام داخل السويداء، مع تأكيد الشيخ وحيد أن السويداء وأبنائها لن يكونوا أدوات في حرب لا تمثلهم.
معارضة الشيخ وحيد البلعوس للنظام السوري
الشيخ وحيد البلعوس رفض بشكل صريح سياسات النظام السوري تجاه السويداء. كان من أشد المعارضين لمحاولات النظام استغلال أبناء الطائفة الدرزية في الحرب الدائرة، مؤكداً أن السويداء ليست طرفاً في هذا الصراع. كان الشيخ وحيد يرى أن النظام يسعى لاستغلال الطائفة الدرزية في معارك النظام السياسية والعسكرية، بينما يعاني أبناء الطائفة من التهميش والإهمال.
قال الشيخ وحيد في إحدى خطبه الشهيرة:
“لن نكون جزءاً من هذه الحرب التي لا نعرف أسبابها. أبناء السويداء وُجدوا ليعيشوا بكرامة، ولن نقبل أن نُستغل في معارك ليست لنا.”
هذا الموقف جعل الشيخ وحيد هدفاً للنظام السوري، الذي اعتبر موقفه تهديداً لسيطرته على السويداء. لكن رغم التهديدات المستمرة، واصل الشيخ وحيد التحدث علناً ضد السياسات القمعية ودفاعه عن حقوق أهالي السويداء.
أهم أقواله
من أشهر أقوال الشيخ وحيد البلعوس، التي أصبحت شعاراً لحركته وموقفه السياسي:
“إما بكرامة فوق الأرض أو تحت الأرض.”
هذه العبارة تعكس التزام الشيخ وحيد بالدفاع عن كرامة الإنسان مهما كانت الظروف. كان يرى أن العيش بدون كرامة لا قيمة له، وأنه من الأفضل للإنسان أن يموت بشرف على أن يعيش في ظل الظلم والقمع.
العبارة الشهيرة للشيخ وحيد “إما بكرامة فوق الأرض أو تحت الأرض” تحمل معاني عميقة حول فلسفته في الحياة والموت:
- فوق الأرض: هذه الجملة ترمز إلى الحياة بكرامة وحرية، حيث يتمتع الإنسان بحريته وحقوقه دون اضطهاد أو استغلال. الشيخ وحيد كان يؤمن بأن الكرامة هي الحق الأساسي لكل إنسان، وأنه لا يمكن لأحد أن يعيش بكرامة إذا كان خاضعاً للظلم والقهر.
- تحت الأرض: الجزء الثاني من العبارة يشير إلى الموت، ولكن ليس الموت كخيار سهل، بل كقرار أخلاقي يجب اتخاذه في حال سلب الكرامة. الشيخ وحيد كان يؤمن أن الموت بكرامة أفضل بكثير من حياة مذلة خاضعة للظلم.
هذه العبارة أصبحت رمزاً لحركة شيوخ الكرامة، وأكدت على الموقف المبدئي للشيخ وحيد بأن الكرامة هي قيمة مقدسة لا يمكن التنازل عنها مهما كانت الظروف.
اغتياله
في 4 سبتمبر 2015، تعرض الشيخ وحيد البلعوس لمحاولة اغتيال بتفجير استهدف موكبه قرب مدينة السويداء، مما أدى إلى مقتله هو وعدد من رفاقه. كانت هذه العملية محاولة واضحة من النظام السوري لإسكات الصوت المعارض الذي كان يمثل تهديداً مباشراً لسيطرته في المنطقة.
اغتياله أثار غضباً كبيراً في السويداء، حيث خرجت مظاهرات حاشدة تندد بالجريمة وتتهم النظام بالوقوف وراء العملية. اعتبرت حادثة الاغتيال نقطة تحول في علاقة السويداء بالنظام السوري، حيث زادت من توتر العلاقات بين أهالي السويداء والنظام.
تأثير العبارة بعد اغتياله
بعد اغتياله، أصبحت عبارة “إما بكرامة فوق الأرض أو تحت الأرض” شعاراً للانتفاضة الشعبية في السويداء. أصبحت هذه العبارة رمزاً للمقاومة والصمود أمام القمع، واستمر أبناء السويداء في التمسك بالقيم التي دافع عنها الشيخ وحيد.
أهالي السويداء اليوم يرددون هذه العبارة في الاحتجاجات والمظاهرات التي خرجت في مواجهة النظام السوري، تأكيداً على التزامهم بفكرة أن الكرامة هي الأساس، وأنهم مستعدون للدفاع عنها حتى النهاية.
الإرث والتأثير
رغم اغتياله، ظل إرث الشيخ وحيد البلعوس حيًا بين أهالي السويداء. استمرت حركة شيوخ الكرامة في العمل والدفاع عن حقوق الناس، وتستمر الانتفاضات الحالية في السويداء باستلهام مبادئ الشيخ وحيد وأفكاره. الكرامة والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هوية الحراك الشعبي في السويداء.
اغتياله كان محاولة لكسر إرادة أهالي السويداء، لكن بدلاً من ذلك، أصبح رمزاً للشجاعة والمقاومة في مواجهة الظلم.
كان الشيخ وحيد البلعوس من أبرز شيوخ الطائفة الدرزية وقائدًا لحركة شيوخ الكرامة في السويداء. كانت فلسفته قائمة على الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه في مواجهة الظلم، وهو ما عبّر عنه بشكل جلي في عبارته الشهيرة “إما بكرامة فوق الأرض أو تحت الأرض.” رغم اغتياله في 2015، إلا أن إرثه ظل حيًا واستمر تأثيره على الحراك الشعبي في السويداء حتى اليوم، حيث يقف أهالي المنطقة ضد أي محاولة لسلب حقوقهم أو استغلالهم.