خاص/ اخباركم – اخبارنا
السؤال الاكثر أهمية والحاحاً عند الغالبية العظمى من اللبنانيين، بعد نبأ سوق الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة الى الاحتجاز والمثول امام التحقيق، هو ما هي معالم “الصفقة الخفية” التي حيكت خيوطها داخلياً وخارجياً في الآونة الاخيرة، وفرضت سَوق الرجل الى الاحتجاز الاحتياطي حالياً تمهيداً لرحلة محاكمات قد تطول؟ واستطراداً ما هي النتائج؟.
السؤال ينطلق من مسلمة اساسية في لبنان، وهي انه لم يعتقل أي مسؤول لبناني بتهمة الاختلاس والفساد الا مرة واحدة عندما سيق الوزير الارمني السابق (شغل منصب وزير الطاقة) شاهيه برسوميان الى السجن في اواسط التسعينات من القرن الماضي، وظلت هذه الواقعة يتيمة، اذ لم تسجل قبلها او بعدها أي حادثة مماثلة. لذا، فان الاعتقاد السائد لدى الرأي العام اللبناني الذي يفتقد الثقة بنزاهة دولته وقضائه، هو ان سلامة قبض عليه كجزء من عملية تنظيف سجله.
المعلوم ان الرجل الذي تولى لأكثر من ثلاثين عاماً وظيفة تسمح له بفرض ولايته على المالية العامة في الدولة وعلى القطاع المصرفي، فأخذ حريته وتصرف تصرف المالك بملكه الى يوم وقعت فيه الواقعة وحدثت الكارثة، فانهارت مالية لبنان وسقط قطاعه المصرفي وعجز عن الدفع والسداد، وتبخرت ودائع ملايين اللبنانيين.
بعدها مباشرة صار “الحاكم بأمر المال كما سمّي” محاصراً بتهم شتى وسط المطالبات باقالته ومحاكمته باعتباره المسؤول الاول عن هذه الكارثة الداهمة.
وقد ازدادت الشبهات حول الرجل بعدما دخل القضاء في فرنسا وسويسرا ودول اوروبية أخرى على الخط، متهماً اياه بتهم شتى ومطالباً بتسليمه اليه لمساءلته.
لكن ثمة “ارادة” قوية داخلية أمّنت له امرين:
- الحصانة التامة.
- الاستمرار في مركزه حتى انتهاء ولايته التي مددت اكثر من مرة برضى الطبقة السياسية كلها.
وبالفعل، ظل يمارس مهماته في مقر المصرف في اول شارع الحمراء، الى ان خرج منه باحتفال بدا متواضعاً، لكن كانت للأمر ابعاد لأنه خرج الى منزله بحراسة امنية، رافضاً المثول امام القضاء الذي استدعاه اكثر من مرة وكان يتهرب من التبلغ.
الى ان اتى قرار المدعي العام التمييزي بالانابة جمال حجار ليعيد تحريك القضية بعدما كاد الرأي العام ينساها.
ومع هذا الحدث الذي طغى على ما عداه من احداث، سرت موجة تكهنات حول امرين: - الاول، ما هي طبيعة التسوية – الصفقة التي فرضت رفع الحصانة عن الرجل وسهلت احتجاز القضاء له على ذمة التحقيق.
- الثاني، ماذا سيكون مصيره النهائي بعد اخضاعه للتحقيقات؟
ثمة كلام يسري في اوساط متابعة، مفاده ان المرجعيات المسيحية الروحية والزمنية التي أمّنت حصانة للرجل في ما مضى وحالت دون مثوله امام القضاء المختص، قد رفعت غطاء الحصانة عنه، واعطيت مهمة توقيفه واخضاعه للمحاكمة الى السنة والشيعة معاً، اذ أن أمر الاعتقال اتى من المدعي العام التمييزي وهو من اهل السنة، فيما امر التحقيق معه منوط بقاضيين: الاول قاضي التحقيق بلال حلاوي والمدعي العام المالي علي ابراهيم، وكلاهما من الشيعة ومحوسبان سياسياً على الرئيس نبيه بري.
وبالاجمال فان “الصفقة” اتت لتحقق نتيجتين:
الاولى، انه لم يعد بالامكان “تهريب” سلامة من وجه القضاء اكثر من ذلك، لأن ضغط القضاء الاوروبي اشتد اخيراً.
الثانية، ترجيح ان يكون اخضاعه للمحاكمة واصدار احكام بحقه نوعاً من “عملية تنظيف” لسجله وتصفية كل الملفات والدعاوى والقضايا العالقة بشأنه تمهيداً لاعادته بريئاً الى الحياة العامة ولابطال مطالبة القضاء الاوروبي به.
وعليه، فان الكلام الاولي الذي تتداوله اوساط متابعة، هو ان يتم تغريم الرجل مالياً والحكم عليه باعادة مبلغ يتراوح بين خمسين ومئة مليون دولار الى خزينة الدولة، فيما البحث جار عن مسوغات قانونية لاختصار فترة توقيفه وسجنه الى اضيق الحدود.
في كل الاحوال، إن المخارج القانونية لهذه القضية هي الآن بيد الرئيس بري كون القاضيين حلاوي وابراهيم من الزوار الدائمين لعين التينة.