أخباركم – أخبارنا
كتب عبد الرحيم التوراني
عندما بدأت الحرب كنت جالسا في مقهى الحي مع جاري العسكري المتقاعد.
وربما كنت في سوق الأسماك. أو في شارع بوسط المدينة، أفتش عن عيادة طبيب ماهر، أخصائي في علاج اضطراب السمع.
في حالة ما كانت بدايتها بعد ظهيرة يوم أحد، فالأرجح أني سأكون مسترخيا في بلكون شقتي الصغيرة، أطل على الشارع المشجر الهادئ، وأمامي سجائري السوداء مع القداحة ومنفضة الرماد. أتصفح مجلة فنية قديمة، من تلك المجلات التي كانت تتنافس على جذب القراء بملء أغلفتها بوجوه وأجساد ممثلات الإغراء الفاتنات.
وقد أطالع بضعة صفحات من رواية جريئة بغموضها الآسر، لمؤلف أمريكي مغمور، بعنوان: “رواية الحرب والسلام التي لم يكتبها تولستوي”.
أما إذا كنتَ متأكدا من أن وقت بداية الحرب كان فعلا في ساعة من ساعات وسط الليل، فمن الطبيعي أن أكون نائما، وكصائد فراشات أعمى أكون وقتها أحلم بمطاردة مستقبل هارب منفلت.
لكن كل ما أتذكره، هو أنه لحظة اندلاع الحرب كنت خائفا، أشد ما يكون عليه المرء من فزع وارتعاب، أفكر فقط في النجاة بروحي. ولم يكن بإمكاني غير الاختباء تحت قصاصة أرقام تجريدية، لكنها أرقام تحظى بالقبول من طرف أكبر وكالات الأنباء ومن جميع القنوات التلفزيونية.
هناك.. كنت مكوما ضمن أرتال الضحايا، بعدما رميت نفسي بنفسي طوعا بينهم.
حتى الآن لست متيقنا، ما إذا صرتُ بين أرقام القتلى أو ضمن أرقام الجرحى.. أم أن حظي الهارب المنفلت رقَّ لحالي هذه المرة وغطاني بحنوه في عتمة المفقودين.
وكلعبة القمار الحلال، تنطوي على الربح أكثر من الخسارة، أسألكم الدعاء، أن تكون ورقتي مباركة، والفضل دائما لكم، كي أعود سالما لبلكون شقتي، سأفاجئكم بحكايات مسلية عن خسارات الأرقام الرابحة، كما لم يروها أي مفقود اختفى من قبل ولم يظهر بعدها.