كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا”
في السادس عشر من أيلول 1982، تأسست جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) كردّ على الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وتحديداً بعد اجتياح بيروت. أطلقت الجبهة سلسلة من العمليات النوعية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في مختلف المناطق، وكان من بين تلك العمليات البارزة عملية الويمبي وعملية محطة أيوب وعملية صيدلية بسترس، التي أثبتت أن الاحتلال الإسرائيلي لن يمر دون مقاومة شرسة.
عملية الويمبي
حصلت العديد من العمليات العفوية، إلا أن أبرزها كانت عملية الويمبي التي سميت زورا بعملية خالد علوان لتجهيل الفاعل الحقيقي. نفذ العملية خالد علوان المنتمي للحزب القومي السوري، بدفع من صديقه شربل عبود الذي زوده بالمسدس. خلال العملية، قتل علوان أربعة ضباط من الجيش الإسرائيلي. في ذلك الوقت، كان قادة الحزب القومي متوارين ولم يكونوا قد اتخذوا قراراً بالمشاركة في القتال.
عملية محطة أيوب
عملية محطة أيوب وقعت في 22 سبتمبر 1982 وكانت واحدة من العمليات البارزة التي نفذتها جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في بيروت. استهدفت العملية محطة عسكرية إسرائيلية كانت متمركزة في منطقة أيوب ببيروت. أسفرت عن مقتل العديد من الجنود الإسرائيليين وتدمير عدة آليات عسكرية، مما جعلها جزءًا من سلسلة العمليات النوعية التي أضعفت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على العاصمة. جاءت هذه العملية في إطار تصاعد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياح بيروت، وسبقت الانسحاب الإسرائيلي الكامل في 27-28 سبتمبر 1982.
عملية صيدلية بسترس
في ليلة 20-21 سبتمبر 1982، نفذت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية أولى عملياتها الكبرى ضد قوات الاحتلال في عملية صيدلية بسترس، الواقعة في منطقة الصنائع ببيروت. استهدفت هذه العملية دورية إسرائيلية كانت متمركزة بالقرب من الصيدلية، ما أسفر عن مقتل وجرح العديد من الجنود الإسرائيليين. كانت هذه العملية بداية لسلسلة من العمليات التي تهدف إلى تحرير بيروت والمناطق المحتلة، وأثبتت ضعف سيطرة الاحتلال أمام تصميم المقاومة اللبنانية، مما أجبر القوات الإسرائيلية على الانسحاب من بيروت.
جمول بعيون قادة الحزب
جورج حاوي
جورج حاوي، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، كان أحد الشخصيات البارزة التي ساهمت في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول). وجاء تأسيسها كرد فعل مباشر على الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياح بيروت في سبتمبر 1982. مثلت الجبهة تحالفًا بين القوى الوطنية والتقدمية، بقيادة الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي، بهدف مقاومة الاحتلال ودعم التحرير الوطني للبنان.
تأسيس جمول ورؤية جورج حاوي
أكد حاوي مرارًا أن جبهة المقاومة الوطنية لم تنشأ من العدم، بل كانت امتدادًا لتاريخ طويل من المقاومة الشعبية اللبنانية ضد العدوان الإسرائيلي، التي ترسخت خلال سنوات من النضال في الجنوب اللبناني والبقاع. وأوضح أن جمول لم تكن وليدة لحظة، بل كانت تتويجًا لنضالات سابقة، وتجسيدًا للرغبة اللبنانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بشكل شامل ومنظم.
واعتبر أن المقاومة لم تكن مجرد مقاومة مسلحة، بل مشروع وطني يهدف إلى تحرير الأرض وبناء مجتمع ديمقراطي موحد، بعيدًا عن الانقسامات الطائفية والسياسية التي مزقت لبنان خلال الحرب الأهلية. شدد حاوي على أن جمول تمثل “تحالفًا وطنيًا واسعًا” شاركت فيه فصائل من مختلف الطوائف والاتجاهات السياسية، بهدف مشترك هو تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.
التضحيات ودور المقاومين
أشار جورج حاوي في إحدى تصريحاته الشهيرة إلى أن المقاومة بدأت بالدم، موضحًا أن أول شهداء جمول، وهم قاسم الحجيري، جورج قصابلي، ومحمد مغنية، كانوا من كتبوا بيان تأسيس الجبهة بدمائهم. استشهد هؤلاء الأبطال أثناء الدفاع عن بيروت، واعتبر حاوي أن دماءهم كانت الأساس الذي بنيت عليه المقاومة الوطنية اللبنانية، وكانت مصدر إلهام للأجيال اللاحقة من المقاومين.
رؤية حاوي للمقاومة الشعبية
كان حاوي من المدافعين عن فكرة المقاومة الشعبية الشاملة، واعتبر أن مواجهة الاحتلال لا يمكن أن تقتصر على العمل العسكري فقط، بل يجب أن تتوسع لتشمل جميع فئات الشعب اللبناني من مختلف الطوائف والمناطق. كان يرى أن جمول ليست حركة مقاومة محدودة بفئة أو منطقة، بل هي تعبير عن إرادة وطنية شاملة. دعا إلى توسيع دائرة المشاركة في المقاومة، معتمدًا على توحيد اللبنانيين خلف هدف تحرير الأرض وتحقيق استقلال لبنان الكامل.
تحديات ما بعد التحرير ومراجعات حاوي
بعد سنوات من المقاومة، أجرى جورج حاوي مراجعات حول تجربة جمول، وأشار إلى بعض التحديات التي واجهتها الجبهة بعد تحقيق العديد من الانتصارات. رغم نجاحها في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الضغوط الإقليمية والتدخلات السياسية الخارجية أثرت على وحدة المقاومة وأدائها في ما تبقى من المناطق المحتلة، خاصة في الجنوب اللبناني. رأى حاوي أن استكمال مشروع التحرير يتطلب تجاوز الانقسامات الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية لضمان بناء لبنان المستقل والديمقراطي.
كلمات ملهمة لجورج حاوي حول جمول:
- “المقاومة الوطنية اللبنانية ليست خيارًا، بل هي ضرورة”: كان جورج حاوي يؤمن بأن المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي هي واجب وطني، وليست مجرد خيار سياسي. قال: “لا يمكن لأي شعب أن يقبل العيش تحت الاحتلال والذل، والمقاومة هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة الكرامة والتحرر. جمول هي السيف الذي يذود عن لبنان وأهله.”
- “التحرير هو هدفنا الأول والأخير”: شدد حاوي على أن هدف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) لم يكن فقط مقاومة الاحتلال، بل تحرير الأرض بشكل كامل.
- “جمول هي وحدة الوطن في وجه التقسيم”: بالنسبة لجورج حاوي، كانت جبهة المقاومة رمزًا لوحدة اللبنانيين بمختلف طوائفهم في مواجهة محاولات تقسيم الوطن.
- “المقاومة ليست سلاحًا فقط، بل هي فكر وثقافة”: كان حاوي يؤكد أن المقاومة ليست مجرد قتال مسلح، بل هي أيضًا مشروع فكري وثقافي لتحرير العقول من الاستسلام.
جورج حاوي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية
جورج حاوي، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، كان أحد الشخصيات الرئيسية التي أسست جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. في إحدى تصريحاته، قال حاوي: “كانت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي الرد الطبيعي للشعب اللبناني على الاحتلال الإسرائيلي. تأسست على مبدأ أن المقاومة حق شرعي لكل شعب تحت الاحتلال، وأن السلاح هو الوسيلة الأخيرة لتحقيق الحرية والسيادة.” كان يؤمن بأن المقاومة الوطنية يجب أن تضم جميع اللبنانيين بغض النظر عن طوائفهم، مؤكداً على أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال.
مهدي عامل (حسن حمدان)
مهدي عامل، أو حسن حمدان، كان فيلسوفًا ماركسيًا ملتزمًا بربط المقاومة الوطنية ضد الاحتلال بالنضال الطبقي والاجتماعي، وكان يدعو إلى التغيير الجذري من خلال التوفيق بين التحرير الوطني والتحرر الاجتماعي.
- عن المقاومة كفعل تحرري: في كتابه “في التناقض”، يقول مهدي عامل:
“المقاومة ليست مجرد فعل عسكري، بل هي فعل اجتماعي وثقافي وسياسي. إن المقاومة الوطنية المسلحة هي، في جوهرها، مقاومة طبقية لأنها تتصدى لا فقط للاحتلال كظاهرة عسكرية، بل أيضًا لأبعاده الاقتصادية والاجتماعية.” - عن ارتباط النضال الوطني بالنضال الطبقي: في كتابه “أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية؟”، يوضح مهدي عامل:
“النضال الوطني الحقيقي لا ينفصل عن النضال الطبقي. إن تحرر الوطن من الاستعمار يتطلب في الوقت نفسه تحرر الطبقات المظلومة من هيمنة الطبقات البرجوازية التي تتواطأ مع الاستعمار.” - عن دور الجماهير في المقاومة: يقول مهدي عامل في أحد مقالاته حول المقاومة:
“الجماهير هي القوة الحقيقية في مواجهة الاحتلال. المقاومة ليست ملكًا لفئة محددة أو حزب معين، بل هي ملك للجماهير التي تعي مصالحها وتدافع عنها بكل الوسائل الممكنة.” - عن العلاقة بين الإمبريالية والمقاومة: و “في التناقض” أيضًا، يقول مهدي عامل:
“الإمبريالية ليست مجرد قوة احتلال عسكرية، بل هي نظام عالمي يرتكز على استغلال الشعوب اقتصاديًا وسياسيًا. وبالتالي، فإن المقاومة هي في الأساس فعل ضد الإمبريالية بكافة أشكالها، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية.” - عن المقاومة والثقافة: في كتابه “النظرية في الممارسة السياسية”، يشير مهدي عامل إلى أن:
“الثقافة المقاومة هي تلك التي تعيد بناء وعي الإنسان بنفسه وبمجتمعه. المقاومة ليست مجرد حرب ضد الاحتلال، بل هي أيضًا إعادة بناء للوعي الشعبي.”
جورج البطل
في مشهد المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كانت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) واحدة من أبرز حركات التحرر التي حققت إنجازات كبيرة. وفقًا لرؤية جورج البطل، أحد القادة البارزين في الحركة اليسارية اللبنانية وعضو بارز في “جمول”، كانت هذه الجبهة أكثر من مجرد حركة مسلحة. فقد تمثلت في مشروع وطني وشعبي واسع، ضم مختلف فئات المجتمع اللبناني، من العمال والمثقفين إلى الفلاحين والمقاومين.
المقاومة كنهج شامل
أكد جورج البطل في تصريحاته أن جمول لم تنطلق فقط لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت تمثل نهجًا تحرريًا شاملًا، يهدف إلى تحرير الإنسان اللبناني من كل أشكال الظلم والاستغلال، سواء كان ذلك من الاستعمار الخارجي أو النظام الاقتصادي والاجتماعي الداخلي. في رؤيته، كانت المقاومة نموذجًا يُحتذى به لحركات التحرر في العالم العربي والعالمي.
وحدة الشعب في وجه الاحتلال
ما ميز جمول، حسب البطل، هو تلاحم فئات المجتمع اللبناني كافة، بعيدًا عن الفروقات الطائفية أو السياسية، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. كانت جمول تعبيرًا حقيقيًا عن وحدة اللبنانيين، وهو ما جعلها حركة مقاومة وطنية شاملة، وليست فئوية أو طائفية.
تحديات ما بعد التحرير
رغم النجاحات العسكرية التي حققتها جمول، أشار جورج البطل إلى التحديات التي واجهتها الجبهة بعد انتهاء الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا في الجنوب اللبناني. أضاف أن هناك محاولات داخلية وخارجية لتقليص دور المقاومة، مستغلين الظروف السياسية والاجتماعية التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي.
البعد الديمقراطي والتغييري
لطالما شدد جورج البطل على أن المقاومة الوطنية يجب أن تكون جزءًا من مشروع ديمقراطي وتغييري شامل. بالنسبة له، المقاومة ليست مجرد وسيلة لتحرير الأرض فحسب، بل أيضًا لتحرير الإنسان وبناء مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية، يخدم جميع فئات الشعب اللبناني.
نديم عبد الصمد
نديم عبد الصمد، القائد الشيوعي البارز، كان له دور محوري في تشكيل جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول). من خلال قيادته ودعمه للجبهة، كان ينظر إلى المقاومة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من مشروع وطني تحرري يمتد ليشمل النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد الهيمنة الاجتماعية والسياسية الداخلية. في حديثه عن جمول، ركز على أن المقاومة ليست مجرد حركة مسلحة، بل تجسيد لتحالف واسع من القوى التقدمية واليسارية في لبنان، التي تهدف إلى تحقيق التحرر الكامل للأرض وبناء مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية.
المقاومة كحركة شاملة
رأى نديم عبد الصمد أن جمول لم تكن فقط مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت أيضًا مقاومة من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي. اعتبر أن المقاومة لا يمكن أن تقتصر على الدفاع عن الوطن فقط، بل يجب أن تسعى لتحرير الإنسان من الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي. هذا يتماشى مع فكره اليساري الذي يؤكد على أهمية التغيير الاجتماعي الداخلي جنبًا إلى جنب مع النضال ضد الاحتلال.
التحرر الوطني والاجتماعي معًا
في تصريحاته، كان عبد الصمد يكرر أن جمول هي مشروع للتحرر الوطني والاجتماعي في آنٍ واحد. بالنسبة له، المقاومة ليست مجرد وسيلة لطرد الاحتلال، بل هي أيضًا فرصة لبناء مجتمع ديمقراطي جديد خالٍ من الظلم الاجتماعي. يرى أن هذه الرؤية كانت السبب في نجاح المقاومة في تحرير أجزاء كبيرة من لبنان، لكنها في الوقت نفسه كانت تتطلب استكمال التحرر على الصعيد الداخلي.
دور اليسار في المقاومة
أشار نديم عبد الصمد إلى أن اليسار كان في قلب الحركة المقاومة، وأن الحزب الشيوعي اللبناني لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل جمول وإعطائها البعد الاجتماعي والديمقراطي. كان يعتبر أن تحالف القوى اليسارية والتقدمية هو ما أعطى المقاومة قوتها وجعلها نموذجًا يحتذى به في حركات التحرر الوطنية الأخرى في المنطقة.
التحديات بعد التحرير
رغم النجاحات التي حققتها جمول، أشار عبد الصمد إلى أن الجبهة واجهت تحديات كبرى بعد الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق اللبنانية. من بين هذه التحديات، الضغوط السياسية الداخلية والخارجية التي حاولت تحجيم دور الجبهة وتقويض نجاحاتها. ورأى أن استكمال التحرير الوطني يحتاج إلى مواجهة تلك الضغوط بتوحيد الصفوف الداخلية والعمل على تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي شكلت جزءًا من رؤية الجبهة.
إرث جمول
شكلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) صفحة مشرقة في تاريخ لبنان الحديث، وأثبتت، وفقًا لجورج البطل، أن المقاومة الشعبية والديمقراطية قادرة على تحقيق الإنجازات الكبيرة. ورغم انتهاء الاحتلال، تبقى الجبهة مثالًا يحتذى به لكل الحركات التي تسعى للتحرر من الظلم والاحتلال.
ما كتبته الصحافة عن انطلاقة المقاومة
الصحافة اللبنانية والعربية
أشادت الصحافة اللبنانية والعربية بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وعملياتها البطولية. صحيفة النهار اللبنانية اعتبرت أن العمليات التي نفذتها جمول تمثل صمود الشعب اللبناني في مواجهة الاحتلال. كما وصفت صحيفة السفير عملية الويمبي بأنها “الشرارة التي أضاءت درب المقاومة”، بينما اعتبرت صحيفة الأهرام المصرية أن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جاءت كرد فعل طبيعي لمواجهة الغزو الإسرائيلي، مؤكدةً على أنها تجسيد للإرادة العربية المشتركة.
الصحافة الغربية
في المقابل، اهتمت الصحافة الغربية بتغطية تلك الأحداث. صحيفة نيويورك تايمز وصفت العمليات بأنها إشارة واضحة لإسرائيل بأن احتلال بيروت لن يمر دون مقاومة. كما أشارت لوموند الفرنسية إلى أن العمليات كانت بمثابة عودة إلى تقاليد المقاومة الشعبية، وأظهرت أن الاحتلال الإسرائيلي يواجه مقاومة شرسة من قبل الشعب اللبناني.
نساء من كل الوطن لكل الوطن: سهى بشارة، لولا عبود، ووفاء نورالدين
سهى بشارة
سهى بشارة، التي ولدت في جنوب لبنان، انضمت إلى الحزب الشيوعي اللبناني وأصبحت من أبرز وجوه المقاومة. في أكتوبر 1988، حاولت اغتيال أنطوان لحد، قائد ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي” المتعاونة مع إسرائيل، وقد تم اعتقالها وسجنها في معتقل الخيام لأكثر من 10 سنوات قبل إطلاق سراحها.
لولا عبود
لولا عبود، من بلدة القرعون في البقاع الغربي، كانت رمزاً من رموز المقاومة الوطنية اللبنانية. وُلدت في عام 1966 وانضمت إلى الحزب الشيوعي في عام 1981، ثم إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 1984. شاركت لولا في العديد من العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال، وكانت آخر عملية لها في 21 نيسان 1985 عندما استشهدت أثناء قيامها بهجوم على دورية إسرائيلية عند مدخل بلدة القرعون. استهدف الهجوم دبابة ميركافا، مما أدى إلى تدميرها بالكامل وقتل طاقمها.
وفاء نورالدين
وفاء نورالدين، من مواليد النبطية عام 1962، انضمت إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في وقت مبكر. كانت أماً لطفل واحد واستشهدت في 9 مايو 1985 خلال عملية فدائية ضد قوات الاحتلال في منطقة حاصبيا، حيث كانت تقود مجموعة مقاومة.
لماذا اختار الحزب الشيوعي مقاومة وطنية وليس إسلامية؟
اختار الحزب الشيوعي اللبناني أن تكون المقاومة وطنية وليس إسلامية لعدة أسباب استراتيجية وفكرية:
- الأيديولوجية الشيوعية والمبدأ الوطني: الحزب الشيوعي يتبنى الفكر الماركسي الذي يرفض الطائفية والدين كقاعدة سياسية. هدف الحزب كان تأسيس مقاومة تشمل جميع اللبنانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو الدينية.
- الحفاظ على الوحدة الوطنية: لبنان بلد متعدد الطوائف، وكان من الضروري أن تكون المقاومة شاملة لجميع الطوائف لتجنب الانقسامات الداخلية التي قد تؤدي إلى إضعاف الحركة الوطنية.
- رفض الحصرية الطائفية: مقاومة إسلامية كانت ستقيد الجبهة ضمن حدود طائفية ضيقة، ما يعاكس رؤية الحزب الشيوعي بضرورة توحيد اللبنانيين ضد الاحتلال الإسرائيلي.
دور السلاح
السؤال الأهم في هذه المناسبة هو ذكرى تأسيس المقاومة ودور سلاحها الذي حوله حزب الله إلى كابوس فرضه على اللبنانيين ويسعى إلى حكمهم من خلاله. طرح الدكتور علي مراد عبر صفحته للتواصل الاجتماعي موضوع أهمية التخلص من تقديس السلاح في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن المقاومة المسلحة كانت ضرورة في مرحلة معينة، لكنها يجب ألا تتحول إلى قاعدة دائمة في العمل السياسي.
وأضاف الدكتور علي مراد:
“في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لا بد من تكسير أزلية وأبدية الأسطورة. وحده هذا الفعل يعيد للبطولة أنبل أشكالها. هؤلاء لم يكونوا إلا أناساً عاديين جداً. آلاف ذهبوا إلى القتال، استشهد بعضهم وأسر العشرات وعاد الآخرون إلى جوار عائلاتهم، حاضنين أسرارهم وليناموا بصمت إلى جانبها. أيها العاديون جداً، لقد كنتم فعل السياسة في حدها الأقصى في لحظة الهزيمة الأقسى. كنتم مستعدين للتضحية بالحياة الوضعية من أجل حياة وضعية أبهى للآخرين.
لكن ماذا عن اليوم؟ هل ندرك حقاً أن الحرب التي اقتضت حمل السلاح طوال 15 عاماً قد انتهت منذ أكثر من 26 عاماً؟ هل ندرك حقاً أن البندقية كفعل سياسي هي الاستثناء في تاريخ اليسار في هذا البلد، لا القاعدة؟
صحيح أن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي جزء أساسي من تاريخ الشيوعيين واليساريين في لبنان، كما هو الحرس الشعبي والأنصار والنضال العمالي والسياسي، لكنها تبقى في النهاية محطة نضالية لا ولن ينتهي الزمن عندها. أما التقديس الذي يحمل في طياته بعداً تأسيسياً يظهر أن البعض يريد أن يبقى أسير هذه اللحظة. وكأن متلازمة جمول قد التصقت بحراكنا السياسي الآنيّ إلى الأبد لتكون ميزان العدل ومعياراً محدداً لكل ما نقوم به.
هذا التقديس هو القطيعة الأخطر مع الثقافة الحقيقية لليساريين والشيوعيين اللبنانيين الأوائل، حيث لم يكن العنف المسلح قائماً هدفاً بذاته ولذاته. هؤلاء لم يحملوا السلاح قبل أحداث 1958 ورموه مع انتهاء الأحداث. ثم عادوا وحملوه في نهاية الستينات. حملوه فقط يوم كانت الأرض محتلة ولم يكن هنالك من دولة تدافع وتصد الاعتداءات الإسرائيلية.
لهؤلاء المجهولين المعروفين، لا أعرف إن كنت أملك شجاعتكم وتفانيكم. لو كنا على زمانكم لحملنا السلاح مثلكم. أنا اليوم أحتفل بالجبهة كجزء من تاريخ ناصع، لنتذكر أنه حين دخل العدو إلى الأرض، قام شباب في عمر الورد بالتصدي له وطرده. أما أن نحمل السلاح في عقولنا إلى الأبد بانتظار هذا اليوم، فهذا هو الابتعاد عن جوهر فكرة المقاومة بصفتها حالة استثنائية يفرضها وجود الاحتلال، لا دوامة دائمة قائمة بحد ذاتها ولذاتها.*
في يومكم أيها الأبطال العاديون جداً حتى الثمالة: ليتنا نحيا ما تبقى من أيامنا دون أن يكون السلاح جزءاً متلازماً منها كما كان السلاح جزءاً من حيواتكم. ليت هذه البندقية الطارئة تغادرنا نهائياً ولا تبقى عنواناً لنضالنا السياسي أو ممراً إلزامياً لمستقبل أولادنا من بعدنا.”