أخباركم – أخبارنا
كتب د. بشير عصمت
السلام لأرواح الشهداء، ضحايا الإجرام في فلسطين ولبنان.
من الجانب اللبناني مسألة الحرب في الجنوب اليوم هي بين حدّين، كل منهما له مبرراته، لكن هذه المبررات موجودة في كتابين مختلفين، فالثأر لدم الشهداء الابرياء له مبرراته وكتابه وانتماؤه الثقافي، والتعقل لالتقاط النفس ولملمة الجراح له كتابه وحكمته.
بالطبع الميل العاطفي هو للحد الأول، بما يتناسب مع كرامتنا ووفاء للمظلومين ضحايا غدر العدو مع الاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات لإحقاق الحق.
وربّ قائل ان التعقل هو استسلام وقائل ان ما تم اعتماده قبل 2006 من اساليب قتال كان اكثر جدوى. حرب انصار لا حرب جيوش ومؤسسات.
في كل الأحوال، ثمة قراران يحددان مصير الوضع، هما موقفكم عصر اليوم ونوايا وموقف العدو.
كل ما يقال خارج ذلك هو من صنف التمنيات. لكن كمواطن لي أن اسجل لسماحتك ما يلي:
يخطئ من يظن أن الثأر هو شكل من الحرب الطويلة التي يقطعها فاصل لتتوقف لحظة تسمى لحظة ثأر كلحظة هدنة او لحظة استعداد. هي لحظة عاطفية هامة لكن لا وجود لها في الحروب الكبرى. فهذه الحرب ليست ثأراً. هي حرب متنقلة من عهد الى نظام منذ ثمانية عقود. ضد معتد لا نعرف اسماً له ولا عشيرته، كل ما نعرفه انه محتل مدعوم دولياً ومجرم.
اما التعقل فهو الحرب الحقيقية. هو اعادة نظر في ما نملك في امكانياتنا، في سلوكنا وابتعادنا عن ناسنا. في تفردنا وتحالفنا مع آخرين ليسوا بالضرورة اقرب الينا من أبناء البلد. في احتكارنا القرار في لبنان وتقرير اننا وحدنا ضنينين بفلسطين، وهل الاستيلاء على ملف المقاومة منفرداً مع انك أبليت بلاء حسناً يتيح لك عدم الاعتراف بمن سبقك من اجيال ناضلت واستشهدت وبذلت ولا يزال اغلبها حياً. في معاداتنا لغضب اهلنا ونقمتهم على سلطة سرقتهم وجوّعتهم. في اتهام الآخرين من مواطنينا بأنهم من صنف الأعداء عملاء اميركا واسرائيل. في اعتبار من ولد من طائفتك أو دينك في أي بلد هو اقرب اليك من اي آخر من مواطنيك. في دفاعك عن الاشرار وحمايتهم. في المشاركة في تمزيق الدولة وبناء ثقافة خاصة تنشئ اجيالاً في المناطق التي تسيطر عليها منعزلة عن كل آخر.
لا ادرج منع انتخاب رئيس أو سوى ذلك من المماحكات السياسية المشروعة. رغم ان هذا الأمر كان ولا يزال توظيفاً خطراً في عملية المساندة.
قلة هي التي لا تقدر شخصك واقل هم من لا يكنون احتراماً لأنصارك، اما التمييز الطائفي فتمارسه كل الجماعات الطائفية بمن فيها انتم، ولا اخفي ضيق المواطنين من فرض طقوسكم على مناطق معينة وتمددها الى أخرى، في حين هذا غير موجود في مناطق خارج نفوذكم. ولا ادعي خلو اي طائفة من الشوائب، كما ان لا صفاء ثقافي في اي طائفة فكل ثقافات الطوائف متشابكة. وكل محاولة لتنقية ثقافة من تأثير الأخرى يساهم في تكوين التباعد.
يخاف اللبنانيون من ان ينقسم بلدهم بسبب تدخل دولي أو بسبب انعدام المشتركات أو هيمنة ثقافة طائفة على هذه البلاد المرغوبة بتعدد الثقافات فيها وبلاد حريات شخصية وعامة.
لا امكانية لديّ للخوض في ذكر المشتركات لتعددها الكبير وعمقها، ولكن المؤكد هو ميل المواطنين العام للعيش معاً بسلام.
اما في الحرب، وأنا من دعاة التعقل والمراجعة لا ادعو للتطبيع بالطبع، انما أدعو لبناء الذات القوية الجديرة بتحقيق السيادة وبناء المؤسسات ومنع تجزئة او تفرقة بين المواطنين، وبناء الذات العلمية القادرة على تصنيع التكنولوجيا لا استهلاكها والتهيئة للمواجهة أو المنافسة، وهذه صفة يتفرد فيها لبنان ويملك باعاً فيها.
أتطلع الى دعمكم إعادة الدور للجيش وبناء قدراته وإعادة الاعتبار للجامعة اللبنانية والتوقف عن ابتلاعها لأنهما وحدهما، هاتان المؤسستان، قادرتين على اعادة جمع البلاد وانفتاحها على بعضها، ومنع اقفال المناطق وحينها يعود من السهولة على الشيعي السكن في جونية او الماروني في الضاحية. اما الاوضاع المعيشية للسكان فأنت الادرى بأحوالها بعدما سلب من تحمون أموال الناس، رواتب وودائع وقيمة العملة في بلد وهنت قواه وانسحقت مؤسساته. بالطبع لن يهلل لحرب تخوضونها من لا يملك مساندتكم إلا التبرع بالدم وقد فعل.
لن أذكر اكثر، ولكن اقول ان من الحكمة مراجعة كل ما ذكرت والانسحاب المشرف من الحرب بتحمل الاضرار التي وقعت لغاية اليوم، والإفادة من الالتفاف الوطني الذي حصل حولكم وحول الحزب والمساهمة في اعادة بناء البلاد كتفاً الى كتف مع الاخرين على قاعدة المواطنية لا الطائفية. واظن أن أي سلوك مكابر آخر سيؤدي الى مزيد من استنزاف البلد وأهله، وستتحملون وحدكم مسؤولية الجوع ويتنكر لكم حلفاؤكم.
واثق أن شعبنا سيبقى الى جانب فلسطين حرة عربية مستقلة، وقد دفع أثماناً لذلك ولن يسامح على أي جريمة في غزة خاصة وسواها، ولكن طالما لا انتصار ولا تحرير ممكن، فلنرتضِ مؤقتاً بخسارة فلسطين واحدة لا فلسطينين.
أرجو أن لا اكون قد تجاوزت مألوف الكلام، واتمنى النظر في ما قلت وأعتذر ان كان من خطأ ارتكبته. ربما ثمة أمور لا تعرفها العامة مثلي، ولكن أنا من بين كثرة واسعة لا طائفية ترغب في العيش الواحد لكل المواطنين بمساواة تامة في دولة حرة سيدة مستقلة عادلة يحكمها شعبها والأوادم منه، ندافع عنها وننصر كل مظلوم بصرف النظر عن لونه عرقه أو دينه.
لي ثقة كبيرة بحكمتك.