كتب ميشال ن. أبو نجم: لقد أثبت حزب الله منذ انخراطه في الدولة اللبنانية خاصة في العام 1992، واتباعه “استراتيجية التكيف” على ما سمتها أمل سعد غريب في كتابها المرجعي “حزب الله: السياسة والدين”، أنه لاعب عقلاني، ويوظف الإجتهاد الفقهي في سبيل محاولة إيجاد المشتركات التي تتيح له الجمع بين إيديولوجيته والواقع السياسي اللبناني المتنوع.
وعلى الرغم من أن “الحزب” رسم خطوطاً حمراء حول سلاحه منذ 7 آيار 2008، واتهامه بعمليات أمنية داخلية، فإنَّه حافظ على لعبة سياسية تتضمن الحوار والتوافق مع القوى الداخلية اللبنانية، وفي بعض الأحيان “التعفف” والحذر من دخول لعبة الدولة، والتي سلمها بالكامل لشريكه رئيس مجلس النواب نبيه بري. لكن أسئلةً كثيرة تجول في الأوساط السياسية والإعلامية عن ذهابه إلى هذا المدى من التشدد في دعم سليمان فرنجية، ووصوله إلى نتيجة تتمثل بشرخ كبير مع البيئة المسيحية، التي يريدها حليفة له، والتي ساهم التفاهم بينه وبين التيار الوطني الحر في كسر الكثير من الحواجز النفسية والمذهبية بين بيئتين مختلفتين.
لدى متابعين سياسيين للحركة الإقليمية والدولية، تفسير لهذا التوتر الملحوظ ليس لدى حزب الله فحسب، بل لدى ماكنته الإعلامية والصحافيين الذين يدورون في فلكه، والذي تصب غالبيتهم جام الغضب على جبران باسيل الذي تجرأ على مواجهة مشروع الفرض، من خلال سليمان فرنجية. وتكشف هذه الأوساط أن توتر “الحزب” هو أكثر من طبيعي، لأن مآلات التسوية الإيرانية – السعودية، لم تصل إلى نهاياتها بعد، ولم تتوضح بعد نتائجها النهائية.
وتوازياً، لم يتوقف الضغط الأميركي بعد، والذي يحاول النفاذ من أكثر من جهة لنزع أوراق القوة من حزب الله، واستغلال لحظة الفراغ الإقليمي والمصالحات في المنطقة، لتحميل “الحزب” مسؤولية ليس فقط الفراغ الرئاسي، لا بل كامل الأزمة المالية والإقتصادية، وبأنه يريد إبقاء اللبنانيين في دوامة الفقر والتخبط.
انطلاقاً من هنا، تشير الأوساط المتابعة ل”أخباركم” إلى أنَّ حزب الله لا يمكن أن يرمي ورقة سليمان فرنجية مجاناً، وسيتمسك بها حتى الحد الأقصى لانتزاع مكتسبات وضمانات معينة. وإذا كان التوافق المسيحي مع نواب “تغييريين” على جهاد أزعور، زاد من الضغط على “الحزب” الذي لم يبادر إلى توسيع لائحة التفاوض الرئاسي وأقفلها منذ البداية على فرنجية، فإنَّ لديه خيارات لإطالة أمد الفراع ومحاولة استنزاف خصومه، متكلاً على قوته المالية والإقتصادية، وعلى نفسه الطويل وصبره المعروف به. وهذا أمر لم يخجل به أساساً وقد جاهر به مسؤولون بارزون في الحزب، كالسيد هاشم صفي الدين ونائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم. أما القوة الإقليمية، فصحيح أنه لم يخسرها، لكن الضبابية التي لم تنه حتى الساعة التوافقات الإيرانية – السعودية حول لبنان، تزيد من تشدده وعدم مبادرته إلى اجتراح خيارات بديلة، هي آتية حتماً بعد السقوط المؤكد لورقة فرنجية.
من هنا، تشدِّد الأوساط لـ”أخباركم” على أنّ حزب الله يريد ضمانات واضحة حول دوره، وترتيبات مالية واقتصادية، وقد تكون عبر ضمانات باستثمارات عربية في لبنان. ذلك أنه على الرغم صمود حزب الله وبيئته بأشكال شتى، لكن هذا لا يمكن أن يدوم إلى فترات طويلة في ظل الإنهيار الكبير في كل القطاعات.
بكلام آخر، يريد “الحزب” حلاً كاملاً، خاصة وأن مرحلة ما بعد توقيع اتفاق الترسيم رسمت حدوداً للعبة الصراع مع إسرائيل وتوازناً ساهم هو أساساً بنشوئه نتيجة القوة العسكرية التي بات يمتلكها.
في المقابل، أبرزت الأيام الأخيرة وجود تقاطعات أميركية – إيرانية – سعودية حول الملف اللبناني، كما يقول العارفون، وقد يشمل ذلك تسريعاً للحل على مستوى رئاسة الجمهورية…