كتب ابرهيم بيرم لـ” أخباركم – أخبارنا”
اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، يمثل بلا شك ضربة قاصمة للحزب والمحور الذي ينتمي إليه. هذه الضربة لا تأتي فقط نتيجة فقدان شخصية قيادية بارزة تمثل رمزًا للمقاومة في لبنان والمنطقة، بل أيضاً لأنها وقعت في وقت حساس للغاية. فالمرحلة الراهنة تتسم بتعقيدات شديدة، لا سيما في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي مثلت تحولاً كبيرًا في الصراع مع إسرائيل.
حزب الله، بقيادة نصر الله، كان يلعب دوراً محورياً في هذه المرحلة الجديدة من التصعيد، حيث اعتبر نصر الله رمزاً للمقاومة والمواجهة الإقليمية ضد إسرائيل والولايات المتحدة. بصفته القائد الأكثر بروزاً في هذا الصراع، كان يُنظر إليه كمدافع رئيسي عن القضية الفلسطينية، خاصة في ظل التحولات التي جاءت بعد العملية النوعية التي شنتها المقاومة الفلسطينية.
فقدان نصر الله في هذه اللحظة الحساسة يخلق فراغاً قيادياً صعب التعويض. كما أن توقيت الاغتيال يزيد من حرج الموقف، حيث تصاعدت حدة المواجهات الإقليمية بعد عملية “طوفان الأقصى”، وبدأت المنطقة تشهد تحولات استراتيجية كبرى قد تعيد تشكيل خارطة النفوذ السياسي والعسكري.
ولكن المهمة الكبرى والتحدي الضخم عند كل من الحزب والمحور الممانع، صار بعد ضربة الاغتيال هو كيف يمكن لهما معا ملء الفراغ المدوي الذي نجم عن غياب قائد بهذا الدور الريادي الاستثنائي.
المعلوم ان وضع الحزب قبل تولي نصرالله زمام قيادته هو شيء وبعد توليه المسؤولية الأولى فيه طوال 22 عاما شيء اخر مختلف تماما .
فعندما املت تطورات عام 1992 السيد نصرالله تولي الرجل خلافة سلفه السيد عباس الموسوي بعد ان قضى مثله مقتولا بفعل غارة إسرائيلية استهدفته ابان عبوره بلدة تفاحتا الجنوبية في طريقه من جبشيت الى الضاحية الجنوبية ، كان الحزب يخرج لتوه من مرحلة صعبة جدا ، فهو كان قد حاض حروبا دائرية في معظم القوى المحلية ، فضلا عن اصطدامه مع السوريين وقوى اليسسار ومثل الحزب حينها حالة نافرة وعصبية ، بل كان مستمرة لعبة التمرد والاصطدام مع كل ما عداه من قوى وأفكار. ولم يكن ذلك غريبا فالحزب كان قد انطلق في رحلة مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، لكنه كان متماهيا الى درجة الاندماج مع الثورة الإسلامية في ايران رافعا يومها شعار السعي الى إقامة حكم إسلامي في لبنان .
لكن مع دنو نهايات الحرب الاهلية مع بروز اتفاق الطائف في اواخر عقد الثمانينات قيض للحزب اختيار قيادة جديدة رمزها الأبرز السيد عباس الموسوي صاحب الرؤى الانفتاحية والقطيعة مع مرحلة سلفه الذي طلب منه التنحي ففعل على مضض وعلى غير قناعة خصوصا وقد حمل مسؤولية الحرب بين الحزب وحركة “امل ” .
وهكذا خطا الموسوي خطوات سريعة ومتقدمة في تبنيه لاداء جديد. وقد نجح في اظهار هوية جديدة للحزب تظهر للمرة الأولى في محافل بيروت السياسية جائلا على قيادات وقوى لم يكن الحزب مستعدا سابقا لاي تلاق او تحاور معها ومعطيا دليلا على تحول وانعطافة في سلوك الحزب البياني منذ ان تكون ونشأ بعيد الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان في صيف عام 1982
مع السيد الموسوي اصر الحزب على مضيه في رحلة التحول ، وبمعنى آخر مضى قدما نحو تاسيسس جديد للحزب ورؤاه يقوم على مبدا مصالحة الداخل للتفرغ للمهمة الأولى وهي مقارعة الاحتلال باعتبارها بمثابة الرافعة
هذه المهمة استكملها بجدارة خليفة الموسوي السيد نصرالله الآتي الى الحزب من حركة ” امل ” التي تركها بعيد اجتياح 1982 احتجاجا على مشاركة رئيسها في “جبهة الإنقاذ ” التي اعلنها الرئيس الياس سركيس.
وبمعنى اخر قرر نصرالله تنكب مهمة صعبة وشاقة ، اذ كان عليه ان يجبر شريحة من الحزب بتقبل موجبات الانعطافة والتحول التي انطلقت من جهة وان يقنع الخارج بان الحزب لم يعد حالة طافرة ،وانه صار مستعدا للتعايش والتفاعل مع كل من يستقبله.
وهكذا اكتملت مع نصرالله رحلة القطيعة مع ماض يعتبره البعض بانه مرحلة ظلامية وكان لزاما عليه ان يمضي في خطوات ابعد واعمق لكي يثبت بالبرهان صحة ما هو بصدده.
اول صعود ذا قيمة كبرى للحزب بقيادة نصرالله كان في اول انتخابات نيابية جرت بعيد الشروع بتطبيق اتفاق الطائف في عام 1992، حينها اظهرت نتائج نلك الجولة الانتخابية ان الحزب حالة متجذرة في الوسط الشيعي وانه استطرادا رقم صعب في المشهد السياسي اللبناني عموما.
من يومها بدا نجم نصرالله بالصعود وبدا حالة جاذبة خصوصا ان حالة المقاومة الإسلامية التي يقودها الحزب ويرفدها بمزيد من المقاتلين المندفعين ، تحقق منفردة إنجازات ميدانية يعتد بها خصوصا بعد ان صارت مقاومة الحزب لوحدها وقد غادر الذين سبقوه الميدان لاسباب متعددة ، وبمعنى اخر اثبتت مقاومة الحزب بالدليل والبرهان انها خلالفا لتجربة اخرين لا تخوض مقاومة استعراضية بهدف الإمساك بأكبر قدر من أوراق التفاوض عند الجلوس الى مائدتها
اما المعيار الأبرز لازدياد هيبة نصرالله وعلو صورته فكان يوم ن سقط نجله السيد هادي مع ثلة من رفاقه في عملية كانوا ينفذونها في منطقة الجبل الرفيع في جبل الريحان، فبدا نصرالله مجسدا حالة غير مسبوقة في سيرة القيادات، فهو اول قائد يسمح بنزول ولده الى الميدان حيث سقط واسرت جثته.
وعلى الأثر وفيما كان نصرالله يتقبل التعازي بنجله في سرادق ضخم أقيم في يوسط الضاحية سرت موجة تعاطف محلية وخارجية معه عززت الامال بالمقاومة ودورها من جديد بعدما أصيب المعنيون بحال احباط من مسارع ياسر عرفات الذي عقد معاهدة سلام مع الاسرائيلي لاتحقق للفلسطينيين ما ياملونه وينتظرونه.
وبمعنى اخر جسدت مقاومة حزب الله نقطة ضوء للمؤمنين بان السلام مع العدو ليس قريب التحقق خصوصاً وانه قد اخل بكل التعهدات التي أعطاها في اتفاقية أوسلو. كان ذلك بمثابة عامل تشجيع للحزب لكي يمضي قدما في المواجهة مع الإسرائيليين الذين كانوا ما زالوا يبسطون سيطرتهم على قسم من الشريط الحدودي مع لبنان.
إضافة الى ذلك قدم الحزب أداء نوعيا في ميدان المقاومة مثل عملية انصارية التي ظهر جليا ان الحزب استدرح الإسرائيليين الى مكمن نصبه لهم وابلا في التصادم معهم بلاء حسنا.
ولاريب ان ذروة صعود الحزب وزعيمه تجسدت في جلاء الإسرائيلي عن الجنوب في أيار عام 2000، واللافت ان الحزب نجح في تجيير الانسحاب الاسرائيليي وتصويره على انه تحقق بفعل مقاومته هو وبنتيجة ضربات مقاوميه ، فكان الامر تحريرا متكاملا.
من البديهي ان هذه المحطة الاستثنائية قد رفعت من مكانة الحزب وثقته بنفسه ووضعت زعيمه في مصاف القادة ، وقد برع نصرالله في هذا الدور بفعل امتلاك ناصية الخطابة وتقديم نص واطروحة متكاملة مع كل اطلالة إعلامية له.
تجربة حرب عام 2006 كانت أيضا عنصرا اخر أضاف الى رصيد الحزب الشعبي فهو نجح في تظهيرها على انها انتصار اخر تحقق على الاسرائليين على رغم جسامة التضحيات والخسائر حينها .
بعدها اغرت التطورات التي عصفت بالمنطقة الحزب على تخطي حدود لبنان والانتشار في الإقليم جاعلا من نفسه قطب المحور وذراعه الضاربة وظل الوضع على هذا المنوال الى ان أتت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حليفته حركة حماس .
وفق العارفين باحوال نصرالله انه وجد نفسه امام خيارين احلاهما مر وكلاهما مكلف ، فان تلرك حماس وحيدة معناه سقوط مدو لكل تحدياته واستعداته السابقة التي وردت على لسانه وان يشرع في دعمها فان الامر مكلف خصوصا لجهة القدرة على التسويغ والتبرير ، وفضلا عن انه مقتنع ضمنا بان زمن التحرير الكامل ما زال بعيدا ـ فاختار حرب الاسناد مقرنا ذلك بالإعلان عن انه لم يستشر فيها ولم يعلمها سابقا فبدا وكنه مجبر او مكره على هذا الفعل.
وسواء كان نصرالله ذهب نتيجة خطا في الحسابات لمحوره ككل عندما اقتحم المهمة على عجل واشهر حرب دعم حماس مفضلا الخسارات المتوقعة على ان يقال عنه انه خذل الفلسطينيين وقضيتهم مجددا ، فالثابت ان نصرالله وحزبه قد دفعا الثمن الأكبر فالحزب خسر قائدا استثنائيا وبات لزاما عليه مهمة الاتيان بخليفة له لايشعر المعنيون وخصوصا جمهور الحزب ان ثمة فارق بين الخلف والسلف خصوصا لجهة القدرة على إعادة تعويض ما خسره الحزب في مواجهاته الدائرة منذ نحو عام ولجهة الحفاظ على المكانة التي بلغها الحزب خلال اكثر من اربع عقود مضت على تاسيسه وانطلاقته.
لاريب ان الحزب يدرك تماما ان الأعداء نجحوا دوما في لعبة ” قطع الراس وجز الأطراف وهذا ما فعلوه دوما مع الفلسطينيين وخصوصا عرفات.
والسؤال الأكبر الذي يدور في أوساط عدة هل يكون قتل نصرالله مقدمة على اخضاع الحزب الى معادلات القوة الجبارة التي فتكت الفتكة الكبرى بالحزب وبحليفته حركة حماس عبر الاتيان بقيادة جديدة تقبل المساومة والحلول السياسية متخلية عن شعارات المرحلة الماضية تحت عنوان هذا ما قدرنا عليه.
لحد الان ثمة رمزان في قيادة الحزب يشار اليهما على ان احدهما هو الخليفة المؤهل لتنصرالله وهما رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين ونائب الأمين العام الشيخ تعيم قاسم.
واذا كانت كل التكنهات تشير الى ان كفة صفي الدين هي الأرجح كونه يشار اليه منذ زمن على انه الخليفة المنتظر لابن خالته السيد نصرالله ، فالظاهر ان كليهما يعرفان ان المهمة ان آلت اليهما صعبة وشاقة وهي عبارة عن تحد كبير.