كتبت عايده الاحمدية: في الثامن من حزيران من العام 1999، وقعت جريمة مروعة لا تزال ماثلة في ضمير اللبنانيين وذاكرتهم، الا وهي جريمة اغتيال القضاة الأربعة على قوس «محكمة جنايات لبنان الجنوبي». وفي هذه الذكرى الاليمة غرد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عبر “تويتر”، قائلا “ويبقى ذكركم خالداً مهما انطوت السنين، ويبقى رفاقكم أوفياء لدمكم وللقسم، فرسان في ساحات العدالة، للعلياء… للوطن”.
في الذكرى الوطنية لشهداء القضاء المحددة في 8 حزيران من كل عام قال رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود نستلهم من القضاة الشهداء ارادة المواجهة والتضحية والعطاء حتى الشهادة، في زمن قل فيه من يواجه، وندر فيه من يقاوم. ولنشهد في ذكراهم على قول الحقيقة الصعبة، حول دولة القانون وحالة القضاء وأوضاع العدالة”.
واكد عبود خلال وضعه في قصر العدل في صيدا إكليلا من الزهر على النصب التذكاري للقضاة الشهداء، بمشاركة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري خوري، “إن دولة القانون والحق والعدالة تتلازم مع قضاء حر ومستقل وفاعل، فأين نحن منها، وكيف السبيل اليها! الجواب واضح وقاطع كاليقين، وخلاصته الآتي: لا قضاء، بلا قانون يضمن استقلاليته، ولا قضاء بلا مجلس أعلى للقضاء مكتمل موحد ومنسجم، ليكون قادرا على تسيير شؤونه وتحمل مسؤولية قراراته، بعيدا عن أي تدخلات أو تأثيرات، فيسأل حينها عن أي خلل في دوره، وعن أي إخلال بموجباته، ولا قضاء بلا تفتيش قضائي مبادر وفاعل، ولا قضاء بلا تشكيلات او انتدابات او الحاقات قضائية مبنية على معايير موضوعية، وليس على محاصصات او ارتهانات او تدخلات، ولا قضاء بلا هيئة عامة لمحكمة التمييز، قادرة على تأمين استمرارية مهامها عبر اتخاذ القرارات الواجبة، وفق قواعد الاجتماع والنصاب المفترضين والمتوافرين، ولا قضاء بلا وصول الى الحقيقة والعدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، كما لا قضاء بلا ملاحقة من يقتضي تجريمه في ملفات الفساد وهدر المال العام واستعادة الأموال، بمعزل عن اي استنسابية، لتطال الملاحقات جميع المرتكبين والفاعلين دون اي تمييز أو حماية، ولا قضاء ايضا بلا تأمين الواجب لقصور العدل، وبلا رواتب ومخصصات عادلة للقضاة ومساعديهم، فتتحقق العدالة لمن يفترض فيهم تحقيق العدالة”.وشدد في الختام على “أن هذه هي الأهداف والحلول التي توصلنا الى دولة القانون، والتي حاولنا ونحاول تحقيقها ضمن الأحكام القانونية المعمول بها، كما سنسعى دائما الى تحقيقها. ولفت عبود الى انه بات من الثابت ضرورة اقرار قانون استقلالية السلطة القضائية من قبل السلطة التشريعية،
وفي استذكار لجريمة اغتيال القضاة الاربعة فقد كانت محكمة جنايات لبنان الجنوبي في قصر العدل القديم وسط مدينة صيدا ، قبل ٢٤ عاما مسرحا لتلك المجزرة المروعة بحق العدالة حيث أطلق الجناة المسلّحون النار بغزارة على قوس القضاة، من خلال نافذتين مُطلّتين على موقف السيّارات الواقع خلف المبنى ،ما أدى الى استشهاد اربعة من خيرة القضاة هم رئيس محكمة الجنايات في لبنان الجنوبي القاضي حسن عثمان ، المستشار القاضي وليد هرموش، المستشار القاضي عماد شهاب، و المحامي العام الاستئنافي القاضي عاصم بو ضاهر بالاضافة الى اصابة كل من: المحامي سالم سليم، زهرة نجم، الرقيب الأوّل علي عليان، العريف أكرم الأشقر والكاتب لدى المحكمة كميل رحال.
ورافق وقوع تلك الجريمة وقتها سلسلة تحليلات للدوافع وانتقادات لعدم التشدد في حماية قصور العدل كما اخذ على المعنيين عدم تسريع التحقيقات والحكم الذي صدر بعد عشرين عاما حيث انتظر اهالي الشهداء اياما وليال، وبعضهم فارق الحياة، قبل صدور الحكم الذي لم يبرد قلوبهملا لحيثياته بل لبقاء المحكومين متوارين عن الانظار
وتضمن حكم هيئة المجلس العدليه الذي صدر بعد سلسلة تحقيقات معقدة، ، انزال «عقوبة الإعدام بحق أحمد عبد الكريم السعدي الملقب بأبي محجن» وأربعة من رفاقه و«محاكمتهم غيابياً لتواريهم عن الأنظار في مخيم عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان.
وبرأ المجلس العدلي، الذي لا تقبل أحكامه أي طريق من طرق المراجعة، الموقوف الفلسطيني الوحيد في الجريمة وسام طحيبش لعدم كفاية الدليل وقرر إطلاق سراحه فوراً.
وكان القضاء اللبناني قد اتهم في العام 2017 رئيس «عصبة الأنصار»، وهو فصيل فلسطيني متشدد في مخيم عين الحلوة، وخمسة من رفاقه بـ«إقدامهم عمداً وعن سابق تصور وتصميم على قتل رئيس وأعضاء هيئة محكمة الجنايات في صيدا
وتعد جريمة اغتيال القضاة من أبرز الأحداث التي هزت الجسم القضائي ، وأحدثت صدمة كبيرة في المجتمع اللبناني اذ إن اغتيالهم لم يكن فقط هجومًا عليهم كافراد فقط ، ولكنه هجومًا على العدالة ونظام القضاء في لبنان. فالقضاة في اي دولة هم الحماة الأساسيين للسلطة القضائية ودعامة أساسية في بناء دولة قانون.