.:
كتبت عايدة الأحمدية لـ ” أخباركم – أخبارنا”
أكثر من مليون نازح، بينهم 250 ألف لبناني، وجدوا أنفسهم بلا مأوى خلال الأيام القليلة الماضية. إزاء هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، اضطرت الحكومة اللبنانية إلى رفع عدد مراكز الإيواء. أعلن منسق لجنة الطوارئ الحكومية وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين في تقرير جديد أن “عدد المراكز في المرافق العامة ارتفع إلى سبعمئة وسبعة وسبعين مركزًا تشمل مدارس رسمية ومجمعات تربوية ومعاهد مهنية ومراكز زراعية موزعة في مختلف المحافظات. وقامت وزارة التربية بإضافة مئةٍ وعشرين مدرسة جديدة لاستقبال النازحين في الساعات الأخيرة ووصلت القدرة الاستيعابية للحد الأقصى في المؤسسات التعليمية الرسمية في بيروت وجبل لبنان”.
كذلك وصل عدد النازحين المسجلين في مراكز الإيواء المعتمدة من قبل غرفة العمليات الوطنية حتى الساعة إلى مئة وستة عشر ألف نازح، ناهيك عن النازحين المنتشرين في القرى والبلدات اللبنانية غير المسجلين.
ويظهر التقرير الذي نشره الوزير ياسين أنه “من تاريخ 23 أيلول لغاية 29 أيلول 2024 سجّل الأمن العام عبور 36,188 مواطنًا سوريًا و41,307 مواطن لبناني إلى الأراضي السورية”.
إزاء هذا الوضع، تواجه الحكومة اللبنانية أزمة تفوق طاقتها، ما يضع ضغطًا هائلًا على البنية التحتية اللبنانية، وسط نقص حاد في الموارد والخدمات الأساسية.
المشهد في المدارس وأماكن الإيواء محزن، فتلك المراكز باتت مكتظة ويعاني النازحون فيها من ضغوط كبيرة ونقص في المستلزمات الأساسية رغم تضافر الجهود لتأمين الحد الأدنى من احتياجات النازحين. فالسلطات اللبنانية تواجه اليوم أزمة تفوق طاقتها، فكيف إذا زاد عدد النازحين الذي بلغ حتى الآن حوالي مليون شخص، كما أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي أشار إلى أن هذا العدد مرشح للارتفاع مع استمرار العمليات العسكرية وتوسعها.
وفيما أكّد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد مكاري، أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية على حفظ كرامة النازحين وتأمين حاجاتهم، لفت وزير الداخلية بسام مولوي إلى أن هناك نواقص سببها العدد الكبير من النازحين، مشيرًا إلى أن المحافظين على تواصل مع الجمعيات والهيئة العليا للإغاثة والجمعيات الأهلية والمحلية.
من جهتها، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن تحويل مليون دولار للنازحين من الأقضية السبعة في الجنوب بهبة صينية.
معاناة النازحين:
على الرغم من المساعي الكبيرة التي تبذل لتأمين حاجات النازحين، إلا أنه مع توسع رقعة المناطق المستهدفة بالقصف، وجد الكثير من النازحين أنفسهم دون مأوى. فمنهم من افترش الرصيف ونام في أماكن مفتوحة، ومنهم من سار هائمًا على وجهه لا يعرف أين يذهب بعائلته. وبعضهم اختار منازل أقرباء. أما الميسورون منهم فقد قاموا باستئجار منازل في مناطق آمنة. كذلك الأمر بالنسبة لأهالي المجندين مع حزب الله؛ فهؤلاء لم يتركهم الحزب كما حدث مع الآخرين، فقد تأمنت لهم الأموال لاستئجار المنازل اللائقة في لبنان أو في سوريا، وقد دفعت لهم مبالغ تكفيهم لمدة سنة. ولكن لهؤلاء النازحين قصة أخرى، فعلى الرغم من حصولهم على الأموال من الحزب، إلا أنهم يجدون أنفسهم ملاحقين حتى في القرى النائية التي لجأوا إليها، مثل ما حدث في بلدة بعذران، حيث تعرضت منازلهم للقصف. وقد أثارت مثل هذه الحوادث تخوف القرى المستضيفة.
وهذا الأمر انسحب في بعض المناطق حتى على الأشخاص غير الحزبيين، فقط لكونهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية، حيث سُجلت أكثر من حادثة في هذا الإطار. وعلم موقعنا “أخباركم – أخبارنا” أن بعض النازحين طلب منهم مغادرة أماكن سبق واستأجروها. ومن الأمثلة على ذلك، تقول إحدى الإعلاميات التي انتقلت مع زوجها وابنها إلى منزل صديقة لها في منطقة حرش ثابت، إنها وجدت نفسها مضطرة للمغادرة بعدما طلب منهم مالك المنزل ذلك. أيضًا، تكرر الأمر في بعض قرى الجبل، خاصة بعد حادثة بعذران، حيث قام بعض الأهالي بطلب مغادرة النازحين خوفًا من استهدافهم من قبل إسرائيل.
النازحون الفلسطينيون والسوريون:
أزمة النزوح لم تطل اللبنانيين فحسب، بل شملت الفلسطينيين والسوريين الذين يعيشون أيضًا ظروفًا صعبة. فعلى صعيد النازح الفلسطيني، فقد غصت بعض مراكز الإيواء بالمئات من الفلسطينيين الذين هُجروا من أرضهم، وها هم يُهجرون من مساكنهم في لبنان التي تقع في نطاق الاستهدافات العسكرية. هؤلاء واجهوا أيضًا صعوبة في تأمين المأوى والمستلزمات الضرورية، لكنهم يتلقون بعض المساعدات من اليونيسف.
أما النازحون السوريون الذين اضطروا إلى ترك مساكنهم في بعض المناطق التي تتعرض للقصف، فقد تم استقبالهم من بعض الجمعيات غير اللبنانية. وأعرب البعض منهم عن استيائهم من طريقة تعامل اللبنانيين معهم، وكذلك من دولتهم التي فرضت على كل فرد أراد دخول الأراضي السورية تصريف مبلغ مئة دولار، بينما عملت السلطات السورية على تأمين الخدمات لنازحين لبنانيين. ويقول أحد النازحين: “ألسنا أولى كسوريين بتلقي المساعدات من دولتنا؟”
الى ذلك وبعد شكوى النازحين السوريين من الاجراءات التي تفرضها عليهم السلطات أصدر رئيس مجلس الوزراء السوري محمد الجلالي اليو قراراً بوقف العمل بقرار مجلس الوزراء رقم 46/م ولعام 2020 وتعديلاته المتضمن تصريف مبلغ 100 دولار أميركين أو ما يعادله بإحدى العملات الأجنبية التي يقبل بها مصرف سوريا المركزي حصراً إلى الليرة السورية من قبل المواطنين السوريين، ومن في حكمهم عند دخول الأراضي السورية لمدة أسبوع بدءاً من تاريخه، وذلك بسبب الظروف الطارئة المصاحبة للعدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية
كذلك تحدث بعض النازحين السوريين عن معاناتهم أثناء هروبهم من القصف. وقال أحدهم: “لم نصدق متى وكيف خرجنا من الجنوب. استغرقت رحلتنا إلى بيروت 14 ساعة، وهي تستغرق في الأوقات العادية ثلاثة أرباع الساعة. عانينا من العطش والجوع، ولم يتم استقبالنا في مراكز الإيواء في صيدا، إلا أن لجنة من الكويت استقبلتنا ونقلتنا إلى طرابلس، حيث نعيش الآن بأمان وتقدم لنا المساعدات”.
دور الجمعيات الأهلية:
تعمل الجمعيات الأهلية على تقديم المساعدات الإنسانية عبر توزيع الطعام والماء والمستلزمات الأساسية. كما تقدم الرعاية الصحية من خلال تنظيم عيادات متنقلة وتوفير الخدمات الطبية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، توفر الدعم النفسي من خلال تقديم جلسات استشارية وبرامج دعم نفسي للنازحين.
دور المنظمات الدولية:
تساهم بعض المنظمات الدولية في توفير الموارد المالية اللازمة لدعم جهود الإغاثة. كما تشارك في تقديم الخبرة التقنية والمشورة والدعم الفني في إدارة الأزمات والاستجابة الإنسانية. تقوم هذه المنظمات أيضًا بتنسيق ربط الجهود المحلية بالمساعدات والموارد الدولية، ومراقبة ضمان احترام حقوق النازحين وفقًا للمعايير الدولية.
إضافة إلى ذلك، تلعب دورًا هامًا في عملية الرصد والتقييم، حيث توثق الوضع وتقدم تقارير دورية لتوجيه الاستجابة الدولية. كما تعمل مع الحكومات والمنظمات المحلية لزيادة الدعم للنازحين.
أبرز العقبات:
تضع أزمة النزوح الجميع أمام تحديات كبرى، حيث تواجه الدولة والجمعيات عدة عقبات، من أبرزها:
زيادة الطلب على الغذاء والماء والمأوى والخدمات الصحية في المناطق المستقبلة للنازحين.
عدم كفاية مراكز الإيواء لاستيعاب جميع النازحين.
صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية بسبب اتساع رقعة المناطق المستهدفة.
الحاجة الملحة للرعاية الصحية، خاصة للفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن.
الآثار النفسية والاجتماعية:
كما سبق ذكره، فإن الطريقة التي يتم التعاطي بها مع النازحين تعرضهم لصدمات نفسية عديدة، وأبرزها:
فقدان منازلهم وممتلكاتهم.
صعوبات في التكيف مع الأوضاع الجديدة والبيئة المختلفة.
التوتر الاجتماعي بين النازحين والمجتمعات المضيفة، خاصة مع محدودية الموارد والاختلافات الدينية والسياسية.
صعوبة التنقل بين المناطق بسبب العمليات العسكرية.
الخوف المستمر من توسع دائرة الاستهداف واضطرارهم إلى الانتقال إلى أماكن أخرى.
إمكانية استمرار الأزمة لفترة طويلة، مما يتطلب حلولًا طويلة الأمد للنازحين.
الحاجة إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة عند انتهاء الصراع.
وفي هذا الإطار، يشار إلى المخاوف التي اعترت الكثير من النازحين بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، الذي كان قد وعدهم بأن منازلهم ستعود أفضل مما كانت، وكلامه كان بالنسبة لهم الضمانة.
خوف المجتمع اللبناني من إيواء النازحين:
تُقابل مخاوف النازحين بمخاوف من المجتمعات المضيفة، إذ قد يرهق إيواء النازحين المناطق التي لجأوا إليها اقتصاديًا. كما يخشى البعض من أن يعمق هذا الوضع الانقسامات الطائفية القائمة في المجتمع اللبناني، خاصة إذا شعر بعض المواطنين بالتمييز أو الظلم. وقد يؤدي هذا إلى توترات اجتماعية تقوض جهود بناء التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية في لبنان.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التوتر الناتج عن رفض إيواء نازحين من طائفة معينة إلى مخاوف أمنية في بعض المناطق. وإذا طال أمد النزوح، فإنه قد يشكل ضغوطًا كبيرة على السلطات البلدية والحكومة، وقد تواجه هذه الجهات تحديات في إدارة الأزمة بفعالية.
أما على الجانب الإيجابي، فقد تخلق هذه الأزمة فرصًا للحوار والتفاهم بين الطوائف المختلفة.
تتطلب أزمة النزوح في لبنان تدخلاً عاجلاً وتعاوناً دولياً فعالاً لتقديم الدعم الإنساني والمالي. ورغم جهود الحكومة اللبنانية، فهي بحاجة إلى دعم أكبر للتعامل مع هذا الوضع، الذي يهدد بزعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما يجب أن تشمل الحلول طويلة الأمد إعادة الإعمار وتهيئة ظروف العودة الآمنة للنازحين كجزء أساسي من أي خطة مستقبلية.